إسرائيل تدفع مصر لـ"فخ الوساطة": البطة القبيحة أصبحت جميلة – (تقرير)
كتب – مصطفى ياقوت:
بمبادرة مصرية -سريعة ومفاجئة- توجه وزير الخارجية سامح شكري، لإسرائيل، بعد مرور أقل من 24 ساعة، من جولة إفريقية، قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، شملت دول أوغندا، كينيا، رواندا، وإثيوبيا، تطرق فيها لتعميق العلاقات الإسرائيلية الإفريقية المشتركة، وتلقى وعودًا بقبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي.
وأثارت زيارة شكري المثيرة للجدل، العديد من علامات الاستفهام، حول تزامنها مع صدور تقارير تؤكد دعم إسرائيل المالي والفني لإثيوبيا في بناء سد النهضة، في الوقت الذي تعاني فيه الدبلوماسية المصرية من عرقلة متكررة لمسار المفاوضات الجارية بين القاهرة وأديس أبابا، نتج عنها تأجيل توقيع عقود الدارسات الفنية لبناء سد النهضة، والمنوط بها مكاتب "بي أل أر – أرتيليا" الفرنسيين، منذ فبراير الماضي.
تشكيكات طالت الموقف المصري، بشأن طلبه "وساطة" إسرائيلية لدعم موقفه، الذي بات أمنيًا أكثر من كونه فنيًا، في رأي الدكتور أحمد فوزي دياب، خبير المياه الدولي بمنظمة الأمم المتحدة، في ظل تأكيدات إسرائيلية، نقلتها صحيفة يديعوت أحرنوت عن تطرق لقاء نتنياهو بنظيره الإثيوبي هيلمريم ديسالي، لتحركات ثنائية بشأن مياه النيل.
يقول دياب في تصريحاته لـ"مصراوي"، إن اسرائيل حددت لنفسها حدودًا مائية قبيل إعلان نشأة دولتها من الأساس، حيث أنها أضحت في حاجة ملحة للمياه، وتمارس بشتى الطرق ضغوطًا على الدولة المصرية، مشيرًا إلى أن مصالح إثيوبيا مع مصر أكبر منها مع إسرائيل، وهو ما يضمن -إلى حد كبير- سيطرة القاهرة على مقاليد الأمور.
وبينما أعلنت وزارة الري، على لسان متحدثها الرسمي وليد حقيقي، عن توقيع عقود الدراسات الفنية لبناء سد النهضة، خلال أيام، يُبدي خبير المياه الدولي وأستاذ المياه بمركز بحوث الصحراء، تحفظه على الشروط الموضوعة لعمل المكاتب الاستشارية الفرنسية، مؤكدًا أن ما ستخرج به من نتائج لن يكن ملزمًا لأديس أبابا.
يستند دياب في تحليله للمبدأ الخامس من نص اتفاق المبادئ حول سد النهضة الإثيوبي، والمُوقع في مارس الماضي، بين مصر والسودان وإثيوبيا، بالعاصمة السودانية الخرطوم، والذي ينص على أن "تستخدم الدول الثلاث، بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصي بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء".
علاء الفار، الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي، يستبعد طلب مصر لوساطة إسرائيلية، مع دول حوض النيل، مؤكدًا أن مكانة مصر وحجمها لا تتناسب نهائيًا مع اللجوء لنتنياهو، ومطالبته بالتدخل في المفاوضات الجارية بين مصر وإثيوبيا.
وأشار الفار، إلى احتمالية أن تكون المباحثات الثنائية بين شكري ونتنياهو، التي جرت أمس الأحد، قد تطرقت لهذا الصدد، في إطار مباحثات القضايا الإقليمية المشتركة، لافتًا إلى أن الأمر الوحيد المؤكد هو أن الزيارة تهدف لحل الأزمة الفلسطينية ، وفقًا لمبادرة الرئيس السيسي المطروحة في مايو الماضي، بحل الدولتين.
وشهدت جولة رأس الحكومة الإسرائيلية، في إفريقيا، توقيع عدد من الاتفاقيات في مجال الزراعة والنشاط التجاري بين كينيا وإسرائيل، في أولى الصفقات المعلنة، خلال الزيارة.
وذكر موقع "واللا" العبري أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على اقتراح يقضي بفتح مكاتب لوكالة التنمية الدولية الإسرائيلية، في الدول الأربعة التي زراها نتنياهو.
تؤكد، الدكتورة أماني الطويل، رئيس وحدة إفريقيا بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن اسرائيل تسعى للضغط على مصر -لا بالتحريض ضدها- بل بمشروعات استثمارية وتنموية ضخمة على أراضي إفريقية، من شأنها أن تؤثر على حصة مصر المائية، لافتة في الوقت ذاته إلى أن جولة نتنياهو الإفريقية لن تقتطع من متانة العلاقات المصرية بأبناء القارة السمراء.
وأوضحت الطويل، أن مباحثات سد النهضة، لم تكن -بشكل رسمي- على طاولة المباحثات الثنائية التي جرت أمس بتل أبيب، مشيرة إلى أن المباحثات جاءت معبرة عن مرحلة "السلام الدافئ" التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
مغادرة الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الري، للقاهرة، اليوم الاثنين، متوجهًا إلى عنتيبي؛ للمشاركة في اجتماع دول حوض النيل الـ 24 المقرر عقده الخميس القادم، لدراسة عدد من مشروعات التعاون المشتركة، ووضع السياسات المائية الخاصة بدول الحوض، مثلت دليلًا على قوة الموقف المصري في إفريقيا، في رأي الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية.
وشدد اللاوندي، على أن مصر ليست في حاجة لوساطة إسرائيلية، حيث أن علاقة الإدارة المصرية بنظائرها من دول حوض النيل، جيدة للغاية، كما تجمع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي علاقة شخصية طيبة، وفق قوله.
مبدأ "أمان السد"، المنصوص عليه في اتفاقية المبادئ، يعطي لأديس لإثيوبيا الحق في استكمال تنفيذ التوصيات الخاصة بتأمين السد، والواردة بتقرير لجنة الخبراء الدولية، في حين يلجأ أطراف الاتفاقية الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) بتسوية منازعاتهم، بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض، وحال لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب الوساطة، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.
رغم هذا النص، يؤكد خبير العلاقات الدولية، أن إثيوبيا اتفقت مع إسرائيل، على إيفاد 500 جنديًا إسرائيليًا لتوفير الحراسة لسد النهضة، مشيرًا إلى أن التحليلات ترجح إعلان إثيوبيا الحرب -ضِمنًا- على مصر.
ووفقًا لآخر إحصائيات الهيئة العامة للاستعلامات عن حجم التعاون الاقتصادي والتجار بين مصر وإثيوبيا، والتي صدرت عام 2009، بلغ عدد المشروعات الاستثمارية للمصريين في إثيوبيا 72 مشروع استثماري برأسمال مصري بالكامل وبشراكة من الأثيوبيين وبشراكة مع أثيوبيين ودولة أجنبية ثالثة، وتنوعت مجالات الاستثمارات في أثيوبيا للمصريين في المجالات الزراعية والإنتاج الحيواني والصناعية والسياحية والعقارية.
وبلغت قيمة الواردات المصرية من إثيوبيا، 16.9 مليون دولار أمريكي، وقيمة الصادرات المصرية إلى إثيوبيا 129.2 مليون دولار أمريكي.
في الوقت الذي أكد فيه الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي، أرنون شوفير في كتابه (صراعات المياه في الشرق الأوسط)، والذي صدر في 2010، أن قيمة الصادرات الإثيوبية إلى إسرائيل، زادت في التسعينيات بنسبة وصلت إلى 230%، أما فيما يتعلق بالصادرات الإسرائيلية إلى أثيوبيا فقد ازدادت خلال عام 2009 لتصل إلى نسبة 500%، وفق شوفير.
فيديو قد يعجبك: