لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أبطال "سجن اختياري" يروون حكاية أول مسلسل مصري على يوتيوب

12:16 م الأربعاء 23 مايو 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-أحمد الليثي وإشراق أحمد:
داخل مقهى منزوٍ برمسيس تشكلت الفكرة، دائرة صغيرة لفريق العمل بعد إحدى ليالي عرض مسرحية "1980 وأنت طالع"، ومعها انطلقت الشرارة "ليه منعملش مسلسل بطولتنا في رمضان؟" بدأ بها محمود جمال الحديني، الحوار، كان ذلك قبل تسعة أشهر بالتمام والكمال، وقتها لاقى الطرح اندهاشًا، تبعه تركيز، ومن ورائه شهور من الكد والعصف الذهني والتنقيح والتطوير حتى خرج العمل في 9 حلقات تُعرض خصيصًا لجمهور اليوتيوب.

"سجن اختياري" مسلسل قرر صانعوه أن يخوضوا التحدي، بصناعة أول مسلسل مصري على يوتيوب، والذي لم تتخطَّ تكلفته 33 ألف جنيه، جمعوها من مدخراتهم الشخصية، وخرج العمل للنور في غضون شهرين فقط.

كان الحديث عن إنتاج درامي بتكلفة قليلة دربًا من الخيال، غير أن 16 شخصًا جعلوه حقيقة "إحنا لمينا من بعض.. قلنا دي قدرتنا وهنشتغل بالفلوس دي ومفيش حاجة هتوقفنا" تحكي خلود عبد العزيز، ممثلة وقامت بعمل المخرج المنفذ.



بدأت الحكاية من السيناريو "كان عندنا 3 أفكار نقدر نعملهم لكن اخترنا سجن اختياري لأنه الأفضل" حسب قول محمود جمال، مؤلف ومخرج المسلسل، كان اختيار النص موفقًا ليس فقط على المستوى الدرامي وإنما لظروف إنتاجية دعمت الفكرة المبنية على "لوكيشن" واحد.

سجن اختياري

اتفق فريق العمل أن يكون "سجن اختياري" طريقهم إلى التحرر، يقول كاتب السيناريو "إحنا في المسلسل مفيش قيد علينا"، ورغم ذلك لم يكن التحضير للعمل بالشيء الهين؛ طوال أكثر من شهر ظل حاتم صلاح يقرأ السيناريو مرارًا وتكرارًا؛ لحظة الخلود للنوم، ووقت الصحو وما بينهما، اندمج حاتم في الدور، وغاص في الشخصية قبيل بدء التصوير، أطلق العنان لشعره وذقنه وأضحت دنياه تتلخص حول العمل: "قعدت أمرن نفسي على طريقة الكلام وإيقاع الشخصية ولزماتها، حتى طريقة شرب السيجارة كنت بتدرب عليها واتناقش مع زمايلي".

التحضير للأعمال الكبيرة ليس جديدًا عليهم، فبعيدًا عن نجومية الجامعة في أوساط الشباب وصدى عرضهم المسرحي الذي لاقى نجاحًا كبيرًا "1980 وأنت طالع"، شارك حاتم صلاح ضمن فريق مساعدي الإخراج لأكثر من مسلسل من بينها "موجة حارة"، وكذا كان لوليد عبد الغني الحظ في خوض التجربة في أعمال هامة من بينها مسلسل "طريقي" و"فوق مستوى الشبهات".



ولم تكن الإشارات والفأل الحسن غائبين عن المشهد، فقبل أيام كان فيلم اشتباك -المشارك قبلاً في مهرجان كان- يعرض فضائياً لأول مرة على شاشات التليفزيون، يحمل بوستر الفيلم صورة وليد عبد الغني، فيما بدأت ليالي رمضان مستقبلة أول مسلسل مصري على يوتيوب بتتر لبطولة جماعية تبدأ باسم "وليد" أيضاً، ومعه يملك الممثل الشاب شعورًا مختلفًا: "هنا أنا قلقان من كل حاجة مش بس شغلي حاسس إن كلنا شخص واحد، حاسس إن أنا الممثل والناقد والمخرج، وبتاع الكلاكيت".
لا يخفي الشاب الثلاثيني حجم التوتر الذي يحياه بسبب كم التساؤلات التي تطارده: "الناس هتحبنا ولا لأ، هنتشاف كويس ولا بعد ما يتفض مولد رمضان، موهبتنا هتتقدر وهنكسب رهاننا على نفسنا.. ومليون سؤال وسؤال"، غير أنه وصل وكل رفاقه لقناعة راسخة أنهم بدأوا المغامرة وبذلوا قصارى جهدهم وليس عليهم سوى مشاهدة النتيجة.

سجن اختياري

كثرة السعي يفتح الأبواب، كذلك كان حال أسرة عمل المسلسل، فبعد بحث مضن عن مكان للتصوير يتناسب مع ميزانيتهم المحدودة، بين ليلة وضحاها أتاهم الفرج عن طريق "دكتور حكيم"، ذلك الشخص الذي يمتن له كَل مَن شارك في المسلسل، رغم عدم الالتقاء به حتى الآن. "دكتور حكيم" هو صديق لوالد الممثل وليد عبد الغني، يعلم حب وامتهان الشاب للتمثيل، وبمجرد معرفته أن وليد ورفاقه متعثرون لتنفيذ حلمهم، ترك لهم مفتاح شقته "الدوبليكس" بالعجوزة وأخبرهم "الشقة دي بتاعتكم لغاية ما تخلصوا".

زال نصف العبء بتوفر مكان التصوير، خاصة بعدما اكتشفوا أن ميزانيتهم بالكاد تكفي لاحتياجات الصوت والإضاءة. وداخل الشقة "الدوبليكس" بدأ تحدٍ آخر: كيف يمكن تصوير مسلسل في 10 أيام فقط حتى لا يتكلفوا مبلغًا إضافيًا عن ميزانيتهم؟.
اعتكفت أسرة المسلسل داخل الشقة "كان سجن اختياري محبب" يصف محمود جمال. العمل لا يتوقف، مَن ليس له دور في مشهد يحين تصويره، يساند في ركن آخر، بالتنظيف تارة، وبحمل المعدات مرة أخرى. خلية نحل حفظت الشقة آثارها ليالي متعاقبة.

سجن اختياري

لم يكن غريباً على أصدقاء العمر أن يصنعوا مؤسستهم "شركة إنتاج بمجهودات ذاتية" في غضون شهرين "إحنا مش مجرد صحاب إحنا عيلة.. فيه 3 ممثلين متجوزين 3 ممثلات.. وعلاقتنا ببعض أكتر من الأخوات بشوية"؛ لذا لم يكن مستغربًا أن تقرر خلود عبد العزيز وزوجها إيهاب صالح أن يشاركا بمجهودات أكبر من التمثيل.

خلود التي عملت في إحدى شركات الإنتاج التليفزيوني تولت مهمة المخرج المنفذ، تناست حملها الذي دخل شهره السابع وراحت تجوب أرجاء اللوكيشن بكل طاقتها، وكذا كانت خبرات إيهاب سبيلاً لمونتاج العمل، فضلا عن قيامه بدور مدير الإنتاج "كنت بحاسب العمال وأي تفصيلة تخص العمل مهمتي أوفرها"، يقول إيهاب فتقاطعه زوجته بضحكة صافية وهي تتذكر أيام التصوير: "البيت كان فاضي خالص فكل واحد جاب من بيته حاجة.. قلنا هنعسكر في المكان مش هنمشي غير لما نخلص. كل اللي اشتغل في الموضوع جه بقلبه من غير مقابل إلا الفنيين. كنا بنصور 16 ساعة في اليوم، وكل الناس بتعمل كل حاجة؛ حد بينضف وواحدة بتعمل كلاكيت، وبنبدل على البوفيه، وحد بيراجع المشهد مع زميله.. كانت القاعدة إن مفيش نوم غير لما ننجز مهمتنا وقد كان".



كل مَن دخل "سجن اختياري" تشابك مع أصحابه، وصار العطاء سمته، فمع التنفيذ لم يعد الإنتاج مقتصرًا على أعضاء الفرقة، فها هو مصور يهديهم معدات التصوير ويعمل دون أجر، وكذلك أحمد الموجي المؤلف الموسيقي، يلتحم مع الحلقات ويصنع "مزيكا" تُميز المسلسل، أما أميرة صابر تكفلت بالمكياج والملابس، ولم تتردد بتحمل تكلفة تزيين الشرفة لإتمام أحد المشاهد كما تقول خلود.

لم يفكر محمود جمال، مؤلف ومخرج المسلسل، أن يرسل السيناريو لأحد النجوم؛ اعتبر أن العمل بمثابة حلم أبطاله صنعوه سويًا ولابد أن يكتمل بهم "بقالنا سنين صحاب وعارفين موهبة بعض كويس ومن كتر عيشتنا سوا في الشغل والقهوة والكلام ع السيما والتمثيل عيننا في الفن بقت واحدة، وبقى عندنا مقدرة ع التفاهم، ومؤمنين بنفسنا ومصدقين في الحلم.. إحنا مش بنعمل مجرد ورق يتمثل، ده مشروع وهما أكتر ناس هيوصلوا به وهنحقق حلمنا سوا".

4

لمحمود جمال الحديني أكثر من 30 مسرحية ورواية وكتابًا، حصل على جائزة المهرجان القومي للمسرح –أبرز حدث مسرحي في مصر- كأفضل مؤلف لمرتين، وكذلك حاز جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية فرع الإبداع الفني والمواطنة عام 2013.
ذاب الأصدقاء أمام سيناريو المسلسل، يحكي محمود عبد العزيز "من قبل ما الموضوع يتكتب ولا بعده مفيش حد فينا أصلاً كان عارف هيعمل دور إيه"، بل كل ما يؤمن به الجميع أن يخرج العمل بهم، بعيدًا عن دائرة التسويق الشخصي التي يضطر أي ممثل للدخول فيها في بدايته مع "السوق الفني".
قبل التصوير كان الواقع يتماهى مع السيناريو في دنيا محمد العتابي، كانت الأيام كئيبة على نفسه كما هو الحال في دوره بالمسلسل "كنت بقول لنفسي هو إحنا صحيح موهوبين ولا لأ.. بس مجرد ما بدأنا تصوير كنت حاسس إنهم فكوا المارد اللي جوا كل حد فينا".

داخل اللوكيشن وضع محمد العتابي نفسه قيد الاحتجاز؛ مرة وحيدة خلال 10 أيام تصوير رأى الشارع "حسيت إني عايز أعيش في عالم الشخصية ومش حابب أتواصل مع حد كل تركيزي هو الشغل وبس"، في نهاية كل يوم تصوير كان الشباب يراجعون تفاصيلهم ويتبادلون الآراء ومع الانطلاق للنوم كان "العتابي" يتأخر لنحو ساعتين كاملتين "كان في مراية على باب أوضتي.. مكنتش أسيبها غير وأنا حاسس إني نسيت نفسي وبقيت في قمة السلطنة".

سجن اختياري

لم يشعر أي من أعضاء المجموعة بأزمة جراء المنافسة الساخنة خلال شهر رمضان، موقنين أنهم طالما خاضوا التجربة فعليهم تقبلها في أعلى مراحل إثارتها، يقول مخرج "سجن اختياري": "طول الوقت عندنا إيمان بموهبتنا، ومن أيام الجامعة بندخل مهرجانات كبيرة وناخد جوايز من غير خوف من المنافسة مع محترفين.. مسرحيتنا كانت بتتعرض أوقات ماتشات أهلي وزمالك وامتحانات ومطر والمسرح بيكون كومببليت.. جايز الناس تشوفنا مجانين إننا بنشارك بمسلسل في رمضان وسط عدد ضخم من النجوم.. بس الرهان الحقيقي بيكون في قلب الحدث بمواجهته ومحاولة التعلم منه مش بالهروب".
قبل كل رمضان كان أكثر ما يؤرق محمد الدمراوي هو الإجابة عن السؤال السنوي من أصدقائه "أيه مش هنشوفلك حاجة السنة دي؟"، ولم يكن لدى خريج كلية الطب جواب شاف، غير أنه كان يعذر رفاقه؛ فلطالما شهدوا على نجوميته في الجامعة وكذا في بعض التجارب خارج أسوارها والتي لاقت نجاحاً كبيراً "بس السنة دي بقيت أرد بكل فخر.. عامل مسلسل بطولتي أنا وأصحابي".

سجن اختياري

يجد الشاب الثلاثيني في التجربة والحكي عن كواليسها متعة كبيرة "الموضوع غريب، بنعمل حلمنا بفلوسنا، فحاسس إني تامر مرسي في نفسي.. لما الناس تسمع كلمة إنتاجنا يقولوا ده إنتوا معاكوا فلوس بقى.. أقولهم مش زي ما إنتوا فاهمين الفلوس مش كل حاجة"، يقولها وهو يغرق في الضحك.
كان قرار محمود جمال منذ البداية أنه لا تراجع ولا استسلام "ناس كتير كانت شغلتها تحبطنا.. وأنا كنت بقول المسلسل هيطلع حتى لو صورنا بكاميرات الموبايل.. التجربة دي مش بس مغامرة لأ ده إحنا كسبنا خبرات مش طبيعية.. إحنا خلقنا وسط كامل من 30 شخص قدرهم يطلعوا تجربة وتجربتهم التانية هيبقوا أكتر خبرة وهينضم لينا ناس تانية شبهنا، وحطينا قاعدة: لو أنت موهوب متستناش حد يشغلك.. حاسين إننا بقينا واسطة ناس كتير عندها شوية موهبة وواثقين فيها وده المفروض يعمله كل حد عنده طاقة ينطلق وميعلقش شماعات".

حتى في بحثهم عن شركاء مساندين، لم يغفل فريق عمل سجن اختياري هدفهم "كنا بندور على حد يكون عنده العناصر اللي ناقصانا مش ينتج الحدوتة كلها أو يتحكم فينا". يضرب عاصم رمضان المثل بأن وجود منتج ربما مكنهم من تأجير الفيلا التي رأوا أنها مكان مناسب لحالة تصوير العمل، وعجزوا عن توفيرها لقلة الإمكانيات.

طرقَ أصحاب أول مسلسل "يوتيوب" مصري أبواب الكثير، خاصة ممن يمكنهم المشاركة في الإخراج، فهذا يخبر الحديني "ده حلمك إنت مش هقدر أعمله" وآخر يعتذر بعد مساندة كبيرة في العمل، مما دفع الكاتب لاتخاذ تحدياً جديدًا بأن يكون هو المخرج وإيهاب صالح "المونتير" لينغلق حلم الأصدقاء عليهم.
لم يكن قرار إخراج الحديني للمسلسل سهلاً، هذه المرة هي الأولى له في الإخراج التليفزيوني، لذلك لا ينكر دور مرحلة تهيئة العمل للعرض "كان معايا بيبرس الشهاوي شريكي في الإخراج.. وفي مرحلة المونتاج حصل إخراج تاني" كما يقول.

9 حلقات فقط هي مدة "سجن اختياري"، قرار الحلقات القصيرة لم يكن مرتبطاً فقط بتفاصيل إنتاجية، يقول عاصم رمضان إن معظم المسلسلات تتسم بالمط والتطويل، مضيفا أن طريقة العرض بعدد حلقات مختصر هو نمط عالمي متبع، يدخل محمود جمال في الحديث ليعقب "الناس كانوا متعاونين جدا واتفقنا محدش عايز يكبر دوره على أد ما عايزين الناس تتشد".

خلال مراحل التحضير عرضت إحدى القنوات على فريق العمل عرض المسلسل في رمضان، غير أن الحماس لم يخطفهم "الكل قال لأ.. إحنا عاملين تجربتنا الذاتية ومش محتاجين حد يوجهنا .. إحنا مش عايزين نتشهر ونفرح إننا أبطال، إحنا عندنا رؤية وهدف إن ده اللي جاي وده التطور ومهم نبدأ نعمله عشان نوري الناس موهبتنا وطاقتنا ونفتح باب للي شبهنا.. طول الوقت عندنا أفكار وأحلام كبيرة لازم تشوف النور"، يقولها محمد خليفة.

سجن اختياري

3 حلقات من المسلسل انتهى عرضها حتى الآن، يثق الدمراوي بوعي الناس فيما يقدمونه ولو كان قليل الإمكانيات، فيما يمتن إيهاب صالح للحظة خروج المسلسل إلى النور، يعتبر أن الإنجاز الحقيقي للتجربة هو اكتمالها، في الوقت الذي لا تخشى سالي سعيد ردة الفعل "عارفين إننا ممكن منتشفش دلوقتي حالا، لكن هيفضل وثيقة لينا محفوظة نشوفها ونتعلم منها ونتناقش مع جمهور شبهنا قادر ينتقدنا ونطور نفسنا من خلاله.. وجايز ينجح نجاح مدوي والناس تشاور علينا في الشارع وتكون المتابعة عظيمة وفي الحالتين هنكون فخورين بتجربتنا".

فيديو قد يعجبك: