من سجن الأسد إلى أسر داعش.. كرم المصري مصور بدرجة محارب (حوار)
حوار- هدى الشيمي:
لم يعلم ذلك الطفل الصغير انذاك أن التلك الشوارع والمنازل الحلبية الممتلئة بذكرياته وسير أهله، والتي لا تخلو من صياحه هو وباقي الصغار، وأن الوجوه التي يراها يوميًا عند بائع الخبز، واللحام، وداخل الأسواق، ستتحول يوما ما إلى حطام، تنتشر داخله الجثث، ودمار كبير لا يقوى أحد على الخروج منه، فيصبح هو أحد العدسات التي تحاول نقل الصورة كاملة إلى العالم، وتصور معانتهم، ويعرضه ذلك للخطف والتعذيب على يد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
شارك كرم المصري في المظاهرات السلمية برفقة الالاف في مسقط رأسه حلب، ولـهيبة الموقف وتدفق الأعداد وتوحد المطالب، حرص على تسجيل تلك اللحظات بكاميرا هاتفه المحمول، ولم يكن ذلك جديدًا عليه، حيث عشق التصوير منذ الصغر، "كنت بصور في المدرسة والشارع والبيت، بالكاميرا القديمة إللي فيها فيلم" على حد قوله.
مع ارتفاع وتيرة الأحداث، واشتداد قوتها وتحول الأمر إلى ثورة مسلحة، وبداية القصف والمجارز، فتح كرم قناة خاصة به على موقع اليوتيوب، كنوعٍ من أرشيف يضم عدد من مقاطع فيديو التقطها في حلب.
بمبدأ الحاجة أم الاختراع، تحول كرم من مصور هاوِ إلى محترف، ففي عام 2012 التقى بصحفي أجنبي معه كاميرا احترافية سجل عليها مجموعة من اللقطات المتميزة، وبعد فترة اشترى كاميرا "أقل منها، على قد المصاري يلي كانت معي"، وبدأ التصوير، بعد تعلم بعض المبادئ الأساسية من الكتب، والمواقع الالكترونية، والمقالات التي تتناول طرق التصوير وكيفية التقاط الصورة، وبعد عام التقى بوكالة الانباء الفرنسية "AFP" وبدأ العمل معهم.
ومن شوارع أغلقها حطام المباني إلى مواطنين يبذلو كل ما في وسعهم من أجل البقاء، طفل حلبي يقف ضاحكا أمام بقايا منزل، وأخر يجلس فوق الانقاض باكيا منزله ومحبيه، وقطة تلعق اللبن المسكوب من فوق سطح المشعل "البوتجاز"، انتقل كرم من مكان إلى أخر يصور كل شيء، لتصبح كاميراته هيئة رصد لكافة تفاصيل الواقع هناك، إلا أن ذلك لم يعجب المسئولين في تنظيم داعش، والذين استهدفوا كافة الناشطين والاعلاميين، وفي 28 من نوفمبر عام 2013، وعند مروره من على الحواجز اختفطوه، "قالولي انت مرتد لأنك بتصور وبتطلع صورك عالقنوات الكافرة".
ظل كرم في سجون داعش ستة أشهر، تحت الأرض في غرف منفردة قذرة لا يدخلها شمس أو هواء نظيف، "تخيلي كان أكلي كل يومين، أو ثلاثة وجبة واحدة عبارة عن نصف رغيف خبز، وبيضة مسلوقة، أو كم حبة زيتون، وممنوع من الحمام"، فإذا أراد قضاء حاجاته فيلفعل ذلك بنفس الغرفة، "يلي القمل فيها والجرب أكل جلدي".
لم يكن الحبس جديدا على كرم، فمر بنفس التجربة عام 2011 ، حيث قضى خمسة عشر يوما في سجن نظام بشار الأسد، والذي لا يجده مختلفا كثيرا عن سجون التنظيم،" الفرق الوحيد السجان عند النظام أو الضابط مو ملتحي، والسجان أو الأمير عند داعش ملتحي".
معظم المعتقلين مع كرم قتلوا، وكان اغلبهم قادة وعناصر بالجيش السوري الحر، وكان من المقرر أن يلقى نفس مصيرهم ، ولكن أمر الله أن ينجو من كل ذلك، ويعفو عنه زعيم داعش أبو بكر البغدادي.
أثناء تواجد كرم في السجون الداعشية، لم يكونوا أقدموا على اختطاف الفتيات الايزيديات، ولكنه شاهد الكثير من الحوادث التي تلقى فيها شباب لم يقترفوا أي ذنب تعذيب هيستيري، ويتذكر وجود فتاة أمريكية، سمع مؤخرا أنها توفت خلال غارة أمريكية على معاقل التنظيم.
المفاجأة كانت قاسية على كرم بعد خروجه من السجن، ففرحته بالعفو لم تكتمل، فوجد الكثير من المناطق في حلب مدمرة بالكامل "ما عرفتها وأنا بالطريق راجع"، فقبل اختطافه لم يكن النظام بدأ في استعمال البراميل المتفجرة، "تركتها فيها حياة طلعت شفتها مدينة أشباح مدمرة"، ولكن الطامة الكبرى، كانت استشهاد والدته وانهيار منزل.
عندما تحدث كرم عما حدث له في السجن، تلقى التهديدات من التنظيم، ولكن لكون حلب مدينة امنة وبعيدة عنهم لم يخف، ولم يتوقف عن تسجيل لحظات القهر والعذاب التي يتعرض لها مواطنيه، "الخوف أكتر شي من الخطف والسجن، الموت ما بيخوف قد الخطف والتعذيب عندن".
الوضع في حلب قاسي، كل فترة يسوء عما قبلها، غارات وبراميل ومجازر، ومع ذلك لم يفكر كرم ولو مرة واحدة بالهجرة، لأن احساس بالمسئولية والالتزام تجاه القضية قويا، "مو معقول اترك هالناس تموت كل يوم بالبراميل وامشي وأنا يلي كنت ببداية الثورة معن"، ويتساءل "مين بدو ينقل معاناتهن للعالم؟".
الباقون في حلب الآن لا يستطيعون تجنب كل ذلك، واللحاق بالملايين المهاجرين والنازحين، لأنهم من الطبقة الفقيرة المعدمة، "لو معن مصاري ما حدا ضل بهالظروف الصعبة"، فلا يوجد كهرباء ولا مياه نظيفة، فيلجأ الناس لمياه الابار الملوثة، مما يصيبهم بالكثير من الأمراض.
لا ينكر كرم خوفه من كل ما يحدث، "أكيد بخاف بس شو بدي أعمل؟"، فيعيش الآن مثل غيره، يأكل من طعامهم، ويشرب من نفس المياه، وينام ويفيق على أصوات الغارات والبراميل.
تتشابك الأوضاع وتزداد حدة داخل سوريا، وبالغارات الروسية الأخيرة يتوقع البعض ألا تتوقف الحرب أبدا، ويقول كرم إنه يساند ويعاضد الشعب المظلوم، الذي يموت كل يوم بالبراميل، "وماله ذنب غير إنه فقير ما يتحمل تكاليف الهجرة"، ويعلن صراحة رفضه لأي جهة تقتل مدني برئ، ولكنه يجد أن صاحب النصيب الأكبر من الجرائم هو النظام القاتل الأكبر للمدنيين الأبرياء العذل، "والتدخل الروسي رح يحول الوضع لأسوأ، والناس لما رح تشوف العالم ساكت على النظام رح يصيروا كلن داعش".
فلا فرق بين النظام السوري والروسي من وجهة نظر كرم، "الروس متل النظام عم يقصفو المدنيين"، فالناس في الفترة الحالية ستتجه للإرهاب والملجأ الوحيد لهم هي داعش، "برأيي الوضع رح يكون محرقة لسوريا والدول يلي حواليها بهالتدخل".
وعلى الرغم من كل ما مر به كرم خلال أربعة أعوام هي عمر الأزمة السورية، إلا أنه يرفض تسميتها بـ"الحرب الأهلية"، "هي مو حرب أهلية لسه اسمها ثورة".
فيديو قد يعجبك: