"انتصارات" الأسد في حلب.. نقطة تحول في الحرب السورية؟
(دويتشه فيله)
تمكنت قوات النظام السوري وحلفائه من إحكام القبضة على مدينة حلب ليستمر تقدم القوات الحكومية وتراجع نفوذ المعارضة، فكيف سيؤثر هذا التصعيد على أوضاع المدنيين هناك وعلى موازين القوى في الصراع على الساحة السورية عموما؟
تنذر الأوضاع في حلب السورية بكارثة إنسانية مع استمرار حصار نحو ربع مليون مدني يعيشون في أحياء شرق المدينة التي يسيطر عليها المعارضون، وهي المناطق التي قطع عنها الجيش السوري والقوات المتحالفة معه آخر طريق للإمدادات إليها في أوائل الشهر الجاري. ويرى مراقبون أن هذا التقدم الذي حققه الجيش السوري النظامي بمساندة القوات المتحالفة معه، قد يكون نقطة تحول في الصراع السوري عموما ويقلب موازين القوى لصالح الرئيس السوري بشار الأسد بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية الكبرى لحلب.
وتعتزم القوات الحكومية السورية التي تحكم قبضتها حاليا على حلب، فتح معابر لخروج المدنيين من الأحياء المحاصرة الواقعة تحت سيطرة المعارضة. ونقل التلفزيون السوري الرسمي عن محافظ حلب قوله إن ثلاثة معابر إنسانية سيجري فتحها للسماح للمدنيين بمغادرة المدينة.
أكبر نصر للأسد
ومنذ صيف عام 2012 قسمت حلب، - كبرى المدن السورية- قبل بدء صراع مستمر منذ خمسة أعوام، بين قوات الحكومة والمعارضة. وربما تمثل استعادة السيطرة على المدينة أكبر نصر يحرزه الأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد.
وفي الوقت الذي بدأت فيه واشنطن وموسكو مباحثات مكثفة لإيجاد حل للأزمة السورية والاتفاق على الحل الميداني، بدأت قوات الأسد مدعومة من حلفائه حملة تصعيدية في حلب وهو ما يثير الخوف من تفاقم الأزمة الإنسانية في المدينة المحاصرة وتعقيد المفاوضات السياسية التي يفترض الدخول فيها مجددا نهاية الشهر المقبل.
واستعاد الجيش مدعوما بقوات متحالفة معه وضربات جوية من طائرات سورية وروسية مزيدا من المناطق الواقعة على الحافة الشمالية من المدينة حول طريق الكاستيلو المؤدية إلى خارج حلب وشمالا باتجاه تركيا، وهي التي تعتبر طريق الإمدادات الرئيسية بالنسبة للمعارضة.
صحيفة "بيلد" الألمانية نشرت مقالا تتحدث فيه عن "فخ" الأسد الذي وقع فيه الغرب بما في ذلك ألمانيا. وتقول الصحيفة إن الآلاف ماتوا في سوريا منذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ رسميا في 27 فبراير الماضي وهو ما يجعل من الاتفاق، حسب الصحيفة "خدعة"، من الأسد وحلفائه لتحقيق المزيد من المكتسبات على أكثر من جبهة ليس ضد تنظيم "داعش" فحسب، وإنما ضد أهداف للمعارضة. هذه الخدعة بحسب الصحيفة انطلت على الغرب وهو ما أصبح يقر به الكثيرون بما في ذلك وزارة الخارجية الألمانية. كما جاء في تغريدة على تويتر للبعثة الفرنسية في الأمم المتحدة، تقول إن "اتفاق وقف إطلاق النار كان ذريعة من النظام السوري وحلفائه للتغطية على استراتيجيتهم العسكرية".
ومن جانبه أشار السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة إلى نفس النقطة بوضوح إذ قال: "الانتهاكات المتواصلة من الأسد لاتفاق وقف إطلاق النار فيها إهانة لمجلس الأمن"
وضع إنساني صعب
يقول رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان المقرب من المعارضة في تصريحات ل DWعربية إن جميع أحياء حلب الشرقية أصبحت بالفعل خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري بالإضافة إلى مناطق في الجزء الغربي الشمالي من المدينة. ويضيف عبد الرحمن أن النظام يحاول عن طريق ما يقول إنه تأمين ممرات آمنة للمدنين "إظهار أن النظام يحميهم لكن في الواقع نرى سقوط قتلى من المدنيين بشكل يومي جراء قصف قوات الأسد وحلفائه". ويضيف عبد الرحمن أن سكان حلب يفتقدون مواد أساسية كالغذاء والأدوية، ويخشى مدير المرصد من تحويل حلب إلى "غوطة أو مضايا ثانية". بالمقابل قال الجيش السوري يوم الأربعاء إن طائراته ألقت آلاف المنشورات على أحياء يسيطر عليها مقاتلو المعارضة طالب فيها المدنيين بالتعاون معه في حين دعا المقاتلين إلى الاستسلام. كما عرض الرئيس السوري بشار الأسد عفوا لكل المعارضين الذين سيقررون تسليم أنفسهم خلال ثلاثة أشهر.
وكانت الأمم المتحدة طالبت الاثنين الماضي بهدنة إنسانية لـ48 ساعة كل أسبوع لإيصال المساعدات إلى المدنيين المحاصرين العزل في مدينة حلب، وذلك بعدما طالبت فرنسا بهدنة إنسانية فورية.
وتأتي هذه الدعوات إثر تعرض أربعة مستشفيات ميدانية في المدينة لقصف أتهمت به القوات الحكومية ما اضطرها إلى وقف خدماتها. وأكد مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفان أوبراين أن المجتمع الدولي "لا يمكنه أن يدع الجزء الشرقي من حلب يتحول إلى منطقة محاصرة جديدة، وإلى حد بعيد أكبر"منطقة تخضع لحصار في سوريا".
حصار مقابل حصار
ويقول تركي الحسن الخبير العسكري والاستراتيجي من دمشق في حوار مع DWعربية إن مسألة إحكام الطوق على قوات المعارضة داخل حلب ليس مفاجئا وسبق أن أُعلن عنه أكثر من مرة سابقا. ويضيف الخبير السوري أن التحركات الأخيرة لقوات الجيش السوري وحلفائه جعلت قوات المعارضة داخل حلب معزولة عن أي إمدادات خارجية. ويصف الحسن وضع المعارضة حاليا بالحرج لكنه يتوقع أن تشن قواتها هجمات معاكسة خاصة أن هناك بلدات ومدن لا تزال لديها الحرية الكاملة في الحركة وتستطيع أن تساند المجموعات المعارضة بهجمات معاكسة وهو ما يتوقع الخبير السوري حدوثه.
لكن اللواء فايز الدويري الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية يقول إن وضع المعارضة بالفعل صعب ولكنه ليس ميئوسا منه، فهي مازالت تملك الكثير من الأوراق أهمها باعتقاده الاستعانة بقوات خارجية بالتزامن مع القتال من داخل حلب لكسر الحصار المفروض من قوات النظام السوري. ويضيف الخبير العسكري أنه في حال التحضير لذالك بشكل جيد، يمكن أن تلجأ المعارضة إلى شن هجوم معاكس ينطلق تحديدا من المناطق الشمالية الغربية والغربية، "كما أن المعارضة تستطيع أيضا أن تفرض حصارا على قوات النظام إذا ما استطاعت إغلاق الطريق المؤدية إلى الراموسة، وعندها يصبح لدينا حصار مقابل حصار وحينها قد ندخل مرحلة التفاوض وإيجاد حل وسط".
فيديو قد يعجبك: