4 رهانات لأردوغان.. هل ينتصر "السلطان التركي" رغم محاولة الانقلاب العسكري؟ -(تقرير)
تقرير – محمد سعيد وأحمد جمعة:
بين عشية وضحاها تغيرت الأحوال في تركيا، الرئيس في إقامته تحت تهديد القصف الجوي، بينما تعرض مقر المخابرات للقصف بالفعل، وسط إعلان الجيش سيطرته "الأولية" على مجريات الأمور في العاصمة وضواحيها، قبل أن تتحرك قوات الأمن وتفرض حصارًا على المباني والمنشأت التي وقعت تحت قبضة جنرالات الجيش "المتمردين".
ساعات من القلق والاضطراب عاشها الرئيس رجب طيب أردوغان خشية من إنهيار سلطانه، قبل بزوغ فجر السبت ومعه أسدل الستار عن "انقلابًا" كاد أن يطيح به خارج سُدة الحكم، ومن ثم يرى محللون ومتخصصون في الشأن التركي ودراسات إقليم الشرق الأوسط، أن الأيام المقبلة ستشهد "تركيا جديدة" بإجراءات مُحتملة تُجهض أي محاولات مماثلة لانقلاب جديد.
"الجيش"، الملف الأبرز لدى أردوغان في سعيه لإعادة ترتيب البيت التركي من جديد، بعدما أعلنت قوات الأمن مقتل 104 من "الانقلابيين" وإصابة 1440 آخرين واعتقال أكثر من 3 آلاف عسكري، وأقيل ضباط بارزون، حيث توعّد "هؤلاء الذين قادوا الدبابات بدفع الثمن غاليًا"، داعيًا مؤيديه إلى البقاء في الشارع ضمانًا لاستمرار شرعيته الدستورية، وتخوفًا من حدوث انقلابات مستقبلية وانشقاقات جديدة في صفوف الجيش.
يرى السيد عبدالفتاح، رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية، أن بإمكان أردوغان أن يكبح جماح المؤسسة العسكرية لفترات طويلة من الزمن، خاصة مع تراجع أسهم الجنرالات في الشارع، حيث سيجدها فرصة سانحة لتطهير الجيش من قياداته المعادية له مع تمدد نفوذ بعض المؤسسات الأمنية في الحياة العامة، ونفوذ جماعة فتح الله كولن على وجه الخصوص، التي لها النفوذ الأكبر في الجيش والقضاء، وجاءت الفرصة لتقليم أظافر هذه الجماعة داخل المؤسسات.
ويتفق معه محمد علي، الكاتب الصحفي التركي والمتخصص في الشؤون الكردية، بأن "الجيش التركي بحث عن حل سياسي للتخلص من الحرب مع الأكراد والتي قادها أردوغان ونتج عنها قتلى كثر في صفوف الجيش؛ لذا قرر أن يخوض انقلابًا غير مكتمل الأركان"، مضيفًا أن "الجيش عانى تهميشًا في عهد أردوغان حيث عدّل الدستور حيث أعطى امتيازات إضافية لقوات الشرطة على حساب صلاحيات الجيش التاريخية التي تمكنه من قيادة زمام الأمور".
وفي ذات السياق، يعتقد محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن الجيش له من تغيير سياسات أردوغان المستقبلية نصيب، خاصة أنه الآن في حالة انقسام بيّن، ولابد من إعادة النظر في قادته التي قامت بالحركة التي وصفها بـ"المتهورة".
"النظام الرئاسي"
إدريس عاد من جديد ليؤكد أن تصريحات أردوغان خلال أمس واليوم تُنبئ بما سيفعله في غضون الأسابيع والشهور المقبلة، لكن ستظل الأسئلة تفرض نفسها على الحالة الُتركية ولن يستطع أحد الجزم بما سيحدث، ولكننا نتعامل مع مجموعة من التنبؤلات، والتي تتعلق بمدى نجاح أرودغان في تحقيق ما كان يحلم به من تحويل النظام إلى حكم رئاسي، أم يتراجع وسط الضغوط الداخلية، خاصة مع تصريح زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، في جلسة مجلس النواب اليوم، والتي أكد خلالها أن النظام البرلماني هوّ الأمثل لحكم البلاد.
ويقول السيد عبدالفتاح، إن أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" هما المستفيدان من فشل محاولة الانقلاب، حيث بإمكانه تمرير سياسات تهدف لصالحه الشخصي خلال الفترة المقبلة، دون وجود المعارضة القوية التي قد تُعطل إتمام ذلك، ويأتي على رأسها احتمالات نجاحه في تحويل تركيا إلى النظام الرئاسي.
"حلم الأكراد"
لا يغيب ملف الأكراد عن عقل أردوغان كلما غدا أو راح، سيظل يراود حكومته حتى بعد فشل الانقلاب، فمع تزايد تأثير الُكرد في التطورات الإقليمية بعدما قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا دورا هاما في الصراعات في العراق وسوريا، آخرها المشاركة في مقاومة تقدم تنظيم "داعش"، سيكون لهم النصيب الأوفر من التفكير المستقبلي لإعادة "النظر في تركيا الجديدة".
ثمة صراع متأصل بين الدولة التركية والأكراد، الذين يمثلون حوالي 15 أو 20 في المئة من السكان، حيث يقود الجيش التركي منذ عقود حربًا ضروسًا ضد الأكراد في المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية في جنوب شرقي تركيا.
ورغم أن أردوغان نفسه وقف وراء عملية السلام مع أكراد تركيا، منذ عام 2005، حتى إنه كان على بعد خطوة من تثبيت اتفاق تاريخي ينهي الصراع بين أنقرة وأكراد تركيا، لكن أمرا ما حصل بعد فشل حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو 2015، وجعل 10 سنوات من المفاوضات تنهار فجأة.
وبدأت أنقرة حربا على "الإرهاب" كان مسرحها مناطق في جنوب شرق البلاد، واعتمدت السلطات التركية سياسة الحصار وحظر التجول ومشاركة كافة أنواع الأسلحة والقوات البرية والجوية. ما جعل أكثر من 1200 أكاديمي تركي وأجنبي يوقعون على عريضة من أجل السلام في يناير الماضي، منددين بـما وصفوه بـ"المجازر" التي ترتكبها قوات الأمن التركية، خلال العمليات التي تنفذها ضد حزب العمال الكردستاني -التي أدرجته تركيا على قائمة المنظمات الإرهابية- في مدن عدة تخضع لحظر تجول، وفي مقدمتها "جيزره وسيلوبي".
وتبنى البرلمان التركي الجمعة 20 مايو الماضي، قانونا يسمح برفع الحصانة عن أعضاء فيه. ويخشى النواب الأكراد أن يستهدف القانون تجريدهم من الحصانة وملاحقتهم قضائيا.
وشارك في التصويت 531 من أصل 550 نائبا يتكون منهم البرلمان التركي، صوت 376 منهم لصالح القانون الذي طرحه حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهذا العدد يكفي لإجراء تعديلات على دستور البلاد دون إجراء استفتاء شعبي.
وقال علي، إن هذا القرار سياسي بالدرجة الأولى لتحجيم دور الأكراد الذي يمثلهم داخل البرلمان حزب الشعوب الجمهوري، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستزيد من الحرب والتوتر بين الأكراد والحكومة التركية.
وذكر رئيس مركز القاهرة للدارسات الكردية، أن الرئيس التركي دعا في الفترة الماضية لحل القضية الكردية ثم عاد وحنث بعهده، ودخل في حرب مفتوحة مع حزب العمال الكردستاني، موضحًا أن "الانقلاب ليس في صالح الأكراد، كما أن استمرار أردوغان ليس في صالحهم كذلك، فالرئيس التركي وجيشه متفقين على عداء الأكراد، لكن مهما كانت النتائج فبقاء أردوغان (المدني) أفضل كثيرا من تولي الجنرالات سُدة الحكم ما يعني فتح ساحات جديدة للحرب".
ويعود محمد علي للحديث في نفس الاتجاه عن إمكانية استفادة الأكراد من تحركات الجيش من أجل تحقيق حلم خضوع الأكراد لإدارة ذاتية، بالقول إن "الانقلابين من الجيش لا يختلفون عما يفعله أردوغان، فقبل توليه مقاليد الأمور بزيادة نفوذ حزب العدالة والتنمية شرع الجيش في خوض حربًا ضد الأكراد، فلا فرق بينه وبين الجيش، فالطرفان كل آمالهم القضاء على الأكراد، فإفشال الانقلاب لا يعني نجاح الديمقراطية في تركيا".
واختصر "إدريس" الحديث عن القضية الكردية، بأن أردوغان سيكون مجبرًا على فرض تهدئة مع الأكراد، في ظل الضغوط الداخلية والخارجية على نظامه.
الداخل.. رهانات التغيير
"حالة الغمود لا تزال تسيطر على تركيا عقب إفشال الانقلاب، ما حدث عبارة عن مسرحية من قبل أردوغان لزيادة سلطته للتخلص من معارضيه سواء سياسيين أو عسكريين أو أكراد"، يقولها محمد علي، الكاتب الصحفي التركي والباحث في الشأن الكردي.
يضيف علي، أن "مجموعة من ضباط الجيش من الدرجة الثانية، هم القائمون بالانقلاب للسيطرة على المشهد السياسي الراهن، الذي حرمهم من أردوغان فور توليه مقاليد الأمور في 2002، مؤكدًا أن سياسة أردوغان التي وصفها بـ"الخاطئة" هي أهم سبب لما وصلت له الأمور في تركيا الآن.
ويُفند علي، الأوضاع التركية التي وصفها بـ"السيئة" في ظل تولي حزب العدالة والتنمية ـ الذي يقوده أردوغان ـ مقاليد الأمور قائلًا: "أنقرة أصبحت مستنقع للجماعات المسلحة، وجماعة الإخوان المسلمين، ونقطة انطلاق لمجاهدي سوريا والعراق المتشددين، فضلًا عن أصابع الاتهام التي توجه لتركيا في معظم العمليات الإرهابية التي تتم في أوروبا مؤخرًا."
ويوضح "عبدالفتاح" أنه قد يكون هناك تضييق على الحقوق والحريات والإعلام وإغلاق المجال العام أمام الحياة الحزبية وخاصة حزب (الشعوب الكردي) في ظل إعادة تشكيل الحياة العامة في تركيا.
ويعتمد "إدريس" على ذكاء أردوغان في تجميع الشعب حوله من جديد، أم يترك الأوضاع في تفاقم من جديد، وتوقع أن يزداد التوتر مع الولايات المتحدة عقب تصريحات رئيس الوزراء بشأن لجوء عبدالله جولن -الذي اتهمته تركيا بدعم الانقلاب- خاصة أنها ستتعامل معها على أساس دولة "عدوة"، وهو ما ردت عليه الخارجية الأمريكية أنها لم تتسلم طلبًا بتسليم "جولن" ولا يوجد قائمة اتهامات تستدعي ذلك.
واختتم "عبدالفتاح" حديثه بالقول إنه رغم نجاح أردوغان في ملف التنمية الاقتصادية، إلا أن سياساته في الحرب على سوريا وموجهة داعش وجبهة النصرة عسكريًا أدت لتأزم الأمن القومي التركي عبر تفجيرات نفذها متطرفون، وأصبحت المدن تحت التهديد المستمر.
فيديو قد يعجبك: