بعد حلب.. هل تراجع الدول الخليجية نفسها في سوريا؟
بون، ألمانيا (دويتشه فيله)
شكلت خسارة حلب، المعركة المفصلية في النزاع السوري، صفعة قوية لدول قدمت الكثير من الدعم للمعارضة السورية وعلى رأسها السعودية وقطر، فمن يتحمل مسؤولية أخطائهما في سوريا وهل ستعيدان مراجعة سياستهما فيها؟
في وقت تتوالى فيه الإدانات الدولية لما يحدث في حلب مع قرب استكمال قوات النظام السوري وحلفائه لفرض السيطرة الكاملة على الأحياء الشرقية للمدينة بعد شهور من المعارك العنيفة، يتجه الاهتمام أيضا الى أخطاء ارتكبت وسهلت خسارة حلب التي ستشكل منعطفا مهما في الأزمة السورية.
هذه الأخطاء لم ترتكبها المعارضة فقط بل الدول الإقليمية التي تدعمها أيضا بحسب مراقبين وعلى رأس هذه الدول قطر والسعودية اللتان قدمتا الأموال والدعم اللوجستي لفصائل من المعارضة السورية منذ بداية الأزمة في 2011.
فكيف ستتعامل السعودية وقطر مع هذه الأخطاء، هل سيحاسب المسؤولون عنها، وهل ستراجع هذه الدول سياستها في سوريا أم أنها ستواصل نفس النهج؟
حرب غير متوازنة
من أبرز الاتهامات والانتقادات الموجهة للسعودية وقطر، ما يعتبره البعض إضفاء الطابع الطائفي على صفوف المعارضة بحيث قدمت الدعم لفصائل إسلامية وهو ما سهل على النظام السوري وحلفائه وضع المعارضة في سلة واحدة مع داعش أمام الرأي العام الدولي.
بالإضافة إلى أن التنافس بين كل من قطر والسعودية ودول أخرى في المنطقة في تمويل الفصائل الموالية لها خلق نوعا من التناحر بين الأخيرة وشتت صفوفها.
أما الصحفي والكاتب عبد الباري عطوان فيرى أن تمويل المعارضة من الأساس كان أكبر خطأ ارتكبته الدول الخليجية لأن ذلك أعطى الحجة للنظام السوري لممارسة أقصى أنواع العنف والقمع ضد المتمردين.
ويضيف عطوان في مقابلة أجرتها معه DW عربية أنه حدث سوء تقدير من طرف السعودية وقطر لحجم قوة خصومهم وعلى رأسهم روسيا القوة العسكرية العظمى وإيران التي أرسلت قواتها بشكل مباشر، بالإضافة إلى حزب الله المعروف بخبرته الكبيرة في حرب العصابات وهو الذي أرسل أيضا العديد من المقاتلين لمساندة الأسد، في حين فضلت الدول الخليجية خوض الحرب في سوريا بالنيابة.
ورغم هذه الأخطاء لا يرى عطوان أن هذه الدول الخليجية ستعترف بها، ويقول في هذا الخصوص: "لم تفعل يوما حتى تفعل الآن، حتى عندما مات 3 آلاف حاج وعدوا بإجراء تحقيق ولم يعلن عن شيء بعدها، وهذا لأنه لا توجد لديهم ثقافة الاعتراف بالأخطاء ومحاسبة المسؤولين عليها".
لكن الكاتب والمحلل السياسي السعودي سيلمان العقيلي يرى أن الحديث عن أخطاء المعارضة والدول التي تدعمها في هذه الظروف بالذات فيه الكثير من الإجحاف، ويقول في حديث لDW عربية: "الدول الخليجية لم تخطئ لأنها قررت دعم إرادة الشعب السوري الذي ارتُكبت في حقه أبشع الجرائم من طرف بشار الأسد. الفشل الذي حصل لا يعود لأخطاء ارتكبت وإنما لكون موازين القوى اختلت ولم تكن متوازنة بعد التدخل الروسي خاصة أن المجتمع الدولي التزم الصمت إزاء جرائم الأسد مدعوما بروسيا وإيران، وواشنطن غيرت سياستها في الملف بعد اتفاق سري بدأ بينها وبين إيران منذ 2013 قدمت بموجبه الإدارة الأمريكية تنازلات سياسية مقابل تقديم الإيرانيين تنازلات في الملف النووي".
"تحالف مع الشيطان لإسقاط الأسد"
لكن مع ذلك يشير الخبير السعودي إلى أن ما وصفه بتعكير العلاقات السعودية القطرية والذي حدث في 2013 بضغط دولي حسب قوله أثر على أداء الدولتين في الملف السوري وأضعف صفوف المعارضة.
ويرى بعض المتابعين للأزمة السورية بأن أحد الأخطاء التي ارتكبتها دول الخليج في تدبيرها للمف السوري هو موقفها الصارم من بقاء الأسد على رأس السلطة في سوريا
وفي هذا السياق سبق أن انتقد جو بايدن نائب باراك أوباما الموقف السعودي المصر على رحيل الأسد، إذ قال في مقابلة صحفية سنة 2014 إن المشكلة الكبرى التي كانت تواجه الولايات المتحدة مع حلفائها في سوريا وتحديدا السعودية والإمارات هو عزمها الكبير على رحيل الأسد وتحويل الحرب إلى نزاع سني-شيعي ولهذا الغرض قدموا ترليونات الدولارات ومئات آلاف الأطنان من الأسلحة لكل من قدم استعداده لمحاربة الأسد ومن كان يتزود بهذا هم جماعة النصرة وتنظيم القاعدة والعناصر المتطرفة من الجهاديين القادمين من مختلف أنحاء العالم.
عبد الباري عطوان يؤكد أيضا هذا الطرح، ويصفه بالقول :"السعودية وقطر كانتا مستعدتين للتحالف مع الشيطان من إجل إسقاط الأسد واعتقدتا أن ذلك سيكون سهلا على غرار ما حدث في تونس وليبيا ومصر ونسيتا أن روسيا يستحيل أن تتنازل عن سوريا لأن ذلك سيعني خسارة آخر ورقة لها في الشرق الأوشط وهي لن تعيد نفس الخطأ الذي ارتكبته في أفغانستان".
هل تُراجع السعودية وقطر حساباتها؟
ورغم كل هذا يرى الخبير السعودي سليمان العقيلي أن قطر والسعودية ستواصلان نهجهما في دعم المعارضة السورية لأن رحيل الأسد أصبح ملحا أكثر من أي وقت مضى بعد الجرائم التي ارتكبت من طرفه هو وحلفائه.
وكانت قطر قد أجلت احتفالاتها الوطنية تضامنا مع حلب ولطالما أكدت في أكثر من مناسبة على أنها "ستواصل دعم المعارضة السورية وإن تخلت عنها واشنطن".
ولكن عبد الباري عطوان له رأي آخر ولا يستبعد أن تبدأ كل من السعودية وقطر بالتخلي تدريجيا عن المعارضة بعد هزيمة حلب لأن الاستمرار في دعم المعارضة قد يعني مستقبلا الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا لا السعودية ولا قطر قادرة عليها.
ويرى المحلل السياسي أنّ غياب السعودية عن اجتماع أصدقاء الشعب السوري الذي احتضنته باريس مؤخرا كان مؤشرا على توجه جديد في السياسة السعودية نجو النأي بنفسها عن ما يجري في سوريا، بالإضافة إلى عدم تطرق الملك سلمان لحلب في خطابه بمناسبة افتتاح مجلس الشورى بينما كان السعوديون يغتنمون أي مناسبة للتنديد بجرائم الأسد.
كل هذا يجعل المحلل السياسي لا يستبعد أيضا إمكانية استعادة كل من السعودية وقطر الاتصالات بالأسد بعدما أصبح يتجلى شيئا فشيئا أن النزاع في سوريا يقترب من أن يحسم وستكون فيه الغلبة للأسد ومن يدعمه.
لكن العقيلي لا يعتقد بإمكانية استعادة العلاقات مع الأسد ويقول: "إذا كانت الدول الغربية قادرة على مد يدها مجددا للأسد بعدما تلطخت يده بدماء مليون شخص فلن تفعل دول الخليج لأنه لا يمكن تصور سوريا موحدة بوجود مجرم كالأسد على رأس السلطة فيها فهو رمز هذا الصراع".
ويضيف الخبير السعودي أن الاستمرار في دعم المعارضة أصبح ضرورة ملحة أكثر من قبل لأن الإيرانيين سيسعون إلى تحقيق ما يعتبرونه إنجازا لدولتهم في دول أخرى كالبحرين واليمن.
فيديو قد يعجبك: