إعلان

بعد الحكم 12 عاما على "مناصرة".. إسرائيل تدفن أطفال فلسطين "بالحيا"

08:15 م الجمعة 18 نوفمبر 2016

إسرائيل تدفن أطفال فلسطين بالحيا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

بين أكثر من 400 طفل فلسطيني بسجون الاحتلال الإسرائيلي -حسب آخر إحصاء لهيئة الأسرى- حُكم على أحمد مناصرة بقضاء 12 عاما. لم يكن ذو الرابعة عشر عاما الأول داخل ساحة قضاء إسرائيل، لكنه بادرة تنفيذ موجة التصعيد إزاء الفلسطينيين منذ أكتوبر 2015، ليسبب الحكم عليه صدمة لدى المهتمين بشؤون الأسرى، في وقت يُفرض على أسرة "مناصرة" تقبل عودة أكبر أبنائها إلى المنزل وهو بعمر 26 عاما، لأن سلطات الاحتلال قررت ذلك.

في الثلاثاء المنصرف 8 نوفمبر الجاري، لبت المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس طلب الادعاء، بسجن "مناصرة" ابن بلدة بيت حنينا –شمال القدس- 12 عاما وسنتين و10 أشهر وقف تنفيذ "يعني بعد ما يخرج من السجن يضل في البيت واسمه في قائمة المطلوبين وأي شيء يحصل يجيبوه" كما قال أحمد مهانيه عم الطفل الأسير. 

"مش متذكر" تعليق اشتهر به الطفل مناصرة، حين تسرب فيديو مصور للتحقيق معه، يعنفه فيه المحقق الإسرائيلي مطالبا إياه بالاعتراف أنه أقدم على طعن أحد الإسرائيليين فكانت هذه إجابته بينما تغالبه الدموع. فصار الصغير منذ تلك اللحظة "أيقونة" أطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

كان مناصرة في الثالثة عشرة من عمره حين دخل السجن. تبدلت ملامح الصغير بين أول جلسة، وتلك الأخيرة التي بدا فيها أكثر طولا ونضجا، فيما قبل عام كان ذلك الفتى المنهمرة دموعه بينما يرقد وهو مقيد في سرير بالمستشفى؛ انقذته العناية الإلهية من بطش الإسرائيليين قرب مستوطنة "بزجات زئيف" بعدما تُرك لنحو ساعة ينزف جراء إطلاق الرصاص عليه ودهسه، فيما لقى رفيقه، ابن عمه، حسن مناصرة حتفه بالمكان ذاته في 12 أكتوبر 2015.

____1

ادعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن أحمد وحسن،15 عاما، اعتديا على مستوطنين اثنين وتسببوا في إصابتهما، فيما أكد العم أنهم –أسرة الفتى- لم يروا أي من المختصمين المذكورين في القضية حتى الجلسة الأخيرة، فقط حضر أحدهم وأسرته جلسة النطق بالحكم وسط حماية أمنية مشددة.

بعد الحكم الكبير على مناصرة توالت الإدانات. أصدرت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بيان يصف الحكم بأنه يضرب بعرض الحائط كافة الاتفاقيات والمعادات الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب لسنة 1949 واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1899، فيما دعا عيسى قُراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين–في بيان صدر الأربعاء الماضي- بضرورة التحرك لوقف المأساة الإنسانية التي تجرى بحق الأطفال خلال الاعتقال أو المحاكمات. 

____2

دقائق معدودة داخل قاعة المحكمة المركزية، مُنعت منها أسرة الصغير إلا والده. نُطق الحكم دون ذكر تفاصيل أسانيده كما المعتاد، فقط التأكيد على أن تنفيذه اليوم حسبما قال مهانيه. سريعا خرج مناصرة بعدها مقتادً من أفراد "نَحشون"، المجموعة المسؤولة بنقل المساجين من معتقل إلى آخر أو من محكمة إلى سجن، لتلمح الأسرة المصدومة من الحكم ابنها دون حديث.

وصف العم رؤية مناصرة بالجلسة الأخيرة "كأنها عملية خطف"، مشيرا إلى أنه بالسابق كانت أفراد شرطة هي من تصحبه، مما يعطيهم شيئا من الوقت قبل المحاكمة للتواصل وإعطائه المزيد من النصائح المثبتة له، خلاف فرصة الزيارة الأسبوعية التي ينتهزونها طيلة عام مضى لتأهيله على التعامل مع الأسوأ، ليس داخل مؤسسة أحداث في بلدة يركا شمالي فلسطين، بل في حالة السجن الفعلي. 

(مناصرة في إحدى جلسات المحاكمة)

"محاكمة الأطفال ليست جديدة وإنما الجديد أن يحاكم طفل بهذا العمر بهذه السنوات الطويلة" كذلك علق عبد الناصر فروانة رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين، موضحا أن إسرائيل سبق وأصدرت أحكام بالسجن لسنوات تصل للمؤبد بحق أطفال لكنهم بعمر أكبر من مناصرة وتجاوزا السن 16 عاما. 

في التسعينات بدأت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عملها داخل فلسطين، رصدت المئات من حالات الاعتقال، منهم مَن قضى فترة داخل السجن وأفرج عنه، ومَن انتقل إلى مرحلة سجن البالغين فخرج من التعداد حسبما قال خالد قزمار المدير العام للحركة، فيما أكد "فروانة" على اعتقال 2500 طفل في الفترة من اندلاع انتفاضة القدس في أكتوبر 2015 وحتى الأن. 

وأوضح رئيس وحدة التوثيق بهيئة الأسرى أن جميع الأطفال المعتقلين يُقدمون إلى المحاكمة، لكن الفارق يكون في طبيعة المحاكمات، فالبعض يُحكم عليه بالسجن والغرامة، وأخرين يخرجون بغرامة مالية لحين المحاكمة النهائية، وهؤلاء يحكم على بعضهم بما يعرف "بالسجن المنزلي" وهو ما يعني احتجاز الطفل داخل منزله والزام الأهل بعدم خروجه طيلة مدة العقوبة التي قد تصل لنحو عام أو أكثر كما قال "فروانة". 

____3

بالتزامن مع انتفاضة القدس في أكتوبر 2015، صعدت سلطات الاحتلال استهداف من دون 18 عاما على كافة المستويات حسب تأكيد العاملين في توثيق انتهاكات إسرائيل بحق أطفال فلسطين. "لأول مرة في القدس منذ عام 67 يحدث اعتقال إداري لأطفال وكذلك الحديث عن 13 فتاة بسجون الاحتلال" كما قال مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

كما شهد الجانب التشريعي إقرار قوانين وإجراءات تجيز سجن مَن دون 14 عاما، وكذلك تغليظ العقوبة بحق راشقي الحجارة لتصل إلى أكثر من 10 سنوات حسبما قال رئيس وحدة التوثيق بهيئة الأسرى. 

وكان أخر تصعيد على المستوى القضائي، بصدور أحكام كبيرة على أطفال بعمر 14 عاما، كذلك فرض الغرامات المالية العالية، وذكر "قزمار" أن هناك طفل فُرض عليه أكثر من مليون شيكل أي ما يعادل 400 ألف دولار، كما أصدرت المحكمة على أسرة مناصرة غرامة 180 ألف شيكل -47 ألف دولار-. 

وبات على آل مناصرة تسديد الغرامة لأنه في حالة التعذر يتم الحجز على ما تملكه من بيت أو سيارة وغيره، وإن لم يتواجد كان السجن مصير رب الأسرة، إذ تُواصل سلطات الاحتلال معاقبة أسرة الطفل بعد سجنه، ففي اليوم التالي للحكم أُصدر قرار بهدم محل البقالة، مصدر الرزق الوحيد الذي يمتلكه صالح جبريل مناصرة والد أحمد، بدعوى أنه غير مرخص "مع أن المحل مبني من قبل الاحتلال" كما قال شقيقه. 

____4

ولم تكن لتتوقف سياسة المعاقبة طيلة فترة احتجاز الطفل قبل إصدار الحكم النهائي؛ فبعد سبعة أشهر من مقتله استلمت أسرة مناصرة جثمان شهيدهم حسن، وسط إجراءات مشددة بعد منتصف الليل دفنوه. "كانت الجثة في وضع سيء.. وكنا 40 شخص وهم أضعاف عددنا فتشوا المقبرة قبل وبعد الدفن" كذلك استعاد "مهانيه" جنازة ابن أخيه.

فيما استمرت ملاحقة إبراهيم، 17 عاما، شقيق الشهيد، الذي اعتقل هو الأخر بعد احتجاز أحمد، وخرج ببراءة من تهم الاعتداء على قوات الأمن بعد خمس أشهر، لكن كلما مر على حاجز أمني احتجزته القوات لساعات أو أيام "ينكدوا عليه ويتركوه" حسبما قال العم. 

انتقل مناصرة لسجن مجدو –شمال فلسطين- أحد السجون الثلاث التي ينحصر بها تواجد الأسرى الفلسطينيين دون 18 عاما حسبما ذكر مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، مشيرا إلى أنه باحتجاز الطفل، تُنتزع منه كافة الحقوق وليس الحرية فقط، فلا مكان للتعليم فضلا عن اتباع سياسة الإهمال الطبي. 

وذكر "قزمار" موقف لأحد الأطفال المحتجزين، عانى من ألام في الأسنان فأخذوه إلى العيادة الطبية، وحينما استغاث بالممرض ليعطيه دواء كان الرد "لم نسمع أن هناك إنسان مات بسبب وجع الأسنان"، مما جعل كثير من الأطفال المعتقلين يفضلون البكاء من الألم على الذهاب إلى عيادة السجن، لما يلاقونه من إهمال وإهانة تتعلق بتفتيشهم عراة قبل الخروج من الزنزانة والدخول إليها.

أسماء صغار عديدة مرت على السجون الإسرائيلية، يُصنف أحدهم أنه أصغر مَن بها، ثم يخرج ليحمل اللقب شخص أخر، لكن مناصرة تصدر قائمة أكبر حكم لأصغر طفل، ليأتي بعده منذر خليل،16 عاما، ومحمد طه 15 عاما اللذين حُكم عليهما في اليوم ذاته بالسجن 11 عاما بتهمة إصابة مواطنين إسرائيليين عند منطقة باب العمود. 

____5

ينتظر آل مناصرة الحصول على تصريح بزيارة ابنهم في سجنه الجديد، لا يعولون كثيرا على الاستئناف المفترض تقديمه خلال 45 يوم في منح صغيرهم حكم مخفف، "في إحدى الجلسات القاضي قال إنها قضية رأي عام فالحكم فيها بيكون سياسي" كما ذكر العم.

فقط تأمل الأسرة أن تفيد أحمد فترة تأهيلهم له ليتقبل مكوثه سنوات طويلة، فلا خوف على الابن إلا من تغيير معتقداته "في السجن مشرفين بدهم إصلاح السجناء لكن على طريقة إسرائيل" كما قال عمه. إقناع صغير العمر بضرورة الانتماء لإسرائيل وهدم القضية الفلسطينية داخله أكثر ما يرعب عائلته، وهو ما يحدث للبعض كما أكد مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال قائلا "اكتشفنا أن البعض بيتجد لصالح إسرائيل"، فضلا عن المعاناة النفسية للبعض بعد خروجهم من السجن لما قد يتعرضون له من اعتداءات وتحرشات. 

موجة التصعيد والحكم على مناصرة خاصة، دفع الجهات المهتمة للتحرك أكثر، فترسل حركة الدفاع عن الأطفال تقارير شبه يومية للأمم المتحدة والمنظمات الأوروبية تطلعها بأوضاع الأطفال الفلسطينيين، ورغم الرد المتواضع كما وصف "قزمار" غير أن المناشدة والحديث في المؤتمرات لا يتوقف، وكذلك هيئة شؤون الأسرى حسبما أكد "فروانة" أخذت تسلط الضوء أكثر على الأطفال، في وقت اتفق فيه الاثنين على أن الأمر يحتاج إلى دعم ومساندة عربية حقيقية ومن العالم بشكل عام.

اقرأ أيضا:

إسرائيل تدفن أطفال فلسطين ''بالحيا'' (انفوجراف)

اقرأ أيضا:

آل مناصرة.. قصة عائلة فلسطينية تواجه ''غدر'' الاحتلال

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان