في مكتبة الإنسان.. استعِر "أشخاصًا" لا كُتبًا

كتبت - رنا أسامة:

هُناك العديد من المكتبات في جميع أنحاء العالم، تحوي كُتبَا نابِضة بالحياة، تتنفّس علمًا وفِكرًا وثقافة.

لم توجد تلك الكُتب كي تقرأ ما تحمله سطورها وحسب، بل لتلمس انفعالاتها، وتراها وهى "تبكي، تضحك، تُفكّر"، بل قد تطرح عليها كل ما يجول في خاطرك من أسئلة، في انتظار الحصول على ردود حقيقة.

بيد أن المكتبات لم تعُد تتضمن الكتب الورقية فقط، فهناك أنواع أخرى تحوي "أُناسًا" لا كُتبًا، وهذا ما تقوم عليه فكرة مكتبة "الإنسان"، حيث يُمكنك خلالها استعارة الأشخاص بدلًا من الكتب.

وفقًا لموقع Upworthy الأمريكي، تُماثل مكتبة الإنسان المكتبة العادية في الهدف، فكما تقوم بتفقّد كتاب ورقي حول موضوع ما تهتم بقراءته في الأولى، فإنك تتفقّد كتبًا بشرية تحمل تجارب مُختلفة في الثانية.

يختبر الأشخاص الذين يتطوّعون ليكونوا "كُتبًا"، تجاربهم التي عادة ما تتمحور حول قضايا يستشعر المُجتمع الحرج في مُناقشتها وعرضها، بشكل علني وصريح، كما يُسمح للقُراء بعرض الأسئلة عليهم بكامل الحرية، ليحصلوا في المُقابل على إجابات بُمنتهى الصِدق والشفافية.

ما هى أنواع الكُتب التي يمكن استعارتها في "مكتبة الإنسان"؟

1.استعِر شخصًا يُعاني من مرض التوحّد:

هُناك من 1 إلى 68 طفلًا يُعانون مما يُعرف بـ "اضطراب طيف التوحّد" (ASD) اليوم، ولا يوجد سبيل أفضل للتعرّف على ذلك المرض سِوى بالتفاعل مع أحدهم.

2.استعِر أحد المهووسين بتغيير مظهرهم بأحدث التقاليع:

يتفّن البعض في تغيير مظهره بما يتماشى وأحدث صيحات الموضة، سواء بصبغ الشعر بألوان صارخة، أو رسم الوشوم المُتعدّدة، وثقب مناطق مُتفرقة في الجسد بشكل يُثير اشمئزاز الغير، ويحكم الكثيرون عليهم سلفًا أحكامًا سطحية من خلال شكلهم الخارجي، مُعتبرين إياهم بانهم "منبوذين"، تمامًا كما يحكم البعض على الكُتب من غُلافها.

وتلاشيًا للوقوع في فخّ الأحكام الخاطئة، تُتيح لك تلك المكتبة الفُرصة للتعرّف على أحد هذه النماذج بشكل عميق، تتعرّف من خلاله على شخصيّتهم من الداخل.

3.استعِر لاجِئًا واستمع إلى قصته:

من المُحتمل أن تكون قد سمعت عن أزمة اللاجئين السورين من خلال وسائل الإعلام، ولكن لِمَ لا تضع وسائل الإعلام جانبًا وتعرف ما يحدث على أرض الواقع دون تجميل أو تهويل، بالحديث إلى لاجىء حقيقي؟

4.استعِر أحد المُتحوّلين جنسيًا:

رُبما يجول في خاطرك الكثير من الأسئلة حول عملية "التحوّل الجنسي"، وتستشعر الحرج من طرحها على أي شخص، فها هى الفرصة للتعرّف على إجابات كل ما يدور في رأسك من أسئلة، انهض وقُم بتحضيرها، وتوجّه إلى المكتبة لعرضها على أحدهم.

5.استعّر "مُتشردًا":

يُمكنك التعرّف على قصص المُتشرّدين، ونظرتهم عن الحياة التي لم تعِشها ولم تسمع عنها من قبل.

6.استعِر أصمًّا - أعمى:

اختلاف طريقة تواصلهم مع الآخرين لا يعني أن ما يحملونه من قِصص لا قيمة له.

7.استعِر "بدينًا":

يتفنّن المجتمع في وضع الأشخاص في فئات ويُصنّفهم وفقًا لها، فيضع حاجزًا نفسيًا بين مُختلف الأفراد. قُم بكسر تلك الحواجز كي تبدو لك الصورة أكثر وضوحًا واكتمالًا.

ولا تتوقف إمكانية الاستعارة حد تلك النماذج وحسب، بل يُمكنك أن تستعير شُرطيًا، أحد المُحاربين القُدامى ممن يُعانون اضطراب ما بعد الصدمة، مُطلّقة، مُعلّمًا، أحد العاملين في مِهنة الدعارة، وغيرهم من الأشخاص الذين يملكون تجارب ثريّة عِدة.

تُساعد المكتبات البشرية على التقريب بين الأشخاص الذين لا يجمع بينهم خيطًا فكريًا، ديموجرافيًا، أو اجتماعيًا واحدًا، لتبادل التجارب والثقافات المُختلفة، وهذا ما سعى إليه "روني أبيرجيل" منذ إطلاق "مكتبة الإنسان" عام 2000، خلال مهرجان "روسكيلد" في كوبنهاجن بالدانمارك، في رحلة تجريبة دامت 4 أيام، فاجأ خلالها المُنظّمين والحضور.

وفي وصف الحضور من روّاد مكتبة الإنسان، قال روني على الموقع الالكتروني للمكتبة: "يجلس الشُرطي هُناك مُتحدثًا إلى أحد مَن يكتب على الجدران (الجرافيتي)، والسياسي يتناقش مع ناشِط شاب، ويتبادل أحد المهووسين بكرة القدم أطراف الحديث مع ناشِطة نسائية."

وصرّح روني لـ Upworthy، قائلًا: "وُجِدت تلك المكتبة كي تكون مكانًا آمنًا، لطرح الأسئلة الصعبة، وعدم إدانة أحد أو إصدار أحكامًا مُسبقة عليه، في محاولة للتعرّف إلى أشخاص تظن أنك تعرف عنهم كُل شىء، ولكنك لا تعرف أي شىء."

وأضاف: "حينما تُقابل ما لدينا من كُتب، لا يهِم حينها مَن أنت، أو من أين أتيت، أو أي الكتب تُفضّلها، ففي نهاية الأمر تظل هُناك حقيقة واحدة: نحن مُختلفون عن بعضنا البعض، نعيش الحياة ونرى ما بها من اشياء بشكل مُختلف، وإن كانت توجد أشياء مُشتركة تجمع بيننا أكثر من كونها تُفرّقنا."

يُذكر أنه تم افتتاح "مكتبة الإنسان" في الدانمارك منذ 16 عامًا، وامتدّت في أكثر من 70 بلدًا (بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية)، ومن المُقرّر إطلاقها في جنوب أفريقيا، السودان، تشيلي، وإسرائيل خلال العام الجاري.