"لسنا أرقامًا".. مشروع يوثق حكايات الألم والأمل لـ"أهل" غزة
كتبت- شروق غنيم:
تُنشَر قصة عن الطفلة الفلسطينية سلوى محمد شعث تحاول كبح دموعها، بعدما سالت على وجنتيها حين سمعت اسم والدها الشهيد خلال حفل تكريم في غزة، اليوم التالي صورة أخرى لأطفال يلهوون في شوارع غزة، تملأ الضحكة وجوههم مع تعليق "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". طيلة خمسة أعوام كانت تلك الطريقة هي النهج الذي سار عليه مشروع "لسنا أرقامًا"، ليحكي عن مزيج الحياة والموت في المدينة الأبيّة، في الصباح يُستشهد شابًا وفي المساء تتزوّج صبية، هنا يُصبح الحديث عن الأمل ليس نسجًا من الخيال لكن واقعًا يُعاش يوميًا.
انضم عاصم عطوان إلى مشروع "لسنا أرقامًا"، عام 2018، كمنسق للمشاريع الخاصة بشكل تطوعي، غير أنه صار بعدعام واحد مديرًا للمشروع. حوالي مائة متطوع يعملون على كتابة قصص وحكايات أهل غزة، حتى لا ينتهي بهم الحال أرقامًا في شريط الأخبار "اللي استشهد إنسان كان عنده حياة وطموح"، فيما يركز المشروع أيضًا من خلال منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي على قصص النجاح "لأننا شعب بيحب الحياة وشغوف بيها، عندنا أحلام وحُب ولسنا مجرد حطام منازل وجرحى".
تأسس المشروع عام 2005 بعد الحرب الشرسة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة عام 2014، استشهد شقيق الشاب أحمد الناعوق، الذي كان متطوعًا حينذاك في مؤسسة حقوقية دولية، دخل الشاب في موجة من الاكتئاب، صار منزله رُكام، فيما فقد شقيقه إلى الأبد، لم يستطع نزع نفسه من حالة الحُزن إلا أن اقترحت عليه صديقته صحفية أمريكية بأن يكتب قصة شقيقه "وقع فيا تساؤلات؛ ويش راح تصنع هالقصة؟"، في النهاية كتب القصة وانتشرت بشكل واسع في الإعلام المحلي والدولي، حظت حكاية الشهيد بصدى واسع وكانت سيرته بذرة إقامة مشروع يسرد تفاصيل أهل غزة حتى لا يصيروا يومًا أرقامًا.
قرابة مائة متطوع يقدم كل منهم مقالين خلال الشهر؛ يُنقبّون عن قصص من الداخل الفلسطيني توضح المعاناة التي يمرون بها جراء أفعال الاحتلال الإسرائيلي من خلال تغطية زوايا مختلفة "مش مجرد أخبار، كمان نحاول أن نجد قصص نجاح مؤثرة للحديث عنها.. سواء قصص طارئة، أو من يوميات آلام غزة، أو قصة عن الأمل والحب والحياة أو أغنية أو أكلة".
في العام الواحد يُنتج المشروع حوالي 500 قصة مختلفة، يمر الفريق بكافة المشاعر، قصة تنجرف بكاتبها إلى ظلمات اليأس، وأخرى ترفع من المعنويات "أوقات يمر علينا وقت لا نستطيع كتابة القصص من شدة التأثر بها، وأوقات نشعر بانعدام الأمل تمامًا. نحنا مرينا بحصار دام 14 عام، و3 حروب دامية"، لكن حينما يتابعون رسائل المتابعين يتجدد الأمل بداخلهم "بيحصل عندنا شحن للطاقة لأن رسالتنا مسموعة، ولأننا نؤمن بأن في كل بيت فلسطيني قصة بها المزيج الفلسطيني الحلو والمُر".
خلال الخمسة أعوام التي بدأ فيها المشروع تطوع حوالي 700 شابًا وصبية، رحلة مثمرة يمر بها كل من تطوع في "لسنا أرقامًا"، إذ يحاول القائمون على الفريق إيجاد فرص عمل للمنضمين لهم "من خلال إننا نتواصل مع شركات، بالإضافة لذلك استطعنا أن يحصل بعضنا على منح دراسية وتدريبية". 30 عضوًا نال منحة بالخارج لدراسة الماجستير "بيختاروا مجالات مثل حقوق الإنسان، القانون وعلم الإنسان، كلها مجالات مقاربة لخدمة القضية الفلسطينية"، فيما حصل مائة متطوع على تدريبات من حول العالم على الكتابة الإبداعية ومواضيع حقوقية.
يفخر عطوان بالتجربة، كيف غيّرت النظرة النمطية لأهل فلسطين، يمنح روحه لمشروع "لسنا أرقامًا" ليسرد مزيد من قصص أهل فلسطين، فيما لا يزال يتذكر حين تسبب المشروع في سفره لتونس خلال العام الماضي للعمل في مجال الرقابة الدولية "اختارني مركز دولي لذلك، رغم أنني لأول مرة أتابع عملية ديمقراطية، آخر مرة حصلت انتخابات في فلسطين كانت عام 2006 ولم أكن مؤهل للانتخاب وقتها"، يرى أن اختياره جاء لأن "نحاول كسر الصورة الذهنية عننا، نحن شباب يحب الحياة والتعلم ومستعد يبذل كل جهوده لأجل فلسطين".
فيديو قد يعجبك: