مواسم الحصاد الدامي..!
بقلم- محمد أحمد فؤاد:
تمر الفصول، ولا تكاد الظروف تتهيأ لحدوث إنفراجة في المسألة الفلسطينية إلا ويتدخل الجزار الصهيوني بسكينه البارد ليذبحها على رؤوس الأشهاد..! بين مجازر أيام التوبة أكتوبر 2004، والرصاص المصبوب ديسمبر 2008، وعامود السحاب نوفمبر 2012، وأخيراً وليس آخراً الجرف الصامد يوليو 2014 (مازالت تحت التنفيذ).
وعلى مرئي ومسمع من جموع أنماط غريبة من البشر تسمى بالخطأ شعوبا، يستمر نزيف الدماء البريئة الصامدة، بينما تقف تلك الجموع لمتابعة مسلسل مواسم الحصاد الدامي من خلال ممارسة رذيلة الصمت.. فهل أُصبنا بالبلادة والخرس وكأننا أمام مشهد سنيمائي مثير! ولسنا أمام مشاهد قتل ودمار وانتهاك للإنسانية تحترق معها القلوب..؟!.
تعيدنا الأحداث الدامية والغطرسة الصهيونية في حق شعب فلسطين المحتلة لمقولة عابرة تفوه بها الجزار الصهيوني نتانياهو في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي في مايو 2011، وهي أن مشاكل اللاجئين الفلسطينيين ستحل حتماً خارج حدود إسرائيل بشكل أو بأخر! لم تكن تلك مقولة عفوية مجردة، لكن ظني أن وراءها هدف خسيس وهو تصدير أزمات الشعب الفلسطيني واللاجئين المتصاعدة إلى خارج حدود دولة الاحتلال، وتوزيعها على دول الجوار بمنظور اعادة احتلال الأرض.. إسرائيل دولة احتلال مجرمة، لا تؤمن بالحدود الهادئة، ومفهوم الأمن لديها لا يحققه سلام أو معاهدات، لهذا تجدها تتعمد اشعال فتيل الأزمات على كافة المناطق الحدودية بشكل ممنهج حسب مقتضيات الأمور مع دول الجوار..!.
المشهد مؤسف ودامٍ ويشوبه العار في ظل الصمت العربي المعتاد، لكنه تصوير حي لسيناريو صهيو- أمريكي من الدرجة الأولى، لذا وجب علينا تفنيده بشيء من الهدوء والحكمة والصبر، حتى نفوت الفرصة على المزايدين وأصحاب المصالح المستفيدين، وأيضاً ليتسنى لنا الثأر لدماء الضحايا الأبرياء من العدو الصهيوني الغاشم على جرائمه الخسيسة في حق البشرية..! في غمرة الأحداث، تحديداً الأسبوع الماضي تعالت أصوات لمطالبة مصر بالتدخل المباشر لوقف الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على غزة والقطاع.. وللعجب جاء الصوت من الدوحة خليلة قوى الاحتلال الغاشم، ليقول بأن أهل فلسطين ينتظرون نخوة الجيش المصري لنصرتهم..! ألا يعلم القاصي والداني أن هذه المطالبة هي حق يراد به باطل؟ أليس غريباً أن يأتي هذا التصريح على لسان القيادي بحماس فرع الدوحة السيد/ خالد مشعل، وهو للعجب أيضاً الوحيد من أبناء حماس الذي قتلته إسرائيل بالسم ثم أحيته مرة أخرى في سبتمبر 1997، هل يمكن القول إذاً أن إسرائيل تحيي من يهمها أمره، وفي المقابل تميت شعب بأكمله..!؟ شتان الفارق بين حماس شهيد المقاومة الشيخ/ أحمد ياسين الذي استهدفته الصواريخ الإسرائيلية على كرسيه المتحرك وحولته وغيره من المناضلين لأشلاء يصعب تجميعها، وبين حماس فقهاء الصفقات ممن يتحدثون من الغرف الفارهة ويقبضون الثمن خارج الأرض المحتلة..!.
السنوات القليلة الماضية أظهرت حرص الإدارة الأمريكية ودول الغرب الاستعماري بلا استثناء على تهيئة دول منطقة الشرق الأوسط بالكامل (عدا دولة الاحتلال الصهيوني بالطبع) لإفراد مساحات من أراضيها لتصبح مناطق لجوء سياسي للنازحين عن أوطانهم جراء الحروب التي تشتعل الواحدة تلو الأخرى.. ومن العراق وسوريا ولبنان والأردن واليمن والسودان وليبيا بدأت مواسم الحصاد الدامي، والتي راح ضحيتها الألاف من الأبرياء في مقابل بخس.. بين تخاذل حكام، وتواطؤ أنظمة، وخيانة فصائل، ودموية عصابات الشر الإرهابية، وجد حلم الغرب الاستعماري ضالته المنشودة في اعادة السيطرة على المنطقة وإعادة صياغتها بالشكل الذي يسهل له التحكم في الأمور والمصالح بها عن بعد.. إن توظيف تحركات جماعات الشر وتحريكها بحسابات دقيقة متزامنة، يؤكد بما لا يدع مجال للشك بأن الأمور تسير تبعاً لمخطط التقسيم، وتقطيع أوصال دول المنطقة الكبرى بتحفيز الأقليات العرقية فيها على الانفصال، فيتم تحويلها لدويلات أثنية مبعثرة ومتناحرة..!.
دولة الاحتلال لا يعنيها تصفية حماس أو فتح أو غيرهم بالكامل، فطالما استمرت صراعاتهم الداخلية واقتتالهم فهذا يخدم أمنها واستراتيجيتها، ولا مانع من توجيه ضربات تأديبية من حين لأخر لإرهاب المقاومة الحقيقية التي تؤرق الصهاينة لأنها لا تموت، ولأنها كيان احتلال دموي وعنصري، فهي تعني فقط بالقتل واغتصاب ما ليس لها من أرض، وهذا ما يتضح مما ارتكبته من مذابح ومجازر لن يغفرها التاريخ، ولهذا أظن أن التصعيد الأخير قد جاء لعدة أسباب.. فعلى سبيل المثال، هي تريد الانتقام الوحشي لمقتل مستوطنيها الثلاثة حفظاً لماء الوجه أمام رعاياها، وأيضاً تريد الكشف عن قدرات حماس التسليحية الحقيقية، خصوصاً بعد انهيار تحالفها مع نظام الإخوان المسلمين الذي توسمت فيه إسرائيل الآمل في استيعاب قطاع غزة وتحريك جزء من مشكلاته تجاه شمال سيناء، لكنه حلم تم اجهاضه على يد القيادة المصرية الحالية بحرفية واقتدار.. وربما تريد أيضاً بالتنسيق مع أبناء العم سام جس نبض القيادة المصرية الحالية وقدراتها على التصرف بحكمة ازاء هذه الحزمة من الممارسات الدموية.. إذاً ليس من الغريب أن تعمل بعض الجهات الضالعة في المأزق وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الصهيوني على محاولة توريط القيادة المصرية في اتخاذ اجراءات متسرعة وغير محسوبة قد تأتي تجاهها بنتائج عكسية وخسائر من نوع قد يحدث هزة في ثباتها المدهش أمام المكائد والمخططات المدبرة بعناية..!.
الأبرياء من سكان غزة والقطاع هم فقط من يدفعون من دمائهم ثمن هذا المشهد المؤسف..! فإسرائيل تريد الأرض بالكامل، وتريد ضمان التفوق الاستراتيجي على كافة الدول المحيطة أملاً في تحقيق دولة الحلم الصهيوني من النيل للفرات، وأمريكا تريد ضمان السيطرة وحماية مصالحها في الشرق الأوسط مركز التحكم في العالم وتجارته لإيقاف المد الأسيوي (الصين) الذي اقترب بشدة من المنافسة في المنطقة، والفلسطينيين يريدون دولة وحدود، ربما لا للعيش بها، ولكن لإثبات انهم شعب يستطيع العودة لمكان ما، لهذا دائماً ما تذوب أحلامهم على صخور الانقسام بين الفصائل هناك.. وحماس تريد المال والسلاح وربما أرض كافية لبناء مقابر للشهداء.
وفي مصر مع الأسف مازال هناك من يزايد على دولته وقواته المسلحة، ويأبى إلا وأن يستمر في المتاجرة بالدماء ومشاهد القتل وجثامين الضحايا..! وفي مقابل هؤلاء نجد فئة أخرى أكثر تطرفاً يتنكرون للدماء البريئة، والضحايا الذين يسقطون بالعشرات على مدار الساعة، وتجدهم يغالون ويوصّفون المشهد بصورة انتقامية بشعة لا تعبر بأي حال عن روح الوطنية المصرية، أو التزاماتها الدائمة تجاه الأشقاء.!.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: