ضبط الأسعار: ضيف متكرر على طاولة "الرئيس".. والحل "في علم الغيب" (فيديو)
كتبت-إشراق أحمد:
قبل نحو ثلاثة أشهر من توليه شؤون البلاد، تحديدا في 19 مارس 2014، جلس المرشح لرئاسة الجمهورية، المشير عبد الفتاح السيسي، أمام ثلاثة من مقدمي البرامج التليفزيونية، مستعرضا ملامح أفكاره، حينها طرح مقدم البرامج وائل الابراشي سؤال مستهلا إيه بانطباع ذاتي "أنا بشوف حضرتك بتتحسس الوعود حتى لا تكون شيكات بدون رصيد لكن عند لحظة معينة الناس يمكن ألا تتحمل.. يعني لما تزيد الأعباء المعيشية والاقتصادية وجحيم الكهرباء يمكن ألا يتحملوا. هنعمل ايه؟". صمت المرشح لحظة ثم قال مبتسما "ما أحنا هنتحرك من أول يوم والاعباء المعيشية اللي حضرتك بتتكلم عليها متزيدش يمكن تقل ولازم تقل. ميكونش النهاردة في سلع أساسية داخلة في حياة المواطن الغلبان وتغلى عن كده إن مكانتش تقل وتنزل عشان اريحه شوية. أنا مش قادر اديله بس على الأقل اظبط له الأسواق".
منذ تلك اللحظة وظلت كلمة "ضبط الأسعار" وعدا مسطورا، يتكرر بين الحين والآخر، طيلة عامين، تنتظر الأيدي -خاصة غير المقتدر منها- أن تتلمسه فيما تنفقه على أبسط احتياجاتها بينما تتجول بالأسواق، باحثة عن طعام لا تتخطى تكلفته 10 جنيهات باليوم الواحد.
تولى السيسي الرئاسة، فيما لم تغب الأسعار عن حديثه، ففي ذكرى العاشر من رمضان يوليو 2014، ربط الرئيس بين أحوال المصريين وقت الحرب، من تحملهم بالوقوف في طوابير للحصول على السلع من المجمعات الاستهلاكية فقط من أجل تحدي الفترة الراهنة، مشيرا إلى اتخاذ خطوات لتوفير ميزانية تُعين على بناء البلاد حسب قوله، ومنها إشارة إلى تقليل الدعم كإحدى محاولات لضبط الأسعار كما قال في خطابه.
"أنا اتكلمت عن الأسواق الموازية.. لو الأسعار ما ظبطتش هندخل نعمل أسواق في 3-4 شهور هنلاقي الدنيا متغيرة عن كده أحنا بنعمل الكلام ده واحنا شغالين في الدولة المصرية كلها.. لأن المواطن لما يلاقيني بقول الكلام وانفذه في أني اضبط له الأسعار واخفضها له هيصبر معايا" كذلك أوضح السيسي وقت ترشحه، إحدى الحلول لضبط الأسعار، وهو ما تم إعلانه بشكل حاسم في نوفمبر 2015، بينما يلقي كلمته بإحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، إذ أقر وعدا قاطعا بأن نهاية الشهر سيشهد انتهاء دور الدولة في التدخل لتقليل الأسعار بشكل مناسب، مشيرا إلى قيام القوات المسلحة بطرح مزيد من السلع قائلا "اوعوا تتصورا أن غايب عني ارتفاع الأسعار والكلام ده اتكلمت فيه قبل كده لا طبعا.. أنا واحد منكم وعارف كويس الناس اللي ظروفهم صعبة بيعيشوا إزاي".
تغير طفيف حدث في طريقة مواجهة الغلاء بتدخل القوات المسلحة كحل بديل، بطرح مزيد من السلع داخل الأسواق كما يرى محمود العسقلاني رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، محددا نسبة التأثير بنحو 30%، متمنيا لو كانت الحكومة هي مَن تولت ذلك الدور، وباستثناء هذا يجد "العسقلاني" أنه لم يحدث أي تغيير في أي من طرق المواجهة "لا فترة مبارك ولا مرسي ولا السيسي".
تكرار الحديث عن ضبط الأسعار من قبل الرئيس، اتخذ أحيانا شكلاً حاسما بعقد وعد صريح ومحدد بوقت، وتارة أخرى بالحديث عن السعي في ظل صعوبة الأمر لتفاقمه بعد الثورة، حال كلمة الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في 7 مايو 2015 بمناسبة الاحتفال بذكرى تحرير سيناء، حين قال "أحنا بنحاول كدولة لكن مش معقول هقدر أحل المسألة اللي دول كتير عشان تظبطها خدت سنوات وجهد كبير".
لم يقتصر ذكر مشكلة الأسعار على اللقاءات الرسمية والخطابات المرتبطة بمناسبات قومية، بل شملت بعض الفعاليات حال البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، إذ تحدث "السيسي" أمام جمع من الشباب بجامعة أسيوط، عن الأسعار، والسعي أيضا في ضبطها، وكان هذا في 13 سبتمبر 2015.
في نهاية نوفمبر 2015 حيث الموعد المفترض به انهاء تدخل الدولة لضبط الأسعار بشكل مناسب كما قال الرئيس، لم يحدث جديد سوى امتداد الفترة لتصبح نهاية ديسمبر كما جاء في كلمته أثناء افتتاح مشروع تنمية شرق بورسعيد "في نهاية الشهر هيكون حصل تقليل حقيقي لأسعار السلع الرئيسية في كل مصر".
مر العام الرئاسي الأول، دون حل جذري لضبط الأسعار، ليشهد العام التالي وعدا جديدا في 13 إبريل 2016 بقصر الاتحادية حيث اللقاء مع ممثلي فئات المجتمع، حين قال الرئيس "في الظروف الاقتصادية الصعبة اللي بتمر بمصر احنا بننطلق في كل الاتجاهات وعينينا على الانسان المصري البسيط اللي هو ظروفه صعبة، والتوجيه اللي بقوله وبكرره لن يحدث تصعيد في الأسعار للسلع الأساسية ومطالب الناس مهما حصل للدولار الجيش مسؤول والدولة مسؤولة معايا.. وعد إن شاء الله".
وما بين اللهجة الحاسمة واللين بالدعوة لتكاتف الجهود، ظل الحديث عن الأسعار ضيف دائم على طاولة خطابات الرئيس، خاصة مع ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، ففي ذكرى تحرير سيناء، حين خرج الرئيس لإلقاء كلمة في الرابع والعشرين من إبريل المنصرف، ختمها بمطالبة الحكومة والقوات المسلحة ببذل الجهود للحفاظ على الأسعار وعدم ارتفاعها.
"أنا بكلف الحكومة باعتبار من الشهر القادم أنها تقوم بحساب فرق الأسعار والتضخم اللي نشأ عن التذبذب في سعر الدولار ومن خلال منظومة التموين يتم إضافة نقط تعادل حجم هذا التضخم أو تزيد تعوض هذه التكلفة لصالح الطبقات محدودة الدخل" كان هذا إحدى الحلول التي طالب بها "السيسي" الحكومة في إبريل المنصرف، قبل أن تمر أيام ويظهر حل آخر دون إشارة لمدى تنفيذ التكليف الأول، ففي 28 إبريل 2016 أثناء كلمة عيد العمال طالب الرئيس الحكومة بدراسة هامش الربح الذي يتخطي "أحيانا بشكل مبالغ فيه القيمة الحقيقة التي تم شراء أو استيراد السلع بها" حسب قوله.
في شهر رمضان حيث كانت تئن الجيوب من ارتفاع سعر السلع، مقابل زيادة الاستهلاك في هذا الشهر، جاء حديث الرئيس مختلفا، فكانت إحدى المرات القليلة التي خرج بها "السيسي" مبتسما، دون هيئة حاسمة أثناء حديثه عن الأسعار، في يونيو 2016 خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، وفي حضور رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل. حينها قال "احنا بنيجي في رمضان وكل سنة ونغلي على بعضنا.. مش هقول ده مش كويس لكن هقول كان الأولى أننا في الشهر ده نقلل الأسعار على بعضنا مش نزودها.. أنا بس بوجه الحكومة من فضلكم أحنا محتاجين مزيد من ضبط الأسعار أكتر من كده عشان الناس البساط.. وكمان بتوجه لكل من يتعامل في الأسعار والسلع وحاجات الناس ارجوا أنك تترفق وتحنو على أهلك اللي هم المصريين".
أما في أغسطس حيث كان آخر حديث عن الأسعار مطلع الشهر الجاري، خلال برنامج نموذج محاكاة الحكومة المصرية الذي يقدمه شباب البرنامج الرئاسي للتأهيل للقيادة، جاء تناول مشكلة الغلاء بتغيير الدفة، وذلك بالإشارة إلى أن إنتاج أى سلعة استراتيجية، عليها عرض وطلب وآليات "لا تستطيع الدولة ضبط أسعارها" حسب قوله، مؤكدا على دور القوات المسلحة للعمل على ضبط الأسعار.
"في محاولات لكنها عاملة زي الجنين الذي لم يكتمل.. الحكومة دائما بتسقط الحلول قبل ميعادها" كذلك وصف رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء طرق ضبط الأسعار، التي تُكلف بها الحكومة، معطيا مثال تدخل القوات المسلحة لحل هذه الأزمة بطرح مزيد من السلع الغذائية معتبرا أنه رغم جودته لكنه لا يستطيع انهاء المشكلة، وكذلك طرح المزيد من السلع في المجمعات الإستهلاكية "فكرة لم تكتمل" حسب قوله.
تحديد هامش ربح للتاجر هو الحل الوحيد الذي يراه "العسقلاني" لضبط الأسعار، لكن في الوقت ذاته "الحكومة مافيش في ايدها غير طرح مزيد من السلع"، وذلك لأن القانون يمنع تدخل الدولة لتحديد هامش للربح، مشيرا إلى قانون الاستثمار، وكذلك قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وحماية المستهلك، مضيفا أن الردع العام والخاص المتضمن له القانون الجنائي لا يطبق في الاقتصاد، وهو ما يعرقل محاسبة المحتكر حسب قوله "في احتكارات وممارسات احتكارية تجُري تحت أعين الدولة المصرية ولا تستطيع ضبطها".
يُرجع "العسقلاني" سبب عدم الجدية في ضبط الأسعار، رغم استمرار الحديث عن مواجهتها، إلى البعد عن الموضوع الرئيس المتعلق بالمتحكمين في الأسواق "كلنا بندور حوالين الموضوع ومحدش عايز يقرب لأنه معنى بمصالح ناس كبيرة في السوق"، معتبرا أن الأمر ينهيه التشريعات القانونية، التي لا يد بها سوى للبرلمان، الذي يصف تناوله لهذه المشكلة "بالضعيف".
وأوضح رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء أن إجراءات ضبط الأسعار تكون بوضع قانون تيح للدولة التدخل لتحديد هامش الربح، ومن قبله قانون "تعارض المصالح" بمعنى مَن تتعارض مصلحته مع التشريعات لا يتدخل بوضع القوانين، على أن يكون كل هذا محكوم بالتطبيق بشكل صارم على الجميع "كما المرأة المعصوبة العينين اللي على ميزان العدالة" حسبما وصف.
فيديو قد يعجبك: