لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

''القاتل الصامت'' يخلّد نضال ''الباسم'' النبيل.. (بروفايل)

02:49 م الأربعاء 30 أبريل 2014

باسم صبري

كتب- محمد الشرنوبي:

صوت ارتطام مكتوم في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأربعاء يوقظ سائق سيارة من غفوته، بينما كان ينتظر أمام عمارة تحت الإنشاء بشارع عبد الحميد لطفي المتفرع من شارع البطل أحمد عبد العزيز بالمهندسين. يحرّك بصره هنا وهناك، مستشعرا ثقلا مفاجئا يجثم على صدره ويكاد يخدّر جوارحه.

ينهار منتحبا على أطراف حافة بركة الدماء التي صنعت طوقا أرجوانيا حول الجسد الشاب ما يزال. لم يتخيل أن يعود إليه سيده، والأدق صديقه، فهو لم يشعر اليوم أنه يعمل كسائق لديه، بل أنه واحد من أفراد أسرته، لم يتخيل أن يعود إليه جثّة هامدة.

يسارع السائق إلى إبلاغ الشرطة، تهرع سيارات الإسعاف إلى المكان، وتفرض كردونا أمنيا مشدّدا حول العمارة. تنتقل قيادات أمنية رفيعة إلى موقع الحادث مجتهدين في الكشف عن غموض الحادث.

يصل الخبر إلى مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، فيجافي النوم العيون الساهرة، ويتحول تويتر إلى مأتم كبير يغرّد بحزن على الفقيد الشابّ.

يخرج الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور الشرفي ونائب رئيس الجمهورية السابق، عن صمته بعد فترة عزلة واختفاء طويل عن تويتر ليغرّد: ''أسأل كل شباب الثورة الدعاء بالرحمة والمغفرة لرفيق درب وإنسان نبيل فقدناه ونحن في أمس الحاجة إليه، وداعا يا باسم صبري''، وتسارع جماعة الإخوان المسلمين وسط آلامها وأوجاعها عزاءها في باسم صبري، باللغة الإنجليزية، عبر حسابها على تويتر، معتبرة إياه ''إنسان استثنائي.. وصوت العقل والوطنية فُقد''، ويتفق معهما بعد تباعد طويل، نادر بكار، مساعد رئيس حزب النور لشؤون الإعلام: ''حبيبي باسم صبري أسأل الله أن يغفر لك ويرحمك ويسكنك فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما عرفته إلا دمث الخلق محبا لوطنه''.

يستبق أحد القيادات الأمنية السيناريوهات المتوقعة والتكهنات والاجتهادات ويحاول أن يقطع الطريق على أي شبهة جنائية للحادث، خاصة وأن الفقيد يجمع صفات عدّة كفيلة بصناعة قصة ساخنة في توقيت ساخن وحسّاس، وعن صفاته وتاريخه حدّث ولا حرج، ''مدون وناشط سياسي، عضو لجنة الاتصال السياسي بحملة المرشح الرئاسي حمدين صباحي، وعضو حزب الدستور، نجل الكاتب والمنتج السينمائي فاروق صبري، صاحب شركة ''الأخوة المتحدين'' للسينما، وشقيق المنتج السينمائي وليد صبري''، يصرّح لوسائل الإعلام التي هرعت إلى مكان الحادث ''أن المتوفى توجه بصحبة سائقه إلى عقار تحت الإنشاء يمتلك به شقة، وصعد بمفرده لإلقاء نظرة عليها، إلا أن سائقه الذى كان ينتظره فوجئ بسقوطه فأبلغ رجال الأمن ورجال الشرطة، وأسفرت معاينة الشقة عن عدم العثور على أي دلائل أو متعلقات خاصة به، وأنها خالية من أي أثاث، وباستدعاء أسرته لم يتهموا أحدا بالوقوف وراء الواقعة جنائيا''.

تسارع الشرطة إلى جمع المعلومات واستبيان أسباب الحادث، فقد تواترت الأنباء إلى مواقع التواصل الاجتماعي. الكل يشدّد على سرعة الكشف عن أسباب الحادث، فقد وصل الأمر إلى مشاركة الجميع آخر ما تمناه باسم صبري ''أريد بلدا يشعر فيه كل إنسان بأن لديه فرصة حقيقية في حياة كريمة''.

يصل الأمن إلى حقيقة مريحة لكل الأطراف، وإن كانت تحمل صدمة شديدة، تستدعي أسئلة وجودية وتأملية، من قبيل ما عبّرت عنه سلمى صباحي ''''في الفترة الأخيرة بكتشف ناس جميلة.. بس بعد ما يكونوا سابو الدنيا! ياريت نعرف قيمة الناس وهما لسه وسطينا!''، بل عبّر عنه باسم صبري نفسه في العام الماضي على صفحته الشخصية بموقع تويتر ''هي ليه كل الناس الحلوة بتموت في البلد دي''.

دفتر عزاء باسم صبري على تويتر يكشف عن إنسان نادر، اجتمع القاصي والداني على جميل صفاته وعظيم أخلاقه واستثنائيته، ربما لأنه كان ''دمث الخلق محبا لوطنه، نبيلا''، هكذا يعبّر أصدقاؤه، وربما يكون من عرفه من مقالاته فقط محقا أيضا ''إزاى موت واحد ماعرفوش شخصياً يؤثر فيا للدرجة دى؟'' و''جايز عشان كتاباته دايماً فيها جديد، عشان هادئ وثابت على قيم بلا تقديس لأشخاص بعينهم، عشان صغير فى السن وهيختفى من التايم لاين بلا مقدمات؟!''.

ربما سبقت صحيفة الجارديان البريطانية صحفا ووسائل إعلام مصرية في تعريفها ونعيها بالفقيد باسم صبري، فقد نشرت تقريرا لمراسها في القاهرة باتريك كنجسلي عن حادث وفاة الكاتب الصحفي والناشط السياسي باسم صبري، ووصفته بأنه واحد من أصوات ثورة 25 يناير لكنه رحل في حادث وعمره لم يتجاوز 31 عاما.

وقالت الصحيفة إن باسم كان كاتبا صحفيا ومحللا سياسيا ارتفع صوته خلال الربيع العربي، وحقق شهرة واسعة النطاق بتحليلاته السياسية في العديد من المنابر الإعلامية المحلية والعالمية بما فيهم al-monitor ,Huffington الأجنبيتين .

وأضافت الجارديان أن باسم صبري كان لفترة ناشطا بحزب الدستور الليبرالي بقيادة د.محمد البرادعي الذي وصقته الجارديان باحد رمومز ثورة 25 يناير البارزين الموجود في المنفى حاليا.

تحدثت الصحيفة عن تعليقاته ولمحاته الشخصية في البيئة السياسية شديدة الاستقطاب، ففاز باسم صبري باحترام مختلف الوان الطيف السياسي لمبادئة ونزاهته وتحليلاته الثاقبة.

ونقلت الصحيفة عن أصدقاء باسم الذي قالوا إن مصر في حاجة ماسة إلى الأصوات مثل باسم صبري الرافضة للاستقطاب المدمر والكراهية المتبادلة وهو ما كان يعمل عليه باسم بدون كلل أوممل بمبادئ سامية واعتقادة أن مصر ستكون أفضل لو كانت لكل المصريين.

حملة المرشح الرئاسي حمدين صباحي، رغم انشغالها في معركة الانتخابات الرئاسية، نعت ببالغ الحزن والأسى الفقيد، ''إن باسم صبري، فقد حياته القصيرة لكنه خلد اسمه في سجل المناضلين من أجل مستقبل أفضل، ندعو الله أن يتغمد الفقيد الشاب بواسع رحمته جزاء نضاله الذي لم ينقطع لصالح أهل وطنه، هذا النضال الذي استمر حتى قبل وفاته بساعات قليلة''.

قتله القاتل الصامت، مرض السكري، قتله في ريعان شبابه، ليترك لنا ميراثا من الطيبة والنبل والخلق والرغبة في التعايش، قتله ربما لنبحث جديّا عن قتلتنا الصامتين، أو حتى الصارخين.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان