لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

لعب أطفال مصنوعة من مواد سامة.. (تحقيق)

10:50 ص الإثنين 15 يونيو 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تحقيق- نور عبد القادر ومحمد أبو ليلة:

رامي إبراهيم طفل لم يتجاوز عمره الأربع سنوات، أصيب بمرض الحساسية وحينما ذهبت والدته إلى الطبيب نصحها بأن تبعده عن لعب الأطفال مجهولة المصدر، والتي من ضمنها الدمي  والعرائس المصنوعة من مواد بلاستيكية، حيث تؤكد لمصراوي "طفلي الصغير كان يلعب بالعرائس والدمي المصنوعة من البلاستيك ويضعها في فمه دائما، ولاحظنا اصابته بالحساسية، وحينما ذهبنا للطبيب حذرنا من تلك اللعب التي اشتريناها من أحد الباعة الجائلين في منطقة وسط البلد".

وتابعت: وجدنا "بقع" حمراء على ذراع الطفل وفي كل أنحاء جسده، بعدها درجة حرارته ارتفعت، وظلت البقع تتسع في كل أنحاء جسده، وعرضناه على أكثر من طبيب، لكنه ظل مريض بالحساسية لأكثر من شهرين، وقتها نصحنا الأطباء بالابتعاد عن اللعب البلاستيكية المجهولة المصدر، نظرا لخطورتها.

لم تكن حالة الطفل رامي هي الحالة الوحيدة من الأطفال الذين تم إصابتهم بالحساسية نتيجة تلامس أجسادهم  بلعبة أو دمية بلاستكية، فحسبما يؤكد الدكتور هاني الناظر استشاري الأمراض الجلدية، أنه يتابع يومياً عشرات الحالات من الأطفال الذين لم تتجاوز أعمار ست سنوات أصيبوا بمرض الحساسية، نتيجة تعاملهم المباشر بلعب أطفال مجهولة المصدر ومصنوعة مواد كيماوية.

وأوضح أن هناك مصانع مجهولة تصنع لعب للأطفال من مواد كيميائية ومخلفات، وتوردها لأكبر النوادي والملاهي، وللأسف فهذه الألعاب المصنوعة من مواد كيميائية تجعل الطفل عرضة للإصابة بالحساسية التلامسية وتتطور لإصابات بكتيرية نتيجة تلامس الطفل مع تلك المواد السامة.

20 مليون جنيه لعب أطفال

تشير التقارير إلى أن 90 % من لعب الأطفال الموجودة في مصر يتم استيرادها من الصين، ووفقا لإحصائية أعدها جهاز حماية المنافسة واطلع مصراوي على جزء منها، فإن تجارة لعب الأطفال في مصر حتى الأن تقدر بـ 20 مليون جنيه سنويا، وأكدت الإحصائية أن تجارة لعب الأطفال تسيطر على 40% من التجارة في مصر.

لكن تقرير حماية المنافسة لم يذكر حصر دقيق لعدد المصانع التي تقوم بتصنيع وانتاج لعب أطفال في مصر، وخلال بحثنا عن الجهة المسئولة عن لعب الأطفال وجدنا أن هناك ثلاث جهات أساسية مسؤلة عن لعب الأطفال، وتتوزع بين شعبة البلاستيك وشعبة الكيماويات والأخشاب كل شعبة تراقب على المواد المصنعة منها لعب الأطفال حسب تكوين هذه المواد.

"من الافضل صناعة لعب الأطفال من مادة البولي إثلين أو البولي بروبلين، ولكن أغلب المدارس والنوادي يفضلون الألعاب المصنعة من "الفيبر جلاس" لكونها تتحمل درجات الحرارة ولا تتعرض للكسر بسهولة".. حيث يؤكد ذلك نادر عبد الهادي رئيس شعبة البلاستيك بالغرفة التجارية لمصراوي.

وقال إن الألعاب المصنعة من "الفيبرجلاس" تتبع شعبة الكيماويات لأنها تعتبر مصنعة من مواد كيماوية، كما أن أغلب المصانع العاملة في هذا المجال بعيدة عن الرقابة وعبارة عن ورش تعمل بالمحافظات بمجرد الحصول على رخصة من مجلس المدينة، بدون القيد باتحاد  الصناعات أو الغرف التجارية ولا تخضع للرقابة الصناعية.

لو قررت أن تذهب مرة خارج القاهرة متجهاً ناحية محافظة القليوبية في طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي، وأثناء اقترابك من قرية قلما، ستجد ألاف من ألعاب الأطفال متراصة  على جنبات الطريق، وبجوارها معارض ومصانع لتلك الألعاب، معلقة على جدرانها لافتة كبيرة "لعب الأطفال بالفيبرجلاس".

"مصراوي" قام بجولة في هذه المنطقة التي يمتزج بها المناخ الصناعي والزراعي في أن واحد، فلعب الأطفال تتواجد بجانب أراضي زراعية، وطريق سريع لا يفصل بينه وبين مصانع لعب الأطفال سوى عدة أمتار.

في هذه المنطقة يتواجد ما يقرب من 18 مصنع ومعرض لبيع لعب الأطفال، وقد اشتهرت بهذ الصناعة منذ نشأة أول مصنع بها لإنتاج لعب الأطفال في تسعينيات القرن الماضي، مصطفى عبد الغفار رجل تجاوز الخمسين من عمره هو مدير لأحد مصانع لعب الأطفال يقول لمصراوي "احنا أكبر مصنع للعب الاطفال بهذه المنطقة، ونورد منتجاتنا لجميع الأندية الرياضية والملاهي ونوادي القوات المسلحة والقرى السياحية، بالإضافة لتصدير منتجاتنا للخارج عبر وسطاء".

يؤكد مدير المصنع أن منتجاتهم عبارة عن لعب للأطفال التي يتم استخدامها في الملاهي والنوادي "زحاليق ومراجيح وجميع اللعب الترفيهية"، ويوضح أن صناعة لعب الأطفال تتم عبر عدة مراحل أهمها المادة الخام، والتي تعتبر مشكلة تواجه الصناعة نفسها، فمعظم الألعاب يتم تصنيعها من مواد خام، كالفيبرجلاس والبولي إثيلين والبولي استير، وهذه الخامات يتم استيرادها من إيطاليا وبعض دول الخليج، وأوضح أن تلك الخامات باهظة الثمن، وتعاني صناعة لعب الأطفال من نقص الخامات عموما.

وأدخلنا مدير المصنع لمراحل تصنيع أحدى ألعاب الأطفال من مادة البولي استير وهي عبارة عن مواد كيماوية سائلة كالعسل، بيتم خلطها مع بعضها وبها ألياف زجاجية تؤدي إلى صناعة منتج اللعبة نفسها، ويتم التصنيع عبر "ستانب"، يتم تصميمها حسب الشكل النهائي لكل لعبة مراد تصنيعها، وبعدها يتم "صب" المواد الخام سواء كانت فيبرجلاس أو بولي ايثيلن على هذه "ستانب".

وأوضح أن هناك مادة خام مهمة في إنتاج لعب الأطفال تسمى"ريسن"، لونها أبيض وتشبه الألياف الزجاجية يتم تقطيعها شعيرات، هذه المادة سعرها مرتفع، وتؤدي الى تماسك المنتج بعد تصنيعه وتعطيه قوة ومتانة، لكن هناك ورش صغير ومصانع يقوموا بالاستغناء عن هذه المادة تماما، ويضعوا بدلا منها "جبس" وهذا يؤثر على جودة اللعبة نفسها، هناك مصانع أخرى تقوم بعمل دمج بين المواد الكيماوية وبعضها البعض دون وضع معايير مناسبة لها، ومن الممكن أن تكون هذه المواد سامة، وخامات بديلة ومعاد تدويرها، كلها تؤثر على المنتج.

هناك مصنع أخر  قمنا  بجولة في داخله كانت مساحته صغيرة، أشيه بـ"ورشة" لتصليح لعب الأطفال، كان هناك عدد من الألعاب المتهالكة موضوعة في ركن من المصنع الصغير، قال لنا أحد العاملين "رفض ذكر اسمه" أنهم يقومون بتصليح لعب الأطفال، كما يقوموا بتصنيع اللعب من مواد معاد تدويرها مرة أخرى، مؤكدا أنه يستخدم مادة الفيبرجلاس في تصنيع وإنتاج لعب الأطفال، لكن يتم تزويد تلك المادة بخشب و"نشارة" وهناك لعب يتم تقليل نسبة الفيبرجلاس بها، كي يوفر صاحب المصنع تلك المادة لألعاب أخرى.

حيث قال: كل لعبة بيبقى ليها نسبة معينة من الفيبرجلاس توضع بها، مثلا 6 ملي فيبر جلاس لكن احنا ساعات بنضع 2 ملي فيبر والباقي خشب، لأن الخشب سيوفر مادة الفيبرجلاس كي نصنع  بها أنواعا أخرى من اللعب، وسعر اللعبة يكون رخيص، والناس بتقبل على هذه الألعاب نظرا لأنها رخيصة في السعر عن مصانع أخرى.

غياب الرقابة
عادل مصطفى مهندس وصاحب مصنع للعب الأطفال يعمل لديه ما يقرب من 50 عامل، يشكو لمصراوي من عجز العمالة في هذه الصناعة "هناك ورش صغيرة بدأت تظهر حولنا في صناعة لعب الأطفال، وليس لديهم متخصيين في استخدام الفيبرجلاس"..يقول، مؤكداً أن مصنع لا يوجد ماكينات في صناعة لعب الأطفال وإنما تعتمد الصناعة على الشكل اليدوي، لأن ماكينة تشكيل لعبة تتكلف ربع مليون جنيه على الأقل.

وأوضح أن كل مواد صناعة اللعب مستوردة، وهناك ورش صغيرة تستخدم موادا كيميائية معاد تدويرها عندنا مشكلة،  موضحاً أنه لا توجد رقابة عليهم وليسوا أعضاء في اتحاد الصناعات، "وزارة الصناعة ملهاشش علاقة بيا، مفيش حد بيراقب علينا ولا شعبة البلاستيك أو أي حد من اتحاد الصناعات أو الغرف التجارية".

بينما رئيس شعبة البلاستيك نادر عبد الهادي يؤكد لمصراوي أن أغلب مصنعين لألعاب الأطفال يلجؤون لاستخدام خامات رديئة ومعاد تدويرها لتوفير نفقات التصنيع، رغم وجود مواصفات قياسية للعب الأطفال، وضعتها شعبة البلاستيك "حسب وصف"، وأوضح أن من بين تلك المعايير هي وضع اختبارات للمواد المستخدمة في الألعاب سواء ما يتعلق بالألوان أو المواد الأولية حتي يتم التأكد من أن اللعبة آمنه وغير ضارة بصحة الطفل‏، ولابد أن تكون تلك المواصفة ملزمة للمصنع والتجار أو الجهة التي تتولى شراء تلك الألعاب.

وحصل مصراوي على مستندات من الهيئة العامة للمواصفات والجودة تبين المواصفات الواجب توافرها في لعب الأطفال أهمها ألا تحتوى لعب الأطفال على مواد كيمائية أو تم تصنيعها من تلك المواد، بالإضافة لعدم احتوائها على مكونات متطايرة تكون قابلة للاحتراق فى الهواء وقادرة على تكوين خليط من الهواء  أو البخار قابل للاشتعال أو الانفجار.



سرطان الفيبرجلاس
كان ملاحظ أن المادة الخام التي تعتمد عليها مصانع انتاج وصناعة لعب الأطفال التي تجولنا فيها، هي مادة "الفيبرجلاس" وهي المادة التي قال معظم صناع لعب الأطفال الذين التقاهم "مصراوي" أنها تتميز بخفة الوزرن وسهولة التشكيل وتحملها لدراجات حرارة عالية وبالاضافة لعدم تفاعلها مع مواد كيمائية مثل الأحماض وتتكون من مادة سائلة وألياف زجاجية ومادة عازلة وأصباغ ويضاف لها مواد مثل بيكربونات الكالسيوم.

لكن الدكتور أحمد فرغلي، الباحث البيئي يؤكد في لقاءه بمصراوي أن مادة "الفيبر جلاس" مصنفة من المواد الخطرة التي تتفاعل مع درجات الحرارة والمياه وتتطاير أجزاء سامة منها ولا تتحلل، موضحا أن عدد كبير من دول العالم حذروا من استخدامها في الصناعات التي تمس الإنسان بشكل مباشر، لأنها  تتسب في الإصابة بمرض السرطان خاصة للمتعاملين بشكل مباشر مع هذه المادة من عمال مصانع الأطفال.

وطالب بضرورة دراسة الأثر البيئي على الاطفال الذين يتعاملون بشكل مباشر مع تلك الالعاب المصنعة من مادة "الفيبر جلاس"، خاصة وأن هذه المادة غير خاملة وتتفاعل وتنشط مع درجات الحرارة العالية وتنبعث منها أبخرة سامة يؤدي استنشاقها والتعرض إليها لفترات طويلة إلى إحداث أضرار بالجهاز العصبي والتنفسي، ونوه إلى أن انتشار تلك المادة في لعب الأطفال ساهم بشكل مباشر في إرتفاع نسبة مرض السرطان بين الأطفال الصغار.

وقال: من ضمن الأثار السلبية أيضا لمادة الفيبرجلاس أنها تتطاير وتصيب الإنسان بالعمي في بعض الأحيان، لابد أن تخضع أي صناعة تستخدم مادة "الفيبر جلاس" لدراسة تقييم الأثر البيئ على الأماكن المحيطة بها من مدارس وقري ونجوع وزراعات وترع تتعرض للتطاير من تلك المواد الخطرة، ولابد من منع استخدامها في صناعة ألعاب الأطفال، وإستبدالها بالألعاب المصنوعة من مواد خشبية.

جدير بالذكر أنه في عام 2008 سحبت الولايات المتحدة الأمريكية ما يزيد عن ستة ملايين لعبة خاصة بالأطفال من السوق، نظراً لاحتوائها على بعض المواد الكيمائية السامة، كما أن الاتحاد الأوروبي اهتم بوضع معايير لصناعة لعب الأطفال تحديدا، ومنع استخدام العديد من مركبات "الإفثاليت" البلاستيكية في ألعاب الأطفال ومنتجاتها، باعتبار أنها تؤثر على هرمونات الجسم والنمو عند الأطفال.

نصف مليون طفل في خطر

"الطفل وتحديداً في سن الحضانة أكثر عرضة للإصابة بالحساسية والأمراض السرطانية، وللأسف هناك حضانات تحصل على ألعاب للأطفال من مصانع مجهولة تصنع لعب من مواد كيميائية ومخلفات".. يؤكد الدكتور هاني الناظر استشار الأمراض الجلدية لمصراوي.

دور الحضانات في مصر تنقسم لجزئيين جزء يتبع وزارة التضامن الاجتماعي، وجزء أخر يتبع وزارة التربية والتعليم، حيث وصل عدد دور الحضانة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي لـ 13 ألف و771 دار، ملتحق بهم 692ألف و174 طفل.. حسب مصدر مسؤول بوزارة التضامن الاجتماعي.

بينما تؤكد رئيس الإدارة المركزية للتعليم الأساسي بوزارة التربية والتعليم راندا شاهين، أن عدد طلاب مرحلة رياض الأطفال المقيدين بالوزارة  وصل لـ 117 ألفا و676 طفلا، موزعين على33 ألف و23 قاعة لرياض الأطفال عبر المدارس الحكومية، موضحة لمصراوي أن الوزارة لديها بها لجان فنية تتولى تحديد المواصفات والاشتراطات اللازمة لدور الحضانات طبقا لما ورد من قبل هيئة المواصفات والجودة وبالأخص فيما يتعلق بالألعاب.

وتابعت: عندما تتولى الوزارة بناء دور رياض أطفال حديثة، تقوم اللجنة بطرح الاشتراطات خلال مناقصة وتتقدم شركات ومن تتطابق مع اشتراطات الوزارة يتم الموافقة علية، بالإضافة لقيام اللجان الفنية بكل المديرات بالمرور على دور رياض الأطفال للتأكد من سلامة مستلزماتها وعدم وجود خطورة على الأطفال، سواء من لعب أو غيره.

وكشفت "شاهين" أن الازمة تكمن في الحضانات التابعة لوزارة التضامن والجمعيات الأهلية والتي لا تخضع لرقابة وزارة التربية والتعليم، وكذلك الحضانات غير المرخصة، وطالبت أولياء الأمور بالامتناع عن التعاقد مع تلك الحضانات.

بينما يطالب الدكتور هاني الناظر وزارة التربية والتعليم والتضامن بالرجوع لدور الحضانات وتشكيل لجان فنية لبحث مصدر الألعاب ومستلزمات الحضانات من أجل سلامة الاطفال، خاصة وأن هناك الألاف الحضانات التي تعمل بعيدا عن الرقابة ودوت ترخيص.. على حد قوله.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج