"تيران وصنافير".. محطات في تاريخ القضية المثيرة للجدل
كتبت - ياسمين محمد:
في 8 أبريل 2016، وخلال زيارة الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي عن توقيع اتفاقية "تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية"، بهدف الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين، بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما.
وبموجب الاتفاقية، تؤول جزيرتا تيران وصنافير الواقعتان في مدخل خليج العقبة إلى السعودية.
وبعد يومين من إعلان توقيع الاتفاقية، أعلن محامون أبرزهم المرشح الرئاسي السابق خالد علي، رفع دعوى حملت رقم 43866 لسنة 70 ق، أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء الاتفاقية وما يترتب عنها.
وانقسم الشارع المصري إلى مؤيد ومعارض، وكان أول رد فعل شعبي من قبل المواطنين في تظاهرة الجمعة 15 أبريل، على سلالم نقابة الصحفيين، تحت شعار "الأرض والعرض"، بناءً على دعوات عدد من الحركات الشبابية مثل 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين، وانتهت إلى إلقاء قوات الأمن القبض على عشرات المتظاهرين، ودعوة خالد علي المشاركين بإنهاء التظاهرة بشرط العودة مرة أخرى في 25 أبريل، المتزامن مع الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.
وفي 25 أبريل، أحكمت قوات الأمن السيطرة على الشوارع والميادين الرئيسية، وألقت القبض على عشرات المتظاهرين الذين صدرت ضد بعضهم أحكام بعد ذلك بالسجن لمدد وصلت لـ5 سنوات، وغرامات مالية وصلت إلى 100 ألف جنيه، بموجب قانون التظاهر.
هنا، كان الرد الشعبي يسير في اتجاه مغاير تمامًا للاتجاه الإعلامي الذي أغفل التظاهرات، وأصر على "سعودية تيران وصنافير"، وعلى رأسهم الإعلامي أحمد موسى الذي أكد حصوله على وثائق وخرائط تؤكد "سعودية الجزيرتين".
وأصدر الكتاب الصحفي والنائب مصطفى بكري كتابًا بعنوان "تيران وصنافير .. الحقيقة الكاملة"، والذي حاول من خلاله إثبات ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بالأدلة والمستندات، كاشفًا أسماء الشخصيات التي استند إليها لتأكيد المعلومات التي وردت بكتابه.
وجاء أول حكم قضائي لصالح "مصرية تيران وصنافير" في يونيو 2016، حيث قضت محكمة القضاء الإداري "أول درجة" ببطلان توقيع إتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إلا أن الحكم لم يؤثر على قرار الحكومة التي أقامت طعنًا في الثالث والعشرين من نفس الشهر أمام المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حكم أول درجة.
عقبات وقفت في طريق العلاقات المصرية السعودية، أدت إلى تأرجح كفتي التأييد والمعارضة لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية، ففي أكتوبر الماضي، صوتت مصر لصالح مشروع القرار الروسي بمجلس الأمن، بشأن الأزمة السورية، والذي لم يختلف عن مشروع القرار الفرنسي الذي صوتت لصالحه السعودية و 10 دول آخرين وأجهضه الفيتو الروسي، إلا بالمطالبة بالانهاء الفوري للضربات الجوية وطلعات الطائرات الحربية فوق مدينة حلب السورية.
ووصف المندوب السعودي، موقف مصر التي صوت لصالح مشروعي القرار، بـ"المؤلم والمخالف للتوافق العربي تجاه الازمة السورية".
وانتقد رئيس اللوبي السعودي في أمريكا سلمان الأنصاري، موقف مصر خلال تغريدة له على موقع "تويتر"، قائلًا: "عذرًا يامصر.. لكن تصويتك لصالح مشروع روسيا يجعلني أشكك في أمومتك للعرب وللدنيا".
من هنا توترت العلاقة بين مصر والسعودية، وبعدها أبلغت شركة أرامكو السعودية- أكبر شركة نفط في العالم- الهيئة العامة للبترول المصرية شفهيًا بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية، دون إبداء أسباب.
وكانت السعودية وافقت على إمداد مصر بمنتجات بترولية بواقع 700 ألف طن شهريًا لمدة 5 سنوات، بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين شركة أرامكو السعودية والهيئة المصرية العامة للبترول، تم توقيعها ضمن الاتفاقيات التي وقعها الملك سلمان خلال زيارته لمصر، والتي من بينها اتفاقية إعادة ترسيم الحدود.
وبموجب الاتفاق كانت تشتري مصر شهريًا من أرامكو 400 ألف طن من زيت الغاز "السولار"، و200 ألف طن من البنزين، و100 ألف طن من زيت الوقود، وذلك بخط ائتمان بفائدة 2% على أن يتم السداد على 15 عامًا.
وكانت العلاقات المصرية السعودية قد وصلت إلى أعلى مستوياتها، منذ أحداث 30 يونيو 2013، وعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث دعمت السعودية مصر اقتصاديًا بمليارات الدولارات في شكل ودائع واستثمارات مباشرة في السوق المصري الذي كان يعاني حصارًا اقتصاديًا.
وإبان توتر العلاقات، تحول الموقف الإعلامي المصري الموالي للسعودية، ففي حين التزمت حكومتي البلدين الصمت، إلا أن وسائل إعلامهما دخلت خاضت حربًا فيما بينهما، فدشن أحمد موسى، هاشتاج "مصر لن تركع".
وقال: "محدش مداين مصر.. مصر اللي ليها عند كل الناس ومحدش يلوي دراعنا.. بس إحنا فاكرين اللي وقف معانا في وقت الشدائد.. إحنا عندينا أصل مش ناكرين للجميل، ولكن على من يحب مصر لا يضغط عليها ويعلم أننا لا نركع"، في تعقيب له على رفض السعودية لموقف من مشروع القرار السوري.
وقال الإعلامي وائل الإبراشي من خلال برنامجه العاشرة مساءً: "السعودية تأخذ مواقفها، لكن لا يجب أن يزايد أحد بالادعاء أن السنغال انحازت للقضية العربية أكثر من مصر مثلما قال مندوب السعودية".
وعلق الكاتب الصحفي خالد صلاح بقوله: "مصر لن تركع، ساعدها بالأفكار: إلغاء العمرة المتكررة يوفر 6 مليار دولار، وتوجيه الدعم لمستحقيه فقط".
ورد الكاتب السعودي سعود الرئيس بمقال بعنوان: "العين الثالثة.. التناقض المصري بين الغاية والوسيلة"، مشيرًا إلى أن الإشكان في مصر أنها لم تقل أبدًا ما تريد، ومن خلال موقفها لا يمكن معرفة الإجابة، فهل فعلًا تعلم مصر ما الذي تريده في سوريًا".
ووصلت رحلة جزيرتي تيران وصنافير، حتى القرار الصادر اليوم الاثنين، من المحكمة الإدارية العليا، في جلستها التي انعقدت اليوم، والتي رفضت فيه الطعن المقدم من الحكومة على حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين مصر والمملكة العربية السعودية، والمتضمنة نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.
وأودعت الحكومة، مناقشة ملكية الجزيرتين إلى البرلمان، الذي من المقرر أن يتداولها خلال الفترة المقبلة.
فيديو قد يعجبك: