مسيحيو الشرق: أصحاب الأرض أمام خيارات أحلاها مر
برلين (دويتشه فيله)
مسيحيو الشرق، كما يُطلق عليهم، يقفون اليوم في دائرة الضوء كأكبر فئة متضررة من ظهور تنظيم داعش المتطرف ومن الربيع العربي ككل. فما مصيرهم في ظل ما يحدث الآن؟ وهل سيفرغ الشرق الأوسط من المسيحيين؟ وما هو الحل بالنسبة لهم؟
أعاد فيديو ذبح أقباط مصريين على يد تنظيم ''الدولة الإسلامية'' الإرهابي المعروف إعلاميا باسم ''داعش'' النقاش حول أوضاع الأقلية المسيحية في الشرق الأوسط التي تعيش أصلا في أجواء مقلقة منذ انطلاق أحداث ما سمي بالربيع العربي. الخوف من التهجير و القتل وتزايد تهميشهم أصبح هاجسا أكبر لهذه الأقلية مع ظهور تنظيم ''الدولة الإسلامية'' المتطرف. ومع أحداث الاعتداءات على الرموز والكنائس المسيحية وتهجير المسيحيين في العراق وسوريا، ثم ذبح 21 قبطيا مصريا في ليبيا على يد داعش أصبح رجال دين مسيحيون يدقون ناقوس الخطر بشأن مصير مسيحيي الشرق، فهل هم بالفعل أكبر الخاسرين من ''الربيع العربي''؟ وما حجم الخطر المتربص بهم منذ ظهور تنظيم داعش؟
''مصر كلها في خطر''
في مصر، التي تحتضن أكبر تكتل مسيحي في الشرق الأوسط، ويشكل المسيحيون حوالي عشرة بالمائة من سكانها، يبدو الوضع مقلقا أكثر مع اقتراب تهديد داعش. وخلف ذبح أقباط مصريين في ليبيا على يد التنظيم موجة استنكار عبرت عنه أيضا منظمات إسلامية، مثل حركة حماس، وفي الوقت ذاته أبرز تضامنا دوليا مع مصر، التي بدورها صعدت من معركتها ضد الإسلاميين في جارتها الغربية، إذ وجهت ضربات جوية ضد أهداف لداعش في ليبيا. البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، عبر عن حزنه الشديد لذبح أشخاص لمجرد أنهم مسيحيون. ومن جهته يقول القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر لـ DWعربية: ''إن جريمة ذبح المصريين الأقباط في ليبيا أثارت شعورا بالخزي الإنساني لدى مسيحيي مصر بالتحديد، ولكنها جريمة تستهدف مصر ككل ووحدتها الوطنية قبل أي شيء''.
أما يوسف كورية المتخصص في الآداب المسيحية في جامعة برلين الحرة فينظر إلى ما ارتكبته داعش على أنه تأكيد جديد لمسيحي المنطقة العربية ككل على أنهم لم ولن ينظر لهم يوما ما على أنهم جزء من هذه المنطقة. ويضيف: ''داعش حركة سياسية لُونت بالدين وما تفعله يزيد المسيحيين إيمانا بأنهم قابلون في أي وقت للإنهاء والإقصاء''.
إلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لخطاب عقب نشر فيديو ذبح الأقباط، يتوعد فيه بالقصاص من الإرهابيين وزيارته لكاتدرائية لتقديم واجب العزاء في الضحايا لم يخرجه من دائرة المسؤولية عن التهميش الذي يعيشه أقباط مصر.
أصحاب الأرض مهددون
ويرى إدوارد بباوي المتخصص في شؤون أقباط مصر أن ''الحرمان كان موجودا قبل داعش، فهم لطالما كانوا مهمشين على مستوى الحقوق السياسية والوظيفية ومراكز الفئة الأولى، وهم أيضا مقصيون على المستوى العسكري، وأبسط مثال على ذلك هو أن الضابط القبطي يحال إلى التقاعد عندما يصل لرتبة معينة وإن كان عمره ثلاثين عاما''.
و يعتبر يوسف كورية المرحلة الحالية حاسمة بالنسبة لأقباط مصر ويقول: ''الأقباط هاجروا وهُجروا منذ عشرات السنين، والمرحلة الحالية مرحلة حاسمة في وجودهم، وكل الدعوات لبقائهم هي دعوات فارغة لأنهم مقصيون من كل مشروع سياسي في المنطقة. نخشى أننا أمام تعميم المشروع السعودي الوهابي في كل المنطقة''. ويتوقع بباوي أيضا أن يجد أقباط مصر أنفسهم أمام الهجرة كحل للهروب من تهديدات داعش.
''مسيحيو الشرق هم أكبر المتضررين من الربيع العربي ومنذ بدءِ الأخير (الربيع العربي) بدأ المسيحيون بالهجرة من الدول التي عرفت ثورات''، يقول أمين عام الرابطة القبطية في لبنان إدوارد بباوي في حديثه لـ DWعربية. وتابع بباوي: ''هنا يجب أن نكون واعيين بأن هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط أمر يهدد قبل كل شيء اللحمة الوطنية في العالم العربي ويهدد التوازن الديموغرافي في المنطقة. المسيحيون ضرورة وهم أصحاب الأرض الحقيقيون تاريخيا واستقبلوا المسلمين بترحيب لكنهم يجدون اليوم أنفسهم ضحايا تنظيمات إرهابية تنسب نفسها للإسلام''.
وضع مسيحيي سوريا والعراق يبدو الأسوأ بسبب سيطرة تنظيم ''الدولة الإسلامية'' على مناطق عراقية وسورية بأكملها، مستفيدا في ذلك من حالة الفوضى السائدة فيها. وفي الموصل، ثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها لما يقرب من 1500 سنة، وصل الأمر إلى فراغ المدينة من المسيحيين؛ هربا من داعش لأول مرة في تاريخ العراق.
الديمقراطية هي الحل
ويعزو كورية ما يعيشه المسيحيون اليوم في دول الشرق الأوسط إلى سياسية حكامها، معتبرا أن القيادة السياسية تروج لبقائها في السلطة على حساب الشعب ويقول: ''هذا ما لاحظناه مع المالكي والأسد ومرسي واليوم السيسي. لا توجد هناك سياسة أو إيديولوجية في هذه الدول تمنع الاعتداء على الأقليات.'' وتابع كورية المتخصص في الآداب المسيحية في جامعة برلين الحرة : ''حتى قيم مجتمعاتنا لا تصمد لتدافع عن مجتمع كامل فنسمع اليوم أمورا من قبيل أن الجار المسلم يعتدي على جاره المسيحي قبل وصول داعش وينسى 30 عاما من الجوار. وإن كان الضحية اليوم مسيحيا فغدا سيكون شيعيا وبعدها سنيا وهكذا دواليك''.
ويرى كورية أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هي أنظمة ديمقراطية تصغي لجميع الأصوات وليس أنظمة تعمم دينا واحدا أو إيديولوجيا واحدة ''أما إذا بقي الحال على ما هو عليه فلن نخرج من هذا المطب''.
وعن استقبال الغرب للمسيحيين يقول كورية ''ما لا يعلمه البعض هو أن مسيحيي الشرق يعيشون مشاكل كبيرة في الغرب ودول المهجر عموما، لأن اللجوء الديني غير معترف به ويعتبر لجوءا إنسانيا شأنه شأن اللجوء السياسي ويتم إرجاع هؤلاء لبلدانهم بمجرد استتباب الأمن فيها، مع أن حصول هذا لا يعني تحسن أوضاعهم هناك كأقليات دينية''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: