قصة تحرير سيناء.. ''حرب'' و''سلام'' و''وثيقتين''
كتبت - منى قطيم:
نكسة فاستنزاف فحرب، فاتفاقية.. مروراً بمفاوضات ووصولاً لليوم الذي أعُلن فيه عن تحرير سيناء وخروج أخر جندي من أراضيها، لتكلل جهود رئيسين رحلا قبل أن يتم التحرير الكامل لأرض بلادهم ويعلن رئيس ثالث عن تحريرها كاملة.. إنها الذكرى الخالدة، الذكرى الـ 31 على تحرير سيناء والتي تمت في 25 أبريل عام 1982.
فصول طويلة سبقت ذلك اليوم بسنوات، فالفصل الأول هو نكسة 1967 كما يطُلق عليها حتى الآن، فهي أقسى الفصول فلقد غُدر بجيش وكُسر شعب بأكمله، ليحاول الجميع لملمة ما تبقى من بقايا عزيمة وحماس كانت قد ضختها ثورة يوليو في العروق، وسقاها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لأمة كادت أن تنُسى، فيبدأ الجيش في بناء نفسه من جديد بعد هزيمته في معركة لم يدخلها من الإساس، ليبدآ الفصل الثاني بمعارك الاستنزاف التي كانت تمهيد لمعركة أكبر يستعيد بها المصريين أرضهم المغتصبة.
وفي ظل تلك المعارك التي أعادت بعض من الثقة في نفوس الجميع، أسترد الله وديعته ورحل عبد الناصر، وفي الجنازة وصلت رسالة شفهية للقيادة الجديدة بالقاهرة يحملها رئيس وزراء رومانيا، كانت رسالة موجزة مفادها أن ''إسرائيل مستعدة وراغبة لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع مصر''.
تولى الرئيس الجديد للبلاد أمور الحكم، وعلى كاهله حمل ثقيل فالبلد محتل جزء من أراضيها، كما لم يكن يخفى عن أحد في ذلك الوقت أن الرئيس محمد السادات وضع في مقارنة مع الرئيس عبدالناصر.
وبدأ السادات في التعامل مع الرسالة الإسرائيلية بجدية كبيرة، محاولاً أن يبدأ عهده باسترداد أرضه بشكل سلمي، لتجري عدة لقاءات سرية بين ممثل عن السادات ووزير الخارجية الأمريكي ''كسينجر''-''الجزيرة وثائقي''-.
لم يحدث جديد، وبدأ السادات يشعر بمماطلة غير مبررة من جانب أمريكا، فقرر السادات أن يحرك المياه الراكدة، وينهي تلك الحالة التي لا معنى لها فمصر في حالة لا حرب ولا سلم، وهناك ضغوط شعبية كبيرة لاسترداد أرضنا وتحريرها.
وبالفعل بدأ الفصل الثالث وهو حرب 6 أكتوبر 1973، استطاع الجيش المصري العبور وإفزاع القيادة في تلك أبيب، بعد ثمانية أيام من العبور كان السادات يقف ببدلته العسكرية امام مجلسي الشعب والشورى، ووسط تصفيق من الجميع ألقى ''خطاب النصر'' مؤكداً فيها على استعداده لقبول وقف إطلاق النار على أساس انسحاب القوات الاسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فورًا وتحت إشراف دولي إلى خطوط ما قبل 5 يونيو 1967، وأنه على استعداد فور اتمام الانسحاب من كل هذه الأراضي التحضير لمؤتمر سلام دولي يقنع به القادة العرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو.
وعلى الرغم من أن هذا كان بمثابة الطلب الرسمي للسلام، إلا أن تقارير وثائقية تحدثت عن تلك الطلب الغير رسمي، وعن تلك المفاوضات السرية التي كان تتم بعيدا عن الأضواء، والتي تمثلت في تلك البرقية السرية التي بعثت بها القاهرة إلى وزير خارجية أمريكا ومستشار أمنها القومي ''كسينجر'' بعد يوم واحد من العبور، والتي أبدى فيها السادات عن استعداده لوقف إطلاق النار والتوصل إلى سلام مع إسرائيل، بشرط انسحاب إسرائيل من سيناء، و حصلت القاهرة في اليوم التالي على الموافقة.
على الرغم من تلك الموافقة للقيام بدور الوسيط من جانب أمريكا، إلا أن دور الحليف لإسرائيل كان مستمر، وأمهلتها الوقت التي استطاعات من خلاله إعادة ترتيب أوراقها، لتقوم بمساعدة أمريكا العسكرية، أن تحاصر الجيش الثالث الميداني المصري لتدخل إسرائيل المفاوضات بعد ذلك وهي في موقف قوة.
الفصل الرابع.. بدأ بخطوة التفاوض الذي انطلق بمفاوضات الكيلو 101، ثم مؤتمر جنيف، ليبلغ كسينجر السادات بعد فترة أن إسرائيل لن تنسحب موضع خطوة أخرى إلا بعد اتفاق سلام كامل، وجاء عام 1977 أي بعد حوالي 4 سنوات على العبور، ليقوم السادات بتحويل طلب بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي للقاء سري، لزيارة علنية أمام العالم أجمع لإسرائيل، ليعود السادات منها بلا تحقيق للمكاسب المرجوة.
ووصل قطار المفاوضات للمحطة الأهم بدعوة رسمية من الرئيس الأمريكي كارتر للجانبين المصري والإسرائيلي لبدء مفاوضات ثنائية بمنتجع ''كامب ديفيد''، وعلى الرغم من حالات الشد والجذب والضغط التي وصلت لإعلان السادات انسحابه من المفاوضات، ثم عودته واستقالة وزير الخارجية المصري آنذاك رفضاُ لمشروع الاتفاقية التي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه بعد حوالي 13 يوم تم الإعلان عن انتهاء المفاوضات، وتم التوقيع على اتفاقية السلام ''كامب ديفيد'' من الطرفين في 17 سبتمبر1977.
وانقسمت الاتفاقية إلى وثيقتين.. الأولى تضع إطار عام غير محدد للسلام في الشرق الأوسط تضمن إجراء مفاوضات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية وغزة حول الحكم الذاتي، أما الوثيقة الثانية وضعت إطار عام لانسحاب القوات الاسرائيلية من سيناء على مراحل، على أن يسبق ذلك إجراء مفاوضات بين مصر واسرائيل للوصول لمعاهدة سلام دائم بينهم.
فيديو قد يعجبك: