العراق في زمن النزوح: وينك يا وطن الأهل
كتبت - هدى الشيمي:
على مدار حوالي عقد لم تسلم العراق من المشاكل والأزمات، فبعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، ازدادت الفوضى وظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بدأت عمليات النزوح في الداخل، والهجرة للخارج. حتى تفاقمت الأوضاع عام 2014 بعد إعلان التنظيم خلافته واستيلائه على مساحات واسعة من العراق وسوريا، فزاد معدل النازحين العراقيين ووصل بحسب تقدير الحكومة العراقية إلى 3 مليون عراقي.
وضمن مجهودتها في مساعدة المهاجرين والنازحين، ومن يعيشون في صراع، التقت منظمة أطباء بلا حدود بعدد من العراقيين، الذين ما زالوا مفتقدين لأشياء ضاعت منهم بعد سيطرة (داعش)، وخلاف السنة والشيعة على الأراضي، والقصف الجوي المستمر في السماء، واستطاع مصراوي الحصول على شهادات وروايات بعض منهم.
- كرة القدم
يحلم محمد أحمد وسمي، الصبي العراقي البالغ من العمر 13 عاما، بالعودة إلى مدينته الموصل التي سيطرت عليها (داعش)، فكانت أكبر ضربة تلقتها الحكومة العراقية منذ ظهور التنظيم.
انتقل الصبي العراقي إلى حي أبو غريب قرب العاصمة العراقية بغداد، ويعيش في منزل عمه هو واخوته، وعلى الرغم من استقراره في بيته الجديد إلا أنه لم يستطع العودة إلى الدراسة مرة أخرى، فالمدرسة ترفض تسجيله لأنه لا يملك بطاقة الهوية، "فقدتها أثناء الفرار من الموصل" يقول وسمي الذي يعاني من مرض نادر في الدم يتمثل في ارتفاع كمية الزنك، فمنعه مرضه من العيش كغيره من الأطفال.
تتمثل أقصى أحلام الوسمي في العودة إلى الموصل ولقاء اصدقائه ولعب كرة القدم معهم، ولكنه لا يستطيع العودة مرة أخرى خوفا ألا يجد هناك الأدوية اللازمة لعلاجه من المرض، حيث يتلقى العلاج في عيادة "أطباء بلا حدود" في أبو غريب.
-سوء حظ
تحول "باروج" من ممرض في وحدة عناية مركزة في مستشفى السلام مدينة الموصل إلى نازح عراقي في دهوك، بعدة سيطرة تنظيم الدولة (داعش) على المدينة، ويعمل الآن مساعد منسق في مشروع أطباء بلا حدود في نينوي.
كان باروج من المحظوظين الذين وقع عليهم الاختيار للسفر للمملكة البريطانية المتحدة، لتلقي تدريب تمريض بمستشفى "شيفيلد حالام"، إلا أن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن، فمرت أسابيع تحولت إلى أشهر دون الحصول على تأشيرة السفر، ومع اقتراب موعد السفر علم برفض بريطانيا طلب التأشيرة لسيطرة داعش على المدينة.
تحولت الأوضاع لجحيم مع بداية شهر يونيو 2014، بعد إعلان حظر التجول في المدينة، ليجد باروج نفسه عالقا في المنزل، وفي صباح اليوم التالي تلقى اتصالا من مدير المستشفى، وطلب منه العودة للعمل لأنهم لا يستطيعوا التوقف عن العمل حتى في أحلك الظروف، وبعد عدة أيام استيقظ أهل المدينة على صوت مرتفع يشبه الانفجار، ورأوا الشوارع مكتظة بالناس وعلموا أن داعش استولى على المدينة دون أي مقاومة. ومن هنا بدأت عمليات الهرب والنزوح فلم يعلم المواطنون من يمسك بزمام الأمور، وفي النهاية قرر الرجل الموصلي الخروج مع زوجته الحامل والذهاب لدهوك.
علم "باروج" بعد النزوح أن منزله في الموصل تعرض للنهب، لكنه لم يصل لأي معلومات أخرى نظرا لتقطع سبل الاتصال بينه وبين من لم يستطيعوا المغادرة، "منع تنظيم الدولة استخدام الهواتف الخلوية نهائيا، فأصبحت طريقة التواصل الوحيدة فيسبوك، ولكن علينا توخي الحذر الشديد"، وعن طريق موقع التواصل العالمي عثر الممرض الموصلي على جارة له تدعى سارة، بدى عليها المرض نتيجة للنزوح، وبعد التقائهما أخبرته أنها فقدت ابنتها بعد صراع مع مرض السرطان، أما ابنها الوحيد فقتلته داعش.
- الروابط العائلية
مع سيطرة داعش على مدينة الرمادي العراقية، اضطر حميد خلاف أحمد لمغادرة بلدته، ليعيش كنازح في قرية الحمادية، تاركا قطعة الأرض التي عمل فيها كمزارع، والمتجر الصغير الذي دارته زوجته في القرية.
ومن نزوح إلى آخر عاش حميد، فبعد استقرارهم في الحمادية شنت داعش هجوما على المدينة، فانتقلت العائلة لقرية الملعب القريبة من مدينة الرمادي وبقى هناك أشهر حتى مارس 2015، عندما استولت داعش على القرية، فذهب إلى منطقة أبو غريب، باستثناء ابنته أفاق والتي بقيت هناك مع زوجها وأولادها، ولكنهم فقدوها بعد قصف المنزل.
حتى الآن لم يجد حميد الاستقرار، ويحلم بالعودة إلى حياته القديمة لزراعه أرضه والنوم في سريره، يقول "لا نملك روابط عائلية في بغداد، لماذا يجب أن نبقى هنا إذن؟".
فيديو قد يعجبك: