"إبريل''.. الدموية تليق أكثر بشهر الكذب
كتبت-دعاء الفولي:
الأحداث السعيدة قليلة في التاريخ؛ يحتكر القتل أياما عديدة، والموت له محبون كثر، يتلذذون بأعمال العنف، ولو أبدوا الندم عما فعلوه لاحقا، وبعضهم لا يندم من الأساس. يعرف الناس شهر إبريل بـ''الكذبة'' التي يخترعها أحدهم فتصير فكاهة، غير أن الشهر تحمل ما لا طاقة له من جراح لا تُنسى، ففي العالم ثمن الكراهية لا يُدفع إلا من أعناق الضحايا؛ هناك الإبادة الجماعية في رواندا، مجزرة ''دير ياسين''، اجتياح مخيم ''جنين'' الفلسطيني، وغزو العراق؛ التاريخ لا يفوت شيئا إلا ويسجله، ولكن يتناساه الناس أو ينسونه في ظل الأحداث المأساوية المتلاحقة.
فلسطين أم البدايات والنهايات
9 إبريل 1948؛ حين نقض ''الصهاينة'' عهودهم كالعادة؛ الساعة الثالثة فجرا دخل مسلحون من عصابتي ''أرجون'' و''شتيرن'' بلدة ''دير ياسين'' الواقعة غرب القدس، على أمل أن يفزع أهلها تاركين إياها للمحتل، لكن بمجرد دخول أفراد الجماعتين فوجئوا بإطلاق نار؛ ليفروا طالبين الدعم من مؤسسة ''الهاجاناه'' التي تم تأسيسها للدفاع عن المستوطنات اليهودية في القدس، كان ذلك الهجوم عقب أسبوعين من معاهدة صلح طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية.
كانت الطلقات المنطلقة من فوهة الإسرائيليين عشوائية بقيادة ''مناحم بيجن''-الذي اقتسم مع السادات جائرة نوبل للسلام فيما بعد-، قُتل في تلك الليلة 254 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، بينما تتناول الروايات العربية أرقاما أعلى للضحايا تصل إلى 360. رغم المقاومة التي أبداها أهل ''دير ياسين''، إلا أن غلبة الأسلحة كانت أقوى؛ فرّ كثير من السكان بالفعل، وكانت نتيجة المجزرة أن سكنها المحتلون، وبعد عام 1980 أقاموها من جديد على الأنقاض؛ وأطلقوا على الشوارع أسماء الذين نفذوا عمليات القتل.
أول إبادة جماعية
كانت نيران القبلية تغلي في عروق بعض الإفريقيين في السابع من إبريل 1994؛ رواندا البلد الواقع شرق قارة إفريقيا يخضع لقبيلتي ''التوتسي'' و''الهوتو''؛ الأخيرة كانت تحتل 80% من عدد السكان لكن ''التوتسي'' سيطروا على سلطة البلاد لفترة من الزمن، فما كان من ''الهوتو'' إلا أن أرادوا الانتقام فتحركوا لقتل معارضيهم.
استغرقت المذبحة 100 يوم؛ قُتل فيهم أكثر من 800 ألف شخص من قبيلة ''التوتسي'' وبعض ''الهوتو'' المعتدلين، الذين رفضوا قتل جيرانهم أو أقاربهم؛ أنشأ ''الهوتو'' إذاعة خاصة بهم وأجبروا بعض المذيعين على نشر أفكارهم، كانوا ينادون أبناء قبيلتهم أن يسحقوا الصراصير –أي أبناء التوتسي- كلما وجدوهم وإلا أصبحت حياتهم في خطر.
دُمرت مدراس بتلاميذها، الكنائس لم تكن تشكل حماية كافية؛ كان بعض القساوسة –طبقا لشهادة الناجين-يسلمون أبناء ''التوتسي'' إلى القتلة خوفا من بطشهم، القتل على مدار الأيام الطوال كان يتم بالخناجر والسواطير، بطيئا مؤلما، يحوي أكبر قدر ممكن من الإذلال، خاصة أن بطاقات الهوية في
ذلك الوقت كان يُكتب فيها قبيلة الشخص.
تدريجيا وبداية من الرابع من يوليو، تحركت الجبهة الوطنية الرواندية –حركة تابعة لقبيلة التوتسي- بمساعدة الجيش الأوغندي حتى تمكنوا من السيطرة
على العاصمة الرواندية؛ رغم أن كلا من الأمم المتحدة وبلجيكا كان لهم قوات على أرضها، إلا أنهم لم يكن لديهم أوامر بالتدخل، كما أنهم انسحبوا عقب مقتل 10 جنود بلجيكيين، أما فرنسا فقد أرسلت قواتها لإنشاء منطقة آمنة لكن لم يكن لها دور فاعل في منع القتل.
حين سيطرت الجبهة الرواندية على الوضع قتلت الآلاف من مواطني ''الهوتو''، تماما كما فعلت القبيلة التي بدأت الحرب، وإن لم يكن بنفس الكم، بعد تلك الخطوة هرب عدد كبير من قبيلة ''الهوتو''، يُقدر بـ 2 مليون شخصا خوفا من الانتقام.
خلفت المائة يوم دمارا شاملا في الأرواح، وخزي لا يفارق من رأوا أهلهم وقد قضوا دون أن يقدموا المساعدة، حاولت الدولة النهوض، ولم يكن هناك بد من اعتراف العالم بحدوث إبادة جماعية؛ تحرك مجلس الأمن لإنشاء محكمة دولية في رواندا، خلصت بعد التحقيقات إلى إدانة متورطين في قتل السكان، وأولهم ''جان أكايسو'' عمدة بلدة ''تابا'' برواندا، وبحلول عام 2007 كانت المحكمة قد أصدرت 33 حكما بالإدانة على 27 شخصا.
أكثر من مليوني شخص مثلوا أمام محاكم محلية برواندا جراء ما ارتكبوه، وحاليا فإن الحديث عن ''العرقية'' شيء غير قانوني بأمر من الرئيس الرواندي بول كاغامي، إلا أن ذلك في ميزان البعض يؤجج نيران الثأر التي لم تنطفئ، خاصة وأن المحكمة المسئولة في رواندا تخفف من حكمها حال اعتراف الشخص بذنبه، فيما يرى آخرون أن المصالحة ليست ممكنة إن لم يكن هناك عدالة في الحكم من البداية.
اجتياح ''جنين''
15 يوما من شهر إبريل للعام 2002؛ كانوا ليس كمثلهم، لا سيما بالنسبة لآل بلدة ''جنين'' التي تبعد 75 كيلو مترا عن القدس، إذ دخلها جنود الاحتلال ضمن عملية اجتياح بري للضفة الغربية منذ اليوم الأول للشهر، متعللين بالبحث عن عناصر مسلحة فلسطينية.
أثناء التوغل قتل الجنود 58 فلسطينيا -طبقا لتقديرات الأمم المتحدة- بشكل عشوائي، مستخدمين الدروع البشرية، وقد حمّلوا أبناء البلدة ذنب من ماتوا، قائلين إن المسلحين اختبأوا بين البيوت.
اتسمت أحداث بلدة جنين بالشراسة، ودارت معركة غير متكافئة القوة بين عناصر المقاومة والجيش الإسرائيلي، وانتقلت بعد البلدة إلى مخيم جنين الواقع على حدودها، وقالت الأمم المتحدة في جزء من تقريرها عن الأحداث: ''وبينما توغلت القوات الإسرائيلية في المخيم، انتقل المقاتلون الفلسطينيون -حسبما تفيد التقارير- إلى وسط المخيم، وتشير التقارير إلى أن أعنف القتال وقع في الفترة ما بين 5 و 9 أبريل/نيسان مما أسفر عن أكبر خسائر في الأرواح على كلا الجانبين''، وقد أدان التقرير الجانب الفلسطيني والإسرائيلي معا، ما أثار حفيظة الفلسطينيين.
4 آلاف فلسطينيا هم من بقوا في المخيم عقب بدء الاجتياح؛ إذ أن مواطنو المخيم علموا بقدوم الجيش الإسرائيلي؛ ما أدى لنزوح 11 ألف شخص، بينما عانى المدنيون من الأمرّين، بين قتل وعدم معالجة لجروحهم، بسبب منع الجيش الإسرائيلي دخول المواد الطبية والإسعاف –حسب التقارير الدولية-، بالإضافة للقبض على بعض مؤيدي الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ورغم إدانة المجتمع الدولي لما حدث بجنين، إلا أن شيئا لم يتغير، ولم تعترف إسرائيل بارتكابها أي أخطاء.
العراق.. ويستمر القتل
116 ألفا من المدنيين على الأقل قُتلوا في العراق، على مدى ثمان سنوات من الغزو الأمريكي؛ الذي بدأ في التاسع من إبريل حين أعلن الجيش الأمريكي سيطرته على معظم العراق، وأُطلق على هذا اليوم ''ليلة سقوط بغداد''، إذ انسحب الجيش العراقي والحرس الجمهوري الخاص بالرئيس صدام حسين، وأصبح البلد مستعدا لاستقبال المحتل.
''ترسانة أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل''، كان ذلك السبب الرئيس الذي استند له الرئيس السابق ''جورج بوش'' الابن لدخول العراق، ومع الوقت اتضح كذب النظرية التي اخترعها ليضع أقدامه في البلد، كما انتشرت فضيحة التعذيب بسجن أبو غريب على يد قوات الاحتلال الأمريكي في إبريل أيضا ولكن عام 2004، بعد نشر الصور الخاصة بتعذيب المسجونين.
عقب الغزو، كان المتحف الوطني العراقي هو الضحية الأولى، تم سرقة 170 ألف قطعة أثرية، ولم يتوقف الأمر على ذلك فانتشرت عمليات السرقة حتى وصلت إلى مخازن الأسلحة الحربية، استمر الغزو حتى ديسمبر عام 2011 مخلفا جرح لازال البلد يعاني منه؛ بين تفكك وانحدار، لم تكن النتيجة وبالا إلا على رأس العراق، أما ''بوش'' فقد وُجه له اللوم من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2008، قائلين إن إدارته خدعت الشعب، خاصة مع مقتل ما يقارب الأربعة آلاف جندي أمريكي.
فيديو قد يعجبك: