رغم الثورة.. ''الرشوة والسرقة عيني عينك'' في مؤسسات الدولة
كتب - أشرف بيومي:
رفعت ثورة الخامس والعشرون من يناير شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وقامت أيضا لتغيير مفاهيم كانت راسخة في المجتمع المصري مثل الواسطة والمحسوبية والرشاوي، ودعت إلى تعديل هذه الأوضاع الخاطئة ومجابهة تفشي الفساد في مؤسسات الدولة على رأسها المحسوبية والرشاوي لتقديم الخدمات للمواطنين بشكل يشبه انتشار وباء لا علاج له.
لكن في حقيقة الامر تلك الامور لم تنتهي من مجتمعنا فلا زالت موجودة ولكن بمسميات مختلفة وعدم وجود رقابة على هؤلاء الموظفين نمى لديهم جشع في طلب مبالغ مالية لتسهيل بعض الاجراءات التي يراها البعض ضرورية لتسيير امور الحياة.
مصراوي رصد تلك الظاهرة من خلال بعض الوقائع التي حدثت مع مجموعة من المواطنين أمام السجلات المدنية ووحدات المرور وبعض أقسام الشرطة والتي جاءت معظمها لتؤكد على زيادة الأمور عن طبيعتها وتغلغل الفساد في مؤسساتها.
''عيني عينك''
في البداية قال محمد سلامة ''سائق'': ''تقديم رشاوي للموظفين أصبح أمر طبيعي وكانه إجراء روتيني لكي تنهي تراخيص السيارة في وحدة المرور فالعملية زادت عن حدها وبقت عيني عينك على الملأ ولا يستحي أي عامل هناك ان يطلب ذلك''.وأضاف السائق: ''في وقت سابق تحديدا قبل ثورة 25 يناير كان الموظف ينتظر ما تعطيه له لتسهيل إجراءات ورقك وعدم تعطيلها لكن الآن يطلبها صراحة وإلا لن تنهي تجديد رخصتك''.
وأوضح سائق آخر يُدعي منير الشامي، أنه اعتقد أن الثورة غيرت من تلك المصالح البيروقراطية وما بها من تعقيدات روتينية ورشاوي ولكن للأسف رجعت ريما لعادتها القديمة واصبحت تلك المؤسسات مليئة بالفساد، على حد قوله.
''الهدايا ليست رشوة''
بينما قال احمد فرحات ''تاجر'' أنه لا يمانع من تقديم بعض الهدايا العينية لأي موظف في سبيل إنهاء اجراءات الورق وتسهيل الامور بعض الشيء و''هذه الهدايا لا تُعد رشوة من وجهة نظره بل نوع من التقارب والتودد لمجاراة ما تتطلبه الحياة، فالرشوة أموال فقط''. كما قال.وقال مصطفي نصر ''قمت بإصدار ترخيص لموتوسيكل يملكه منذ عام بمبلغ مالي قدره 1000جنيه وعندما ذهب لتجديده في مرور السلام فوجئت بأحد الأشخاص يقول لي تدفع 2000 واجدد لك الترخيص؛ فتعجبت من ''بجاحته'' في طلب رشوي ورفضت ان اعطيه شيء''.
وأكد أنه لم يستطع ''تجديد الرخصة حتى الآن؛ فالعملية أصبحت اكثر من السابق وانعدم الضمير بشكل بشع''.
''من شباك لشباك''
وأكد غريب عبد الرحمن ان الامور ما زالت قائمة على ما كانت عليه فلم يتغير شيء في الدولة والرشاوي زي ما هي وكأن ثورة لم تحدث ولسه قلة الأدب زي ما هي, فقد أصبحت الأمور أشرس من سابقتها.وقال عمر عبد الله ''انا اكيد لو ما دفعتش فكرة هيطلعوا عين أهلي من شباك لشباك عشان اجيب حتى دمغة بجنيه''.
واضاف ''دانا مش باعرف اطلع شهادة ميلاد اللي هي من أسهل الاوراق المستخرجة ورغم ذلك لازم يطلبوا فلوس عشان أطعلها''.
''العيب في الشعب''
وتحدث خليفة متولي بشكل مخالف عن غيره من المواطنين حيث قال ''العيب في الشعب الذي يطاوع هؤلاء الموظفين فيجب عدم الخضوع لطلباتهم وشكوتهم للجهات المختصة ولرؤسائهم ووضعهم امام الامر الواقع، فالمشكلة فينا لأننا بنوافقهم علي اللي بيطلبوه''.ورد عليه سعيد صلاح قائلا ''إذا لم تدفع لهم فسوف تُعطل اوراقنا وبالتالي ستُعطل مصالحنا عشان كام جنيه بياخدهم موظف غلبان, وبعدين لو اي موظف مش عايز يخلص ورق لحد هيعمل كده فالروتين المصري قانوني وجائز ولا تستطيع ان تتغلب عليه وسندخل في حسبة اوراق نجبها ونرجعها وتعالي بكرة الموظف مش موجود الي اخره''.
ورأي بهاء محمد أن ''الأموال التي يأخذها أي موظف حكومي منه لاستخراج بعض الأوراق يعتبرها من باب الصدقة وليست رشوة نظرا لضعف مرتباتهم ووجود مسئوليات كثيرة عليهم وفي نفس الوقت هي ليست بالمبالغ الضخمة''.
حكاية القيد العائلي
وقال محمد عادل إن الموظفين وعمال السجلات ووحدات المرور استغلوا غياب الأمن وانتشار البلطجة فاصبح الموظف منهم لا يبال إذا اخبرته بانك ستشتكيه او ستقوم بتحرير محضر ضده لأنه يعرف ان لا قيمه للشكوى نظرا لعدم استقرار البلد فيطلب منك مبلغ مالي لتقديم اي خدمة لك حتي لو كانت بسيطة''.واوضح أحمد يسري أنه كان يستخرج قيد عائلي واحتاج لتحرير محضر لإثبات وجود خطأ في اسم فرد من عائلته ''بدأ امناء الشرطة بإخباري ان احضر بعض الأوراق وكل يوم يخبرني بورقة غير الأخرى حتي انفعلت عليه واخبرته ان يقول لي الأوراق مرة واحدة فقالها لي صراحة معاك فلوس تخلص فرفضت ذلك فبدأ في طلب أوراق مرة أخرى''.
وتابع: ''فوجئت بشخص آخر يدخل بجانبي ليقوم بتحرير محضر أيضا لنفس السبب في قيده العائلي فقام بتحرير المحضر في ساعتها لأنه اعطاه مبلغ من المال.. عليه العوض ومنه العوض في البلد انا كنت مفكر البلد اتعدلت''.
الامر لم يقتصر علي السجلات والمرور واقسام الشرطة فقط بل امتد لمحطات التزود بالوقود ''البنزينات'' أيضا.
حيث يروي شريف علي أنه كان ذاهب لإحدى البنزينات وكانت مزدحمة جدا؛ وقال: ''دخلت البنزينة من طريق آخر فوجدت أمامي عامل فأخبرته أني متأخر عن العمل واحتاج للوقود فقال لي بالنص ''شخلل عشان تعدي''، بالإضافة لوجود عامل اخر يضع الوقود ليخبرني بانه يحتاج فلوس ايضا لكي يملأ السيارة فالجشع زاد جدا هذه الفترة''.
واضاف آخر: ''من يعرف شخصا داخل أي بنزينة يملأ سيارته وهو مرتاح البال ولا ينشغل بطوابير فالواسطة وصلت للبنزينة كمان فالأمور بدأت تسوء في مصر بشكل مبالغ فيه''
''ظهر الفساد في البر والبحر''
وقال عمر عبده ''ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس'' هكذا اخبرتنا الآية الكريمة لتوضح عظمة الله سبحانه وتعالي وابتلاء الناس لمعرفة قدرتهم على الصبر لنرجع إليه ونستعين به وإنهاء ما يحدث في مؤسسات الدولة من سجلات مدنية ووزارات وهيئات وأقسام شرطة''.وأكد عبد الله هيكل أنه لم يسبق أن دفع رشوي في حياته سواء لتجديد رخصة أو لاستخراج ورق ولم يواجه اي عقبات او روتين في اي جهة وكانه من كوكب اخر غير باقي المواطنين.
ويضيف شهاب سامي قائلا ''غابت القيم الأخلاقية عن الموظفين برغم تقاضيهم مرتبات من الدولة الا انهم لا يراعو الله في عملهم فهناك من تعود علي الانحطاط الأخلاقي والقفز فوق القيم والمبادئ ليعلوا فوق الثوابت الاخلاقية ويؤمن مستقبله وهذا الفساد الوظيفي المتفشي لن يكون له حل الي يوم القيامة''.
''تمشية الأمور''
وقال محمد أبو شومة (موظف بالمعاش) ان الرشوة لا تزال موجودة وأكثر من السابق والسبب في تقديري هو ان الموظف اعتاد على أخذ الرشوة حتي المبالغ القليلة التي لا تمثل شيئا أمام راتبه فالطمع وحب المال جعل الموظف يدمن هذا الشيء.وأشار أحد الموظفين، الذي رفض ذكر اسمه، أنه يضطر ان يأخذ أموالا لأن راتبه لا يكفيه ولا يأخذ الأجر المناسب لعيش حياة كريمة فيضطر لـ''تمشية'' أمور الحياة والأولى أن نحاسب المسئولين والحرامية الكبار ليس هؤلاء الذين يكادوا لا يجدون قوت يومهم، على حد قوله.
وقال موظف آخر أنه ''يضطر لقبول الفلوس لأن الناس هي من تجبره علي ذلك ولا يريدوا ان ينتظروا قليلا وإذا اخبرتهم بذلك تجد أحدهم يقولك: ''أنا مستعجل خد دول ومشي الورق''.
فيديو قد يعجبك: