لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الدفرسوار.. من هنا بدأت التنازلات

06:17 م الأربعاء 16 أكتوبر 2013

تقرير - محمد أبو ليلة:

من هنا عبر شارون وجنوده..


في الساعات الأولى من صباح يوم 16 من أكتوبر عام 1973، عبر لواءان من الجيش الإسرائيلي بقيادة (الجنرال إيريل شارون) للضفة الغربية لقناة السويس من منطقة الدفرسوار بالبحيرات المرة، وقد استخدما القوارب المطاطية في العبور، وبدأت تلك القوات مهاجمة كتائب الصواريخ وعدد من مواقع الجيش المصري غرب القناة.. ومن هنا بدأت التنازلات..

حينما تم التخطيط لمعركة أكتوبر، قامت القيادة العامة للقوات المسلحة باستبعاد منطقة الدفرسوار من خريطة العمليات، باعتبارها منطقة رملية متحركة، ولا تستطيع عربات الجيش المصري أن تسير فيها، لكن القيادة العامة نسيت أن كل عربات العدو الإسرائيلي، ودباباته كانت تعتمد على المجنزرات وليس (الكاوتش)، فالمجنزرة ستمر من الدفرسوار بسهولة وهذا ما حدث في الثغرة.

تلك الكلمات قالها لمصراوي عبد المنعم قناوي أحد أبطال منظمة سيناء العربية الذي أستطاع اختراق ثغرة الدفرسوار وجمع معلومات عن العدو.

كيف صارت المعركة؟

بعد مرور 24 ساعة على عبور القوات الإسرائيلية غرب القناة، كانت قيادات الجيش المصري قد اجتمعت بالمركز رقم 10 (مقر قيادة الحرب) في حضور الرئيس الراحل أنور السادات، وكان لرئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سعد الدين الشاذلي وعدد من قيادات الأفرع الرئيسية للجيش رأي في القضاء على قوات العدو التي عبرت غرب القناة.

حيث أقترح الشاذلي سحب الفرقتين المدرعتين 21و4 من شرق القناة، وباستخدام هاتين الفرقتين يتم توجيه ضربة رئيسية للواءين الإسرائيليين غرب القناة، وفي الوقت نفسه يقوم اللواء 116 المتواجد غرب القناة بتوجيه ضربة أخرى للعدو، بينما تقوم الفرقة 21 مدرعة المتواجدة شرق القناة، بتوجيه ضربة لقوات العدو بهدف إغلاق الطريق المؤدي إلى الثغرة.

لكن السادات ثار ثورة عارمة على رئيس الأركان في تلك اللحظة، وهدده قائلا ''لو كررت كلمة سحب قوات من الشرق للغرب تاني هحاكمك''.. هكذا كتبها بالنص الفريق الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر.

ولم يكن السادات وحده هو الذي اعترض على فكرة سحب قوات من الشرق إلى الغرب، بينما اعترض على ذلك أيضا، وزير الحربية وقتها المشير أحمد إسماعيل، مدللا على ذلك في ''مذكراته'' أن سحب أي قوة حتى لو كانت صغيرة سيضعف من الروح المعنوية للجنود المتواجدين في سيناء شرق القناة.

عبد المنعم قناوي أحد أبطال منظمة سيناء العربية والذي دفعته المخابرات الحربية لجمع المعلومات عن الجيش الإسرائيلي في عمق سيناء، استطاع أن يعبر من منطقة الدفرسوار يوم 17 أكتوبر وهو الوحيد الذي تسلل لصفوف القوات الإسرائيلية وراقبها في تلك اللحظة.

حيث يقول لمصراوي ''كنت موجود في سيناء من 14 سبتمبر وحتى 15 أكتوبر 1973، بعدها صدرت لي الأوامر أن انتقل من ممر متلا وحتى منطقة الدفرسوار في البحيرات المرة''.

يتابع ''حينما وصلت للدفرسوار راقبت 3 رؤوس كباري كان العدو قد أنشأهم، وجدت العدو يسحب الأفراد من على الكباري، لأنه لو تم تفجير الكباري هيتم إصلاحها، لكن الجندي الذي سيقتل ليس له بديل، من هنا راقبت الكباري 48 ساعة، ووجدت أثار لقوارب مطاطية كان جزء من قوات العدو عبرت من خلالها لغرب القناة''.

ويضيف ''ثم نجحت أنا والدليل أن نعبر أحد كباري العدو ونخترق ثغرة الدفرسوار، وكان وقتها جزء من القوات الإسرائيلية غرب القناة بين منطقة سرابيون وأبو سلطان بقيادة شارون، جمعنا معلومات عن نوع الأسلحة والأفراد الإسرائيليين وفي هذا الوقت (ربنا أراد أن يعميهم عنا)، ثم أتجهنا نحو صحراء أبو صوير وأوصلنا تلك المعلومات للقيادة المصرية''.

وفي تلك اللحظات قرر السادات ( في معارضة عدد من قيادات الجيش) أن يشترك في هذه المعركة باللواء 116 مشاة (المتواجد غرب القناة) والفرقة 21 مدرعة (بدون سحبها من شرق القناة)، واللواء مدرع 25 المتواجد شرق القناة أيضا، وكانت نتائج هذه المعركة، حسبما يشير كتاب مذكرات حرب أكتوبر للشاذلي، أن اللواء 116 نجح في تدمير عدد من دبابات العدو لكنه حينما اقترب من القناة وقع تحت نيران كثيفة من العدو جعلته يرتد لمكانه مرة أخرى.

بينما اللواء 25 مدرع حينما تحرك لمواجهة الثغرة من الشرق وجه إليه العدو فرقة مدرعة كاملة مكونة من ثلاث ألوية، ونصبوا كمين له، مما نتج عن ذلك تدميره بالكامل.

وبعد هذه المعركة وتحديدا في فجر 18 أكتوبر نجحت إسرائيل في بناء أول كوبري له في الدفرسوار، وأصبح لإسرائيل فرقتين مدرعتين غرب القناة، وفي هذه الأثناء وجهت قيادة الحرب اللواء مدرع 23 (الذي كان يمثل احتياطي استراتيجي للجيش المصري غرب القناة) لمحاربة هاتين الفرقتين، مما أسفر عن تدمير هذا اللواء الاحتياطي بالكامل.

بعدها صارت عدد من المعارك الشرسة بين الجيش المصري والإسرائيلي لكن استمرت القوات الإسرائيلية في احتلال تلك المنطقة غرب القناة، مما جعل السادات يوم 23 من أكتوبر يقبل وقف إطلاق النار بين الجانبين المصري والإسرائيلي مع استمرار وجود قوات إسرائيلية غرب القناة.

وهذا جعل قوات إسرائيل تخترق وقف إطلاق النار يوم 24 أكتوبر وتقتحم مدينة السويس بقصد احتلالها، لكن صمود المقاومة الشعبية وأهالي السويس أجبروهم على التراجع مرة أخرى واكتفى بمحاصرة المدينة 101 يوم انتهت باتفاقية فض الاشتباك الأول والثاني عام 1974، وبعدها اتفاقية كامب ديفيد.

من المسؤول؟

يعلل الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر في مذكراته عن الحرب، أن المتسبب الأول في حدوث ثغرة الدفرسوار هو الرئيس الراحل أنور السادات ووزير الحربية وقتها المشير أحمد اسماعيل.

حيث يرى الشاذلي أن أول أسباب الثغرة هو اتخاذ السادات قرار بتطوير هجوم الجيش المصري نحو منطقة المضايق في شرق القناة، بهدف تخفيف الحمل على الجانب السوري.

هذا الأمر الذي رفضه الشاذلي كما رفضه أيضا اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني واللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميداني، بحجة أن لإسرائيل 8 ألوية أمام قوتنا في سيناء، وإذا تخطت قواتنا 15 كم في عمق سيناء لن تحتاج إسرائيل لقوات إضافية لمحاربة مصر لأنها ستصبح متفوقه على مصر جويا وبريا لأن ليس لدي مصر دفاع جوي متحرك.

يتابع الشاذلي في كتابه ''كان قرار تطوير الهجوم هو أول غلطة ارتكبتها القيادة المصرية، في حرب أكتوبر، كان علينا يوم 14 أكتوبر أن نهاجم 900 دبابة للعدو في المكان الذي يختاره العدو وتحت سيطرة جوية كاملة للعدو، بقوة 400 دبابة مصرية فقط.. هل كان هذا القرار نتيجة الجهل أم المقامرة أم الخيانة؟''.

كما رفض السادات اقتراح الشاذلي بسحب الفرقة 4 مدرعة واللواء مدرع 25 من شرق القناة لغربها يوم 16 أكتوبر، ورفض سحب 4 ألوية مدرعة يوم 20 أكتوبر من الشرق إلى الغرب، مما جعله (السادات) يقبل وقف إطلاق النار يوم 23 أكتوبر ونحن في موقف ضعف، لقد فقدنا المبادرة نهائيا، لو اخذ برأيي أيام 13و15و16 و20 اكتوبر لما كنا في حاجة لوقف إطلاق النار، وكنا دمرنا العدو تماما...هكذا يقول الشاذلي.

بينما يقول مستشار السادات للأمن القومي وقت حرب أكتوبر حافظ إسماعيل ، في كتابه (أمن مصر القومي في عصر التحديات) أن تقييم السادات للموقف بعد قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، هو أن مصر خسرت يوم 14 أكتوبر 220 دبابة.

يتابع: ''كانت هذه المعركة مقدمة للاختراق الإسرائيلي في منطقة الدفرسوار، لقد اختار السادات أن يكون صاحب النصر عندما ننتصر، لكنه رفض أن يكون مسؤول عن تحول المعركة في ثغرة الدفرسوار''.

من جانبه أوضح لمصراوي اللواء متقاعد أحمد الألفي -ملازم أول بالفرقة 16 التي دخلت في معارك مع العدو بمنطقة الدفرسوار-، أن السبب الرئيسي في إختراق إسرائيل لمنطقة الدفرسوار يعود لقيام أجهزة الاستطلاع الأمريكية بمسح المنطقة وإظهار تلك المنطقة للقوات الإسرائيلية والتي كانت تريد إحراز أي تقدم أو هزيمة حتى ولو محدودة على قوات الجيش المصرية، ومن هنا حدثت الثغرة.

لكن عبد المنعم قناوي أحد فدائيو السويس يرى أن المسؤول عن الثغرة هو قيادة الجيش الثاني الميداني والقوات الجوية لأنه على حد قوله فإن الخط الفاصل بين الجيشين الثاني والثالث كان منطقة اسمها ''فايد'' تبعد عن السويس ب 50 كم، وحوالي 33 كم على الاسماعيلية، وهذا يعني أن منطقة الدفرسوار تتبع

الجيش الثاني.

قائلا: السادات كان يبرر الموقف فقط ولم يعترف أنه أخطأ او مسؤول عن الثغرة، كما أن القوات الجوية مسؤولة بشكل كبير لأنها لم تدمر قوات العدو حينما عبرت غرب القناة، وكان قائد القوات الجوية وقتها حسني مبارك، لكن السادات تغاضى عن كل هذا كي يعين مبارك نائب له.

الدفرسوار الأن

أربعون عام مرت على حرب السادس من أكتوبر، لكن ملامح منطقة الدفرسوار تغيرت تماما عما كانت عليه وقت الحرب، مصراوي قام بزيارة تفقدية لمنطقة الدفرسوار في البحيرات المرة.

ذهبنا إلى الإسماعيلية بين (منطقة فايد وأبو سلطان) ركبنا معدية رقم 6، كي تعبر بنا للضفة الشرقية لقناة السويس قيل لنا أن هناك نصب تذكاري عند منطقة تسمى السومكي بالدفرسوار.

وأثناء عبورنا من البحيرات المرة وجدناها قد تم توسعيها وتقسيمها إلى طريقين لعبور السفن المارة في قناة السويس، وأصبحت منطقة الدفرسوار عبارة عن صحراء جرداء، لا يوجد بها شيئ سوى عدة نقاط للجيش الثاني المصري، ((منعونا من التصوير))، باعتبارها منطقة عسكرية متواجدة في محور قناة السويس.

وبسؤال عدد من القليلين الذين وجدناهم صدفة بالقرب من المنطقة، وكان أحدهم رجل ستيني -رفض ذكر اسمه-، قالوا لنا أن القوات الإسرائيلية بعدما عبرت غرب القناة وقت الحرب، أقامت ثلاثة رؤوس كباري للعبور، وبعدما حاصرت الجيش الثالث ومدينة السويس، قامت إسرائيل بإزالة الثلاث كباري وردمت القناة من القاع إلى القمة بالحجارة.

وبعد فض الاشتباك الأول والثاني جاءت هيئة قناة السويس وقامت بتطهير القناة من الحجارة والتراب، حيث أخذوا هذه الحجارة وقاموا بإنشاء هرم مدرج في منطقة الدفرسوار كنصب تذكاري، وبعدها بعامين قرر المسؤولين إزالة هذا النصب التذكاري باعتباره يمثل تكريم لشئ استخدمه العدو لسد القناة وردمها.. هكذا قال الرجل الستيني..

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان