طفل الـ"هيموفيليا".. حين يكون المرض بديًلا للأب
كتب - عبدالله قدري :
يعاني الطفل المصري عصام عادل -10 سنوات- من مرض سيولة الدم المعروف طبيًا "هيموفيليا"، أصبح المرض مسيطرًا على حياته، حتى اقترن باسمه، وحَلّ مكان اسم أبيه لينادى بـ"عصام هيموفيليا".
والهيموفيليا أحد أمراض الدم الناتجة عن نقص المادة التي تسبب تجلط الدم، فإذا تعرض المصاب لجرح أو اصطدام، ينزف تلقائيًا، وهناك – مثل عصام – أكثر من عشرة آلاف مصري مصابون بالهيموفيليا، حسب بيانات صادرة عن المركز المصري للحق في الدواء.
يقول عصام لـ"مصراوي"، لا أحب أبي، ولا أطيق أن ينطق اسمه مع اسمي. يتذمر الطفل الصغير حين يقرن زملائه أو معلميه في مدرسة ابن لقمان اسمه باسم أبيه، قائلًا "عادل لأ".
منذ ولادة عصام وهو مصاب بالهميوفيليا، وعى الطفل بخطورة المرض، وبدأ يتكيف معه تدريجيًا، حتى صار المرض منه بمنزلة الأب، وأصبح زملائه يعرّفونه بـ"عصام هيموفيليا".
تقول زهرة، المعلمة المشرفة على الطفل عصام بمدرسة ابن لقمان ، لـ"مصراوي"، حين أنادي في كشف الغياب والحضور على "عصام عادل"، يمتعض الطفل، ويصرخ "قولولي عصام هيموفيليا"، تضيف "هو يحب هذا اللقب جدًا، ويفضله عن اسم أبيه".
بالنظر إلى حساب عصام على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تجد صوره وهو يأخذ عقار "الفاكتور" المضاد لسيولة الدم، غالبة على منشوراته، كما تسيطر على صفحة حسابه منشورات متعلقة بالمرض، يقوم بمشاركتها من على مجموعات مرضى نزيف الدم على الفيسبوك، ليصبح اسمه – أيضًا – في العالم الافتراضي عصام هيموفيليا.
لا أنام!
تمنع نوبات الهيموفيليا، عصام من النوم ليلًا، حين يتعرض للنزيف المفاجئ، فتأتي والدته على الفور، لمنع النزيف، يقول عصام" لا أنام بالليل حتى أحلم مثل باقي الأطفال".
تأتي نوبات النزيف إلى المريض بشكل مفاجئ، وإن مصاب الهيموفيليا يمكن أن ينزف بشكل مستمر، دون سبب واضح يمكن أن يعرفه المريض، بحسب معلومات طبية مؤرشفة على شبكة الانترنت (هنا).
ويضاف إلى معاناة مرضى الهيموفيليا، تكلفته العالية التي تقدر بنحو 1300 جنيه للحقنة الواحدة، وقد تصل إلى 250 ألف جنيه سنويًا للفرد الواحد.
يقول الدكتور محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، في بيانات صحفية نشرها المركز عن مرض الهيموفيليا، إن شركات الأدوية توقفت عن استيراد علاج نزيف الدم منذ شهرين، بسبب عدم وجود اعتماد دولاري للشركات المستوردة، وهو ما يعرض مصابو الهيموفيليا للخطر.
أصبح المرض يمثل عبئًا ماديًا على والدة عصام التي تتكفل برعايته، فالطفل الذي انتقل الذي الفصل الدراسي الرابع هذا العام، ينزف كل خمسة أيام تقريبًا -حسب حالته الصحية- ويحتاج إلى 6 حقن، لوقف النزيف، بمعدل حقنة كل 12 ساعة، وهو أمر مكلف جدًا؛ ما دفع والدة عصام للبحث عن متبرعين.
تقول والدة عصام وهي ربة منزل، " أقوم بالرعاية الصحية لسيدة مسنة، وهي مصدر دخلي الوحيد، وعلاج النزيف مكلف جدًا، والمتبرع لا يستطيع المداومة على التبرع بثمن الحقنة الباهظ".
ترفض والدة عصام الاعتماد على التأمين الصحي، الذي لا يوفر العلاج الأصلي لابنها عصام، بسبب ضعف تمويل العلاج على نفقة الدولة، إذ يوفر التأمين علاج بديل لمصاب الهيموفيليا يعرف باسم "أكياس البلازما"، وهي مشتقات من الدم، لكنها غير مأمونة على المصاب لأنها قد تسبب له فيروس سي، ولا تغني عن العلاج الأصلي، بحسب قولها.
دون أصحاب
لا ينفك الطفل عن التفكير بشكل سلبي، ولا يستطيع لعب كرة القدم، بسبب عزوف أصحابه عن اللعب معه، حتى لا يتسبب احتكاكهم به إلى تعرضه للنزيف، فأصبح الطفل ذو العشر سنوات وحيدًا رغم صغر سنه، تقول والدته.
ويمنع الأطباء مصاب الهيموفيليا من اللعب أو الاحتكاك بشيء، إذ أن ذلك يمكن أن يسبب له نزيف تلقائي.
انعكست وحدة عصام على رسوماته الفنية، حيث قام الطفل برسم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك، والأطفال يلعبون بينما وقف طفل صغير على الجانب وحيدًا يبكي، وعند سؤاله من هذا الطفل الذي يبكي في اللوحة قال" أنا، لأن أصدقائي يخشون اللعب معي".
يتمنى عصام الشفاء لنفسه، حتى يتمكن من إسعاد والدته التي بذلت الغالي والنفيس، وضحت من أجله في الوقت الذي تخلى عن أبيه وهو ابن ستة أشهر.
تقول والدته" عندما رأى والد عصام تكلفة المرض العالية، وعدم قدرته النفقة على علاج ابنه، قرر الانفصال عني، وترك عصام، ولم يعد يسأل عنه حتى الآن، وهو السبب الذي دفع عصام لإطلاق اسم هيموفيليا بدلًا من اسم أبيه".
فيديو قد يعجبك: