صور- أبورديس.. مدينة البترول والفقر
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
-
عرض 6 صورة
كتب- محمد منصور:
الهجير والرمال هما أول ما يمكنك رؤيته وإحساسه حالما تطأ قدماك المدينة التي تبعد عن قاهرة المُعز بما يقرب من 400 كيلومتر، تستقبلك فى أول الطريق إلى المدينة منصات عملاقة داخل البحر الأحمر تعلوها أبراج ترتفع منها ألسنة اللهب لتعانق عنان السماء، المنصات تابعة لأحدى أكبر شركات البترول المصرية والتي تقوم باستخراج ما يقرب من ثلث إنتاج مصر من الذهب الأسود من تلك المدينة المنسية.
على خليج السويس، تقع مدينة أبورديس التي تبلغ مساحتها حوالى 2400 كيلومتر مربع، بعدد سكانها الذى يتجاوز الـ15 ألفاً بقليل، تخبرنا المدينة بحجم المأساة التي يعيشها أهالي سيناء، فرغم وفرة موارد المدينة من البترول والثروات المعدنية إلا أن حال أهلها يعكس مدى إهمال الدولة لهم، والذى يتمثل، حسب قولهم، فى التهميش والإقصاء ونقص الخدمات والدعم الحكومي.
البترول وأبورديس
''حالنا لا يختلف عن حال باقي أبناء سيناء''، بهذه العبارة يبدأ إبراهيم محمود بركات حكايته، فالرجل البالغ من العمر 31 عاما لا يستطيع العمل داخل مسقط رأسه، فكونه ''بدوي'' يجعل احتمالية قبوله في الوظائف العامة والحكومية محدود جداً ''بيتعاملوا معانا على أننا خونة أو تجار سلاح ومخدرات'' يقول الشاب المتزوج والذى يعول طفلين.
بعد ثورة يناير، قام مجموعة من أهالي مدينة أبورديس بقطع الطريق أمام شركة ''بترول بلاعيم'' لإجبار الشركة على توظيف أبناء المدينة، فحسب إبراهيم، كانت نسبة العاملين في الشركة قبل الثورة لا تتعدى خمسة في المئة ''بيجيبوا ناس تشتغل من بره، مع أن البترول في أرضنا وأحنا مش لاقيين نأكل''.
بعد عدة أيام من قطع الطريق، استجابت ''الكوبانية'' لمطالب الأهالي وقامت بالتعاقد مع مايقرب من 100 ''بدوي'' للعمل مع الشركة ''بس في وظائف متدنية، عتالة وسواقة وحراسة''، ويؤكد الرجل العشريني أن الشركة فيما بعد تعنتت في تعيين ما تبقى من البدو ''مع أنهم لو عينوا كل سنة 10 أشخاص كان زمان أبورديس كلها شغالة في البترول''.
في العام 1961، اكتشف أول بئر بترول بحري مصري في مدينة ''أبورديس''، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، تعمل شركات البترول على قدم وساق في تلك المدينة، وبحسب أحد مهندسي شركة بترول بلاعيم، فإن الشركة قامت باستخراج ما يقرب من 2 مليار برميل بترول من تلك المنطقة، وهو ما يعادل 40 في المئة من الإنتاج المصري الذى وصل إلى 4.7 مليار برميل، ويؤكد المهندس، أن العديد من أبناء المنطقة تم تعينهم في الشركة ''بس للأسف مفيش حد فيهم مؤهل للعمل في الشركة، وعشان كده بنشغلهم في الوظائف اللي مش محتاجة مهارة كبيرة''.
جمال حمدان، شاب سيناوى ولد في مدينة البترول، يؤكد أن أهالي مدينته لم يعينوا سوى ''بقطع الطريق'' رغم توافر العديد من الفرص في شركات البترول العاملة بالمنطقة ''بس كلها لولاد الوادي''، يشرح ''حمدان'' شعور شباب أبورديس ''لما يجي واحد غريب يتعين في الشركة ويقبض مرتب كويس ويركب طياره رايح جاي وأحنا مش لاقيين حتى توك توك''.
يطرح الشاب العشريني العديد من المبادرات لحل مشكلة البطالة في مدينة الذهب الأسود، منها تعيين نسبة لأهل المدينة في الوظائف، وإلزام الشركات العاملة بتعيين أبناء سيناء عن طريق ''قرار جمهوري''؛ ففي بورسعيد، وبحسب ''حمدان'' ألزم المحافظ شركة البترول بنسبة عمالة من ابناء المحافظة، ''المحافظ قالهم نص العمالة تبقى بورسعيدية، والشركة استجابت، لية ميطبقوش ده هنا''.
ويطالب الشاب الإعلام بالاهتمام بقضيتهم وعدم تشويههم، فالصورة الذهنية المحفورة في عقول أبناء المحروسة تتمثل في أن ''كل الناس في الوادي فاكريين أن أحنا بتوع مخدرات وسلاح وقطع طريق وإرهابيين، المفروض ده يتغير ويبدأ الإعلام يتكلم عننا بصورة كويسة''.
سبب البطالة
''الكوسة'' هي الأمر الذى يفسر به ''محمد عليان'' سبب البطالة في ''أبورديس''، فالمدينة تعتمد في الأساس على استخراج البترول عكس مدن جنوب سيناء الأخرى والتي تعتمد بشكل أساسي على السياحة ''بس شركات البترول بتعين أبناء العاملين والورثة والمعارف والمحاسيب''.
ويؤكد عليان أن شركة البترول الأكبر في مصر يسيطر عليها ''الناس الكبيرة'' ولا وجود لبدو سيناء سوى بنسب صغيرة لا تتجاوز النصف في المئة.
الثورة لم تصل أبورديس بعد، فإبان حكم الرئيس الأسبق مبارك، تعرض أبناء المدينة للعنف والتفرقة والسجن، واستمرت المعاناة في فترة ما بعد الثورة سواء تحت حكم المجلس العسكري أو الرئيس السابق محمد مرسى، حسب إبراهيم محمود الذي يقول: ''هنا كله زي بعضه، الظلم مستمر وخصوصاُ أن أحنا مش نشطاء ولا فينا حد مشهور، مستنيين العدالة من ربنا''.
صعوبة العيش في المدينة وانعدام سبل الراحة والخدمات لم يشفع لأهالي ''أبورديس'' عند المسئولين؛ فنسبة البطالة تتجاوز 80 في المئة ومعدلات الزواج في تناقص مستمر بسبب انعدام فرص العمل رغم الموارد الهائلة للمدينة من بترول ومعادن ورخام، حسب ''حمدان''، الذي يقول ''أحنا هنا عايشين في الذل والقرف والتعب، أرضنا غنية لكن أحنا بنورث الفقر، محتاجين حل قبل ما ننفجر ونعمل ثورة جديدة''.
المياه وأبورديس
قبل عدة أشهر، وبحسب الأهالي، أعلنت القوات المسلحة عن بناء محطة تحلية مياه البحر على بعد عدة كيلومترات من مدينة ''أبورديس'' لتغذية المدينة بالمياه العذبة، اعترض ''البدو'' إلا أن ''الجيش'' أبلغهم أن الهدف من المحطة ''توفير المياه للزراعة وليس للشرب'' وأكد لهم أنه فور الانتهاء من المحطة ''هنملك كل شاب 5 فدادين عشان يزرعهم بمياه التحلية''، وبعد إتمام الانشاءات، فوجئ الأهالي بسريان المياه المحلاة إلى منازلهم الأمر الذى أثار حفيظتهم وغضبهم.
حسن نصار، من قبيلة الصوالحة، أحد قبائل جنوب سيناء السبع، يؤكد أن مياه محطة التحلية غير صالحة للشرب؛ فصرف شركات البترول في خليج السويس ''سمم البحر'' و''مواسير المحطة'' التي تسحب المياه لتحليتها تقع بجانب ''مكب نفايات سامة''، حسب قوله.
قبل إنشاء محطة التحلية، كان المياه تصل ''أبورديس'' عن طريق خط يمتد من السويس وحتى شرم الشيخ، إلا أن ضعف الضخ أجبر الحكومة على بناء محطة التحلية في منطقة أبورديس لتوفير مياه خط السويس للمناطق السياحية، حسب عبد الله المولود، أحد أبناء المدينة، والذى يرى أن الجيش ''عايز يخلص علينا بالميه المسمومة الملوثة''.
في شهر نوفمبر الماضي، قام اللواء أسامة عسكر قائد الجيش الثالث الميداني بافتتاح محطة تحلية مياه البحر، وأكد وقتها المهندس محمد عبد اللطيف رئيس قطاع المياه والصرف الصحي بجنوب سيناء أن المياه ''سليمة تماماً'' و ''صالحة للشرب''.
وتوجه وفد من القبائل إلى قائد الجيش الثالث الميداني للشكوى، فأخبرهم أن المياه ''نظيفة وزى الفل'' على حد تعبير حسن نصار، الذى يؤكد أن عدد من الأهالي قاموا بتحليل المياه في أحد المعامل التابعة لوزارة الصحة بمدينة السويس وجاءت النتيجة عدم صلاحية المياه للشرب.
''عشرة واحد''، هي أسم المنطقة الموجود بها محطة تحلية مياه البحر، وعلى بعد عدة أمتار منها، توجد ماسورة كبيرة لصرف مخلفات البترول في البحر، حسب عبدالله، الذى يقول ''فيه عربيات نقل بتيجى يومين في الأسبوع تفضى حمولة من المخلفات جنب المحطة، السمك بيموت في البحر يبقى أحنا مش هنموت من المياه''.
عبثاً حاول الأهالي إقناع قائد الجيش الثالث الميداني بضرورة غلق المحطة، إلا أن الجواب كان ''أنا ولادي بيشربوا منها''، على حد تعبير الحج حسن الذى يقول متهكماً ''عايز يفهمنا أن ولاده بيشربوا من ميه التحلية، فاكرنا مجانين''، بعد فشلهم في إقناع المسئولين، قرر الأهالي قطع الطريق لسحب المحطة ''بس الجيش جه لمنا وفتح المحطة غصب عننا''.
7000 طن مياه تصل أبورديس يومياً من خط السويس، توزع على ثلاث حصص، 2000 طن لشركة بترول بلاعيم و1500 طن للمزارع و3000 طن للأهالي ''مش عارف بيدوا ميه عذبة لبلاعيم ليه، مايدوهم ميه التحلية، هما بيغسلوا هدومهم إنما أحنا محتاجين نشرب''.
ويؤكد حسن الصوالحي أن السبب الرئيسي لبناء محطة تحلية مياه البحر داخل مدينتهم هو إمداد الفنادق الموجودة بمنطقة الطور وشرم الشيخ بمياه النيل العذبة ''عشان السياح يهيصوا وطز في المصريين، ماهي الفنادق بتاعة ناس تقيله في الحكومة، بس هما كده هيقضوا علينا''.
ما تم إثارته في وسائل الإعلام حول رضا أهالى أبورديس بوجود المحطة واستعدادهم للشرب منها ''مجرد شو'' على حد قول عبد الله، الذى يؤكد أن جميع القبائل ترفض وجود تلك المحطة ''لما حطينا الميه فى زجاجة رسبت بلاك أسود، أزاي هنوافق على حاجة هتقتل ولادنا''.
مستشفى بلا أطباء
مبنى من أربعة طوابق، يقف منتصباً بجانب مجلس مدينة ''أبورديس''، تُعلن لافتته عن مهيته، فهي ''مستشفى أبورديس المركزي'' والذى تكلف ما يقرب من 100 مليون جنيه وتم افتتاحه في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بوابته الرئيسية ''مغلقة'' يعلوها أطنان من التراب الناتج عن عدم تحرك الباب لفترة طويلة.
عبر باب صغير جانبي، يدخل المرضى إلى قاعة الاستقبال الرئيسية الخالية على عروشها، يمكنك ملاحظة ''الرفاهية'' وقطع الرخام المتراصة في شكل بديع، إلا أن خواء المستشفى جردها من فحواها، فعلى الرغم من تجهيزات المستشفى عالية التقنية، إلا أن ''الأطباء غائبون''.
''هنا مفيش غير اتنين دكاترة امتياز''، يقول عبد الرحيم محمود، أحد المقيمين في مدينة ''أبورديس'' والذى يعمل في قطاع الكهرباء بالمدينة النائية منذ أكثر من 15 عاما، يؤكد عبد الرحيم أن المستشفى مجهز بأفضل الوسائل الطبية، إلا أن غياب الأطباء جعل تلك الوسائل بلا جدوى.
''الست عشان تولد بتروح الطور''، يقول الحج حسين، أحد الأهالي، مشيراً إلى أن المستشفى لا يوجد به أطباء نساء وتوليد أو جراحة أو مخ وأعصاب ''فيه ستات كتير ماتت في الطريق، المسافة من هنا للطور 100 كيلو، مين يقول أن يبقى عندنا مستشفى ويكون فيه نقص فى الدكاتره''.
في الطابق الثاني، يقع معمل التحاليل الطبية، وبحسب أمين المعمل، فإن عزوف الأطباء عن المجئ لمدينة ''أبورديس'' سببه ''قلة المرتبات وصعوبة العيش في المدينة''، مؤكداً أن معظم الأطباء الذين يعملون فى المستشفى جاءوا بـ''التكليف'' وحال انتهاء فترهم ''يذهبون بدون رجعة إلى محافظاتهم الأصلية''، رغم وجود أجهزة حديثة في المعمل إلا أن معظمها ينقصه الخامات الرئيسية ''عندي هنا جهاز تمنه 75 ألف جنيه وواقف على محاليل بـ200 جنيه، خاطبنا مديرية الصحة وقالوا لنا مفيش ميزانية، المستشفى هنا خرابة، والأهالي بيروحوا الطور عشان يتعالجوا''.
''هُما هُما قزازتين الدوا''، يقول عبد الرحيم، مؤكداً أنه في حالة وجود طبيب في المستشفى يوقع الكشف على المريض، يتم صرف علاج مكون من زجاجتين دواء وشريط حبوب لا يتم تغيرهم تبعاً لحالة المريض ''اللي عنده سرطان زي اللي عنده صداع، الأثنين بياخدوا نفس العلاج، دي مهزلة''.
''مفيش مواصلات داخل المدينة.. لا حكومي ولا خاص''، يقول حسن الصوالحي، مؤكداً أن ما يربط مدينته بالعالم الخارجي هو ''أتوبيس شرق الدلتا بتاع الساعة 4''، فرغم أن المدينة مترامية الأطراف إلا أن وسائل المواصلات داخلها منعدمة ''الحكومة بتقولنا اعتمدوا على نفسكم في كل حاجه، مفيش مواصلات، مفيش صرف، مفيش حد بيشيل الزبالة، أحنا هنا في بلد المفيش'' يقول ''حسن'' متحسرا.
ويؤكد حسن أن برامج تنمية سيناء غير ذات جدوى ''ده أبورديس الغنية بالثروات مش عارفين ينموها، فما بالك بباقي سيناء'' مشيراً إلى أن المسئولين ''بييجوا يتكلموا وبعدين يمشوا''، مستطرداً ''أحنا مش محتاجين حكومة.. أحنا محتاجين معجزة من عند ربنا''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة..للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: