لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هاني الجمل... ذكريات الثورة ومستقبلها (2-3)

08:06 ص الإثنين 21 ديسمبر 2015

يرى هاني الجمل أن البرادعي فشل إداريا بعد 30 يونيو

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

 حوار – سامي مجدي:
في الجزء الثاني من الحوار المطول نتتبع مسار حركة التغيير التي وصلت إلى ذروتها بثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد ما يقرب من ثلاثة عقود قضاها قابعا على رأس النظام، بعد أن حكى في الجزء الأول عن بداياته وانخراطه في حركة التغيير بمجيء الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وإعلانه الصريح دخول المعترك السياسي المصري متحديا نظام لم يدخر جهدا في سبيل تثبيت أركان حكمه. لقراءة الحوار كاملا... اضغط هنا

التنحي
نجحت الآليات، ونزلت الجماهير أمواجا هادرة في شرق مصر وغربها، وكان ميدان التحرير في قلب العاصمة بؤرة التحرك الثوري الذي قادته مجموعة من الشباب المؤمن بأن هذه البلاد تستحق ما هو أفضل، وكان نتاج ذلك أن أعلن مبارك تنحيه وتسليم السلطة للمجلس العسكري. وفي ظل الفرحة العارمة وقتها كان هناك من رفض مغادرة الميدان على اعتبار أن النظام نفسه لم يسقط وإنما رأسه فقط هو الذي تنحى، وفي نهاية المطاف غادر الجميع الميادين والشوارع وكلهم أمل في أن القادم أفضل.

رغم سعادته برحيل مبارك، إلا أن القلق كان يدب في قلبه. ''كنت من جوايا مش مستريح''، يقول هاني الجمل، لكنه كان يرى أن الشعب حقق ما لم يكن يحلم به برحيل مبارك و''كان ذلك شيئا عظيما وإنجازا... ليس لأن هذا هو الشيء السليم، لكن لان هذه هي طاقة الشعب في هذا الوقت ... ومن يدعو للتغيير لابد أن يعمل مع الشعب ولا يجوز له أن يسبقه''.

d734511e946360a7a9dc68ff8166a4ab

ويضيف بأسى ''كانت هناك طاقة إيجابية، لكن من بيدهم السلطة لم يستثمروها إما لأنهم لا يملكون النية أو لا يملكون الفهم لإدارة هذه الطاقة لصالح البلد...''.

اتضحت هذه المعارضة وعدم القدرة على الفعل فيما بعد عندما انتقل هاني الجمل، الذي أصبح استشاريا في مجال الإدارة، للعمل قرب دوائر السلطة التي جاءت من الميدان محمولة على أعناق الشباب.

انضم مع اخرين من الشباب وشكلوا مجموعة عمل استشارية احترافية للعمل مع رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف وكان تصورهم أن المجموعة اختيرت لاحترافيتها ومهنيتها وخبراتها و''كانت الخطة وقتها أن نفتح المجال أمام اخرين بخبرات مختلفة ليقدموا ما لديهم حتى لا يكون الأمر مقتصرا علينا فقط''.

يقول الجمل إن المجموعة، وهي حوالي 15 شابا، عملت بكل جهد: قدمت مشروعات للجهات التنفيذية لم تنفذ منها شيئا، منها المشروع الذي قدمته الدكتورة زينب الديب، خبيرة علم الأجناس (الانثروبولوجي) لتنمية الريف المصري وتحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح، وهو مشروع قديم أملت الديب في إحيائه بعد الثورة.

عرضت الديب المشروع على شرف، رئيس الحكومة في ذلك الوقت، غير أنه ''اعتذر لوجود ضغوط عليه تمنعه من تطبيق هذا المشروع'' ، والذي كان يهدف لتنمية 2 مليون فدان في الصحراء المصرية تنمية شاملة تعتمد علي زراعة القمح كنشاط اقتصادي رئيسي استطاعت من خلال الأبحاث والتجارب أن تصل بانتاجيته لـ 35 أردب في حين لا تتخطي الإنتاجية الحالية 15 أردب للفدان ، حسبما قالت الديب في حديث مع برنامج تلفزيوني في 2012.

ومع الاحباطات التي توالت على المجموعة والشباب عموما، وأسباب أخرى، حلت المجموعة نفسها بعد أن نظم ''بعض الشباب الاخر من كيانات أخرى مصطنعة مظاهرة وقالوا: اشمعنى الشباب دول جوه واحنا لا... فقدم لنا (عصام شرف) الشكر!''.

ويرجع الجمل ذلك إلى ''ضعف'' شخصية رئيس الوزراء القادم من الميدان، رغم أنه يقر بالاستفادة من الاقتراب من دوائر الحكم خلال تلك الفترة التي كانت حافلة بالأحداث الجسام التي أثرت بشدة في مسار الثورة وما آل إليه حال الثوار والشعب معا.

في حديثه عن تلك التجربة قصيرة العمر مع الحكومة ومن بعدها تأسيس مؤسسة الدكتورة زينب الديب لإعادة بناء القرية المصرية وتجارب أخرى كثيرة لشباب أرادوا العمل على تنمية المجتمع والفرد، و''حاصرتهم الدولة''، أشار الجمل إلى أن هناك شبابا مستعدون للتضحية بالكثير في سبيل تقدم البلاد حتى تواكب العصر الذي نعيشه.

ويرى في ذلك الجهد الذي لم يلق عليه الضوء من الإعلام ردا على من يدعون أن ''الثوار يتحدثون فقط.. ولا يعملون''، ويؤكد أن السلطة منذ الثورة حتى الآن تعارض أي مبادرة للتنفيذ، وترى أن أي طاقة غير مرغوب فيها، وتعمل على تفريغ المساحة العامة حولها من أي طاقة''.

تجربة الانتخابات
هاني-الجمل

استفاد هاني الجمل من تجربة خوض أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير على المستوى السياسي كثيرا. وكان الحوار متزامنا مع أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 30 يونيو التي شهدت عزوفا كبيرا من قبل الناخبين أرجعه مراقبون إلى حالة ''إماتة السياسة وإغلاق المجال العام'' أمام المعارضين، والقوانين المنظمة للعملية الانتخابية التي صدرت بدون حوار مجتمعي. 

ورأى الجمل أن ضعف الإقبال على التصويب يعود إلى وعي المواطن المصري الذي هاله ما يجري على الساحة السياسية التي تتصدرها وجوه أغلبها محسوب على نظام مبارك الذي أسقطه الشعب وأنهم ''يحتقرون الناس''، واتهامات ''الانتماء إلى الإخوان'' و''الخيانة'' التي توجه إلى كل من يرفع صوتا معارضا للخط الذي يسير عليه النظام الحاكم الآن.

يقول الجمل ''الناس وعيها نضج جدا... والناس لم تنزل لأنها مش عبيطة''. ويوضح أن تجربة خوضه الانتخابات السابقة، جعلته يرى أن ''الناس مش وحشة ولا غبية''، وأن المواطن يبحث ويحتاج إلى أن يجد من يعتبره جيدا يحقق مصلحة المواطن دون أن يتخلى عن المبادئ خاصة تلك التي رفعها في ثورة يناير وذلك ليس به أي تعارض.. ويقول ''نحن حقا بحاجة إلى خطاب يصالح ما بين المبادئ والمصالح''.

ولم تتخط نسبة المشاركة في انتخابات 2015 حاجز ال30 في المائة من جملة من لهم حق التصويت. كما أن ''المال السياسي'' طغى على عملية الاقتراع، بحسب منظمات حقوقية راقبت الانتخابات في مرحلتيها.

ويستخلص الجمل أن الخطاب الطاغي في تلك الانتخابات هو ''خطاب لقمة العيش والاستقرار''، والذي يستبعد خطاب مبادئ الثورة – خطاب الحقوق والحرية والكرامة – ويرى أن ''الثوار لم يستطيعوا بلورة خطاب يحقق الأمرين معا، فقط ركزوا على الخطاب الحقوقي.. هم الآن بحاجة إلى خطاب يدعو إلى تأسيس دولة القانون، حيث مساءلة الكبير قبل الصغير. وهذه الدولة هي التي ستحقق ما نريده، وهي التي ستؤدي إلى تقدم مصر''.

خياران كلاهما مر
2013_10_23_20_51_50_987

ورغم مساندته لأبي الفتوح في الانتخابات الرئاسية إلا أنه لم يكن ليحزن ''لو أن حمدين صباحي هو الذي فاز''. وكان هدفه الرئيس عدم انتخاب الفريق أحمد شفيق، الذي كان يوصف برجل نظام مبارك وأن نجاحه كان يعني العودة إلى ما قبل 25 يناير مرة أخرى، ونفس الأمر إلا قليلا للمرشح الاخر عمرو موسى، فقد كان الأمين العام السابق للجامعة العربية في نظره ''شخصية تقليدية محافظة من القيادات القديمة للدولة... لكن اتضح أن الدولة نفسها لم تكن تريده لأنها رأت فيه قدرا ولو بسيطا من الاستقلالية التي من الممكن أن تشكل خطرا عليها''.

وصل الحال بالثورة جراء انقسام الحالة الثورية إلى أن خُير الناخب المصري في جولة الإعادة بين شفيق، ومحمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين ''التي تواطأت ضد الثورة في أحداث كثيرة بعد الثورة مثل محمد محمود ومجلس الوزراء''. ويرى الجمل أن ذلك ''كان الخيار الأسوأ الذي لم يتوقعه أحد''، لكنه ابتعد – ككثيرين - عن شفيق ومنح صوته لمرشح الجماعة لأن الرهان كان ''الإخوان سوف ينحازون للشعب حتى يستمدون منه القوة في مواجهة النظام القديم، وأنهم لو حاولوا أن يتسلطوا فلن يستطيعوا لأنهم لا يملكون شيئا لا إعلام ولا غيره''، وهو ما جرى وأثبتته الأيام اللاحقة.

لم يدم الإخوان في السلطة سوى عاما واحدا، تخللته احتجاجات واسعة من أطياف مختلفة من الشعب المصري الذي رأى أن الجماعة لا تسير في طريق تحقيق ما ثار من أجله ضد مبارك ونظامه. ورغم أن الجماعة كانت أمامها فرصة دخول التاريخ من أوسع أبوابه لو أنها انحازت لمطالب الشعب ولم تعل عليه الجماعة.

كان للجمل تحفظه على الاحتجاجات شبه اليومية ضد الإخوان حيث رأى في ذلك ''نوعا من أنواع التجارة بالدم''، وكانت وجهة نظره أن تكون ''الأولوية لبناء كيان سياسي يعمل الشباب من خلاله، وأن تستغل المساحات والفضاءات التي فشل الإخوان في إغلاقها حتى يكون هناك بديل سياسي قادر على تحمل مسؤولية قيادة الدولة بدلا من الجيش أو الإخوان''.

ويقول ''كنت أرى أن هناك طاقات كثيرة اهدرت في العمل الاحتجاجي''. ووجه سهام النقد اللاذع لحزب الدستور الذي ينتمي إليه، وقال إنه ''تحول إلى حركة احتجاجية في الشارع''، بدلا من أن يكون كيانا سياسيا جامعا خاصة بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي أواخر 2012، حيث أنصب التركيز على الاحتجاجات دون النظر إلى المهام الأخرى التي يجب أن يقوم بها أي حزب سياسي.

وأرجع ذلك إلى أن ''القيادات الكبيرة ''العاقلة'' بدلا من أن توجه الشباب قامت بعكس ذلك''.

شارك هاني الجمل كرفاقه في حزب الدستور في ثورة 30 يونيو، كعادته في قلب المظاهرات، لكنه كان من الزمرة التي كان هتافها مغايرا بعض الشيء للسائد وقتها وهو ''يسقط كل من خان... عسكر فلول إخوان''. ويرى أن ثورة 25 يناير كانت السبب الرئيس في احتشاد الناس بهذا الشكل في 30 يونيو؛ حيث أشعرت 25 يناير المواطن العادي ''الذي كان يسألنا عما إذا كنا سننزل في 30 يونيو ويدعونا للنزول''، بأن البلد باتت ملكه.

30 June

مضت البلاد في سبيلها كطبائع كافة الأمور، ومضت معها ما وصفه مراقبون ب''سياسة شد الحبل'' التي اتبعتها جماعة الإخوان المسلمين ومن ساروا في ركبها، والنظام ومن ساروا في ركبه وقد كانوا كثر، وتوالت الاشتباكات وكثر سقوط القتلى من الجانبين، ونشطت الجماعات المسلحة في الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء مستغلة حالة الفوضى الأمنية والفراغ الذي خلفه نظام مبارك في منطقة رويت بدماء المصريين على مر العصور.

البرادعي والأمل الذي تبدد
كما مضى هاني الجمل وبعض رفاقه الذين اعتقدوا بوجود طريق ثالث يجنب البلاد ويلات العنف والعنف المضاد، في محاولات التواصل مع ''ملهمهم'' البرادعي الذي كان آنذاك نائبا لرئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور. وعارض بشدة الطريقة التي فضت بها السلطات اعتصام الإخوان المسلمين في رابعة العدوية بالقاهرة وميدان النهضة بالجيزة.

كان لديه واخرون قناعة بأن هناك خيارا اخر يتمثل باختصار في ''أن يتم تضييق الخناق على المعتصمين بشكل تدريجي''، على ما يقول. لكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه.

ويوضح أن ''رهاننا كان على البرادعي في إقناع النظام الذي اتى بعد 30 يونيو أن يقوم بما هو صحيح.... بناء دولة قانون تحقق العدالة الانتقالية والالتزام بميثاق شرف إعلامي وما إلى ذلك من أمور. وفوق ذلك كله التأكيد على أن 30 يونيو هي امتداد لثورة 25 يناير وأن ممارسات ما قبل 25 يناير لن تعود مرة أخرى''.

''كان أملي وامل اخرين أن يقوم البرادعي بذلك الأمر من خلال منصبه نائبا للرئيس... وأن يظهر للناس أن هناك بديلا اخر عن الدم وصراع البقاء بن طرفين.... بديلا عن المعادلة الصفرية''.

فض اعتصام رابعة

حاول الجمل ورفاقه الالتقاء بالبرادعي ليتحدثوا معه عن تصوراتهم وأفكارهم واقتراحاتهم للخروج من الأزمة التي كانت تعصف بالبلاد في ذلك الحين، وبعثوا له برسائل عبر البريد الإلكتروني وعن طريق مساعديه وكان الرد أنه متفق مع ما يقولوه لكن ''أنا مش فاضي دلوقت''. وفي مكالمة تليفونية مقتضبة كان الرد تحديدا '' أنا بس مشغول اليومين دول، لكن هاقعد معاكم وهقعد مع كل الشباب... وإن شاء الله قريب جدا''.

بيد أن الأمور سارت عكس ذلك، واستقال البرادعي بعد عملية الفض الدموية التي يتحمل فيها طرفا النزاع المسؤولية عن الدماء التي سالت. ''كنت أرى أن استقالته متوافقة أخلاقيا ما يقوله... وكان محقا في ذلك''.

لكن الوضع اختلف على المستوى السياسي، فالجمل المتوافق مع استقالة البرادعي ''أخلاقيا''، يرى أنه ''فشل إداريا. فشل أن يظهر البديل الاخر خلال فترة وجوده في السلطة. أخلاقيا كنت مع استقالته. ففي تلك اللحظة لم يكن صوت يعلو فوق صوت المعركة.... وفي ذلك الوقت لم يكن يستطيع أن يقول شيئا مخالفا للنهج العام للنظام، وهذا ما أظهرته الأيام، فأي شخص يقول شيئا مخالفا يصبح ''طابورا خامسا وعميلا.... حتى أن بعض من فضلوا الاستمرار في الحكومة مثل الدكتور زياد بهاء الدين اتهموا بأنهم إخوان وأنهم يعطلون مشروع الحكومة، وغير ذلك من اتهامات''.

ويرى أن البرادعي كان ينظر إلى سعي الشباب إلي الالتقاء به بنظرة فيها شيء من الاستهانة، ''ولم يكن يقدر أننا نحاول أن ننقذ البلد... كنا نرى أن القادم أسوأ. وكان البرادعي يستطيع أن يخرج بشيء مختلف عن هذا وذاك'' وكنا نستطيع مساعدته، يقول الجمل.

ويرى أيضا أن مشكلة البرادعي تكمن في أنه يعمل ''من فوق''؛ ويوضح أنه سياسي يعمل على مستوى الدول والحكومات لكنه ''لا يستطيع النزول إلى الأماكن الشعبية – نخبوي إلى حد ما''.

ويقول ومسحة حسرة في صوته، وكأنه يوجه خطاب لوم إلى البرادعي شخصيا، ''كنت تستطيع بخطاب محايد أن تكسب الكثير من هؤلاء الناس في رابعة والمتعاطفين معهم في صفك وتجعلهم ينفضون من حول الإخوان، لكنك فشلت''.

D82BE200-6C5E-4370-BAEC-0013DF45FB9C_mw1024_s_n

في الجزء القادم نيسر مع هاني الجمل في الطريق الذي أوصله في نهاية المطاف إلى غياهب السجون، قضى فيها ردحا من الزمن عانى فيها ما عانى وتعلم منها أيضا ما تعلم.

اقرأ أيضا:

هاني الجمل... ذكريات الثورة ومستقبلها (1-3)

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج