سد النهضة: إثيوبيا تمضي في البناء.. ومصر تراهن على "كسر المفاوضات" - (تقرير)
كتبت ـ هاجر حسني:
تترقب إثيوبيا خلال الأسابيع القادمة افتتاح المرحلة الأولى من سد النهضة، والبدء في تخزين 14 مليار متر مكعب من المياه؛ لتشغيل توربينين من توربينات سد النهضة لتوليد الكهرباء، وبتشغيل سد النهضة والذي يحتاج إلى تخزين حوالي 74 مليار متر مكعب من الميه وهي السعة التخزينية للسد ليعكل بكامل طاقته، يعني تناقص حصة مصر السنوية بحوالى 12 مليار متر مكعب على الأقل لتصل إلى " 40-43 مليار متر مكعب سنويا"، وهو ما يمثل كارثة بالنسبة لمصر التي تصنف كإحدى الدول الفقيرة مائيًا.
ورأى بعض الخبراء والمحللون أن مصر لديها فرصة في تلافي سلبيات سد النهضة من خلال إقناع الطرف الإثيوبي بعدم إتمام المرحلة الثانية من السد، وهو ما نفاه عباس شراقي، أستاذ الموادر المائية بجامعة القاهرة، قائلًا إن تراجع إثيوبيا عن إتمام المرحلة الثانية من سد النهضة هو أمر غير محتمل، خاصة بعد خروج مشروع السد من مجرد مشروع في نطاق المسؤولين إلى مشروع قومي ينتظره الشعب، فلا يملك أي مسؤول وقف البناء في أي وقت.
وأضاف شراقي لمصراوي، أن المفاوضات خط طبيعي لابد من اتباعه في أي أزمة، ولكنها لم تكن على أساس سليم، حيث أنه من البداية كان لابد من إبداء الاعتراض الرسمي من خلال مذكرة للأمم المتحدة، خاصة وأنه لم يكن هناك إخطار مسبق من جانب إثيوبيا قبل البناء، والتي استغلت أحداث ثورة 25 يناير في بناء السد، لافتًا إلى أن المفاوضات ليست قوية من الطرفين بعد أن تنازلت مصر عن أمور عديدة، فيما لم تتنازل إثيوبيا عن شئ أثناء التفاوض.
وتابع أن إعلان إثيوبيا تشغيل المرحلة الأولى من سد النهضة يعني نسف المفاوضات، وهو الأمر الذي ستفعله إثيوبيا على الأرجح خلال الأيام القادمة، بحسب قوله، معللًا ذلك بأنها لن تنتظر نتائج الدراسات التي تجريها المكاتب الفنية والتي ستصدر بعد عام حتى تعلن بدء تشغيل السد، وأنها إذا كانت مستعدة ستشرع في تشغيل هذه المرحلة على الفور.
ولفت أستاذ الموادر المائية بجامعة القاهرة، إلى أنه إذا فعلت إثيوبيا ذلك سيكون بمثابة كسر للمفاوضات من جانبها، وبالتالي يصبح من حق مصر اللجوء للجهات الدولية لكسب تعاطفها وليس التحكيم، لأن التحكيم لن يكون إلا بموافقة الطرفين.
وعن الدراسات التي تقوم بها اللجنة الفنية، أوضح شراقي أن نتائجها لن تكون مؤثرة؛ وذلك بسبب أن هذه اللجنة تجري الدراسة على 3 أنواع، أولهم دراسات هندسية خاصة بارتفاع السد والسعة البحرية، ودراسات مائية خاصة بالبحر والتسرب والمياه ودراسات بيئية واجتماعيه واقتصادية، لافتًا إلى أن البند الأهم هو الهندسي، وهو ما استثنته المفاوضات، وبالتالي فالنتائج التي ستصدرها اللجنة الفنية والخاصة بالنوعين الآخرين لن تكون مجدية بالنسبة لمصر وغير مؤثرة على خصائص السد.
وتابع أن ما يمثل فارقًا في مصلحة البلدين هو تشكيل لجنة تتفق على الخطوط العامة لتشغيل السد بما يمثل المصلحة الأكبر لإثيوبيا والضرر الأقل على مصر، خاصة وأن إثيوبيا ستحتجز كميات من المياه في البحيرة خلف السد لا تقل عن 20 مليار متر مكعب حتى تكون قادرة على إدارة التوربينات لتوليد الكهرباء.
كانت اللجان الفنية بدأت في مراجعة نسخ عقد المكتب الاستشاري القانوني والمالي الإنجليزي "كوربت" والتي تسلمتها اللجنة الوطنيّة المصريّة تمهيدًا للتعاقد مع ممثلي المكتب خلال الاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والمياه بدول النيل الشرقي "مصر والسودان وإثيوبيا" المخصص للتعاقد مع المكتب الاستشاري الفرنسي BRL، المكلّف بتنفيذ الدراسات الفنية لسد النهضة الإثيوبي، نهاية الشهر الحالي.
ويقول وليد حقيقي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الري، إنه من المتوقع انتهاء الدراسات التي تقوم بها المكاتب الاستشارية الفرنسية، لدراسة مدى مخاطر “سد النهضة” في فترة من 8 إلى 11 شهراً، مضيفاً أنها فترة كافية لتحديد مدى تأثير السد على باقي دول حوض النيل.
من جانبه، أوضح خبير الموارد المائية، مغاوري شحاته، أن مصر وافقت على بناء السد بأبعاد معينة وليست بتلك الأبعاد الحالية، مشيرًا إلى أن الفترة من 2005 إلى 2007 شهدت عدة مبادرات بين دول حوض النيل "مصر، والسودان، واثيوبيا"، والتي قرروا خلالها بناء أربعة سدود بأبعاد ومقاييس معينة، ولكن تلك الأبعاد تم تعديلها بعد ثورة 25 يناير.
وأضاف شحاته، أن بناء السد مازال مستمرًا، وستبحث اللجنة الفنية كيفية المليء الأول للسد، كما ستحدد اللجنة الفنية المخاطر التي يمكن أن يتسبب بها السد، وسُبل توفير حلول لتلك المخاطر.
فيما يرى محمود سعيد، خبير العلاقات الإفريقية بجامعة القاهرة، إن مصر ليس أمامها الآن سوي خيار اللجوء إلى التحكيم الدولي لإدارة أزمة "سد النهضة" الإثيوبي، بعد وصول المفاوضات التى تنتهجها مصر لطريق مسدود وسط إصرار دولة أثيوبيا على المدى قدما نحو تنفيذ المشروع.
وأشار سعيد، إلى أن هناك مجموعة من المبادئ القانونية العامة للمياه الدولية، والتي يعتمد عليها ضحايا الصراعات المائية لإيجاد حل لمشاكلهم، لافتًا إلى أن المنظمة الدولية للأغذية والزراعة حددت نحو 300 معاهدة متعلقة بالأنهار الدولية، معتبرًا أن هذه الاتفاقيات والمعاهدات "سلاح مصر" لحفظ حصتها من مياه نهر النيل.
وفي أواخر يونيو 2014، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهيلى ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، بيانًا مشتركًا، حول مباحثات القمة التي جمعتهما فى العاصمة الغينية مالابو، وتضمن البيان 7 بنود لحل أزمة بناء سد النهضة، منها اتفاق الطرفين على تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول جميع جوانب العلاقات الثنائية، والبدء الفوري في التعامل بين البلدين بروح من التعاون والنوايا الصادقة.
واتفق الطرفان على استئناف عمل اللجنة الفنية الثلاثية حول سد النهضة؛ لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل تنفيذ مشروع السد، وأن تلتزم الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من السد على استخدامات مصر من المياه، كما تلتزم الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا الذي يأخذ تطلعات شعب إثيوبيا بعين الاعتبار.
ونص الاتفاق الذي وقع عليه الرئيس السيسي وعمر البشير ورئيس الوزراء الأثيوبي ديسالين، على أن تقوم المكاتب الاستشارية بإعداد دراسة فنية عن سد النهضة في مدة لا تزيد عن 11 شهرًا، ويتم الاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز سد النهضة وتشغيله دون الإضرار بدولتي المصب "مصر والسودان".
فيديو قد يعجبك: