لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جاردن سيتي .. الحي الراقي الذي حاصرته الأسوار وصبية المدارس

01:48 م الجمعة 30 نوفمبر 2012

القاهرة - (بي بي سي):

''أريد الذهاب إلى برج الصباح'' بادرتني بالسؤال بعد أن فشلت في المرور من شارع القصر العيني، بسبب الحاجز الإسمنتي الذي أقامته قوات الأمن.

كانت سيدة مسنة من أشمون بمحافظة المنوفية، ولم تكن تعلم كيف تتصرف بعد أن أغلق أمامها الطريق الوحيد الذي تعرفه في حي جاردن سيتي العريق.
كان الطريق الوحيد أمامها وأمامي لدخول جاردن سيتي هو المرور من خلال ميدان سيمون بوليفار، الذي يقع خلف مسجد عمر مكرم وبه فندق خمس نجوم مؤديا إلى السفارة الأمريكية.

''لماذا أصبح المكان يشبه السجن هكذا؟''

قالت السيدة مشيرة إلى الأسوار الإسمنتية الأخرى التي أغلقت الطريق إلى السفارة الأمريكية ومدخل شارع عبد القادر حمزة المؤدي لشارع القصر العيني، ولم يكن أمامنا سبيل سوى المرور من جوار فندق النجوم الخمس الذي أغلق أبوابه منذ بداية الأحداث، في الطريق إلى كورنيش النيل.

مكان خطير

فوجئت بحشد كبير من الصبية يركض نحوي قادما من شارع الكورنيش، وقال أحدهم للعجوز التي ترافقني ''لماذا أتيت إلى هنا المكان هنا خطير!''
كان صبيا بين الثانية والرابعة عشرة من العمر، ذا وجه كالح مليء بالغبار وفوق أنفه مكان جرح كبير لم يندمل بعد، قالها وهو يشير إلى عدد من جنود الأمن المركزي الذين تحركوا تجاه الشارع عشرة أمتار فحسب.

طوال الطريق إلى مدخل جاردن سيتي عند السفارة البريطانية، لم يكن على الكورنيش سوى الصبية وجنود وضباط الأمن، لدرجة أن أمين شرطة يدعى محمود (قمنا بتغيير اسمه بناء على طلبه) قال لي ساخرا ''هذه هي الثورة التي نقاومها، وهذه هي الاشتباكات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام.''

لم تكن هناك قنابل غاز مسيل للدموع، ولكن الجو كان لايزال يحمل رائحتها لدرجة أن عيني دمعتا وأنا أسأله حول السبب الذي يدفعهم في إطلاق قنابل الغاز عليهم ما داموا يعلمون أنهم مجرد صبية؟
 
فقال بهدوء ''هل تعرف حجم الإصابات التي لحقت بالضباط والجنود في هذا الشارع وحده بسبب هؤلاء الصبية، أنت لاتتحدث هنا عن إبنك أو شقيقك الذي تباشر تربيته وتشرف على تصرفاته بنفسك، أنت تتحدث عن أطفال لامنزل لهم.''

ثم أشار بيده إلى شاب طويل بالغ النحول ذا وجه أسود يقف بعيدا، وتابع حديثه مؤكدا أن هذا الشاب يحرك مجموعات من الصبية التي تهاجم الأمن، فسألته عن سبب تركهم له ما داموا يعرفون هذه المعلومات؟، فأجاب وعلى وجهه ابتسامة لم أفهم معناها ''لا يوجد لدينا دليل لنقبض عليه، ثم هل تريدنا أن نقبض عليه ثم تصنعون منه في وسائل الإعلام بطلا.''

حي الأشباح

كان طريقي إلى داخل جاردن سيتي هادئا للغاية على غير عادة هذا الحي المكتظ دوما بالسيارات والبشر، خاصة في مواعيد عمل البنوك والمصالح الحكومية التي يمتلئ بها، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع رباب هشام لأن تقول لي ''لقد أصبح جاردن سيتي حيا تسكنه الأشباح.''

ورباب مهندسة تقيم بالطابق الخامس في أحد العقارات التي تطل على ميدان جمال الدين أبو المحاسن بجاردن سيتي، كانت تستعد لركوب سيارتها متوجهة إلى مدينة نصر، لتحضر أطفالها من المدرسة التي اعتذرت إدارتها للأهالي المقيمين بمنطقة وسط المدينة عن عدم قدرتها على إرسال حافلة المدرسة إليهم بسبب هذه الظروف، وكانت رباب تقدر هذا التصرف.

قالت ''بصراحة عندهم حق، ولذلك أذهب لإحضار أطفالي بنفسي، ولكني أسلك طريقا بالغ الطول، حيث أخرج إلى الكورنيش حتى مستشفى قصر العيني ثم منطقة المنيل، ثم أدخل إلى منطقة مصر القديمة ثم منطقة السيدة عائشة، وبعدها أصل إلى طريق صلاح سالم الذي يأخذني إلى مدينة نصر، أي أنني أقطع نصف القاهرة تقريبا، وهي المسافة التي كان يوفرها كوبري السادس من أكتوبر الذي أصبحت محرومة من الوصول إليه بسبب هذه الأسوار التي منعت عنا الماء والهواء.''

لم تكن رباب وحدها الغاضبة مما يحدث، ولكنه أيضا كان موقف عادل عواد وهو موظف في الخمسين من عمره بفرع أحد البنوك الحكومية في جاردن سيتي. غضبه لم يكن بسبب أحداث التحرير، أو الإعلان الدستوري، ولكن بسبب إغلاق كل الطرق المؤدية إلى مكان عمله، مما حول الحي الراقي إلى منطقة شبه مهجورة.

قال وأنفاسه تتابع بسرعة بسبب المسافة التي قطعها من محطة لمترو إلى مقر عمله ''أضطر أن أترك سيارتي في المنزل وأسير من محطة مترو الأنفاق حتى وسط جاردن سيتي حيث عملي مع أنني مريض بالقلب، كل الطرق مسدودة في وجهي سواء من شارع القصر العيني أو من السيدة زينب ولا يوجد سوى طريق واحد، منهم لله.''

كاميرا المحمول

تركني عواد دون أن يجيب عن سؤالي حول من يعني بعبارة ''منهم لله''، ولكن الأحداث كانت قد بدأت تسخن في ميدان سيمون بوليفار، كان الصبية الذين تسلقوا الجدار الإسمنتي الذي يغلق مدخل شارع عبد القادر حمزة، قد بدأوا في إلقاء الحجارة على قوات الأمن التي تقف خلف الجدار مشيرين بأيديهم وأصابعهم بإشارات بذيئة.

لاحظت طالبا في مدرسة قريبة يرتدي الزي المدرسي ويحمل على ظهره حقيبة المدرسة، كان قد ألقى بحجر تجاوز السور في الناحية المقابلة ثم تراجع مبتعدا ووقف يصور مايحدث بكاميرا هاتفه المحمول.

سألته عما يفعل فقال أنه يسكن في السيدة زينب، ويخرج من المدرسة ليحضر إلى هنا قبل أن يذهب إلى المنزل.

سألته عن السبب الذي يدفعه للقدوم إلى هنا فردد أمامي عبارات رنانة ترددها وسائل الإعلام المحلية حول حقوق الإنسان وبطش قوات الأمن ثم قال ''ثم إنني يجب أن أثبت لزملائي في المدرسة أنني لست جبانا!''

من بعيد كانت هناك فتاة ذات شعر كث، يتراوح عمرها بين الخامسة والسابعة عشرة، تقف عند مدخل النفق المؤدي لميدان عبد المنعم رياض.

كان من الواضح أنها تدير المعركة من بعيد، لاحظت أن العديد من الصبية يذهبون للحديث معها ثم يعودون لقذف قوات الأمن، بينما تشير بيدها إلى آخرين.

تهدئة

في الوقت نفسه بادر عدد من أطباء المستشفى الميداني بالوقوف بين الصبية الذي يقذفون بالأحجار وقوات الأمن محاولين منعهم من هذا.

وقال لي الدكتور عبدالخالق سعيد عبد الخالق إن معظم الإصابات التي تصل إليهم في المستشفى من الصبية، وتابع قائلا ''نحن ننظم مبادرة لكي نمنع هؤلاء الصبية من الاشتباك مع قوات الأمن لأن أفراد الأمن منا أيضا، وفي الحقيقة الوضع الآن أصبح مختلفا عن المواجهات مع الأمن في الثورة، وقتها كانت قوات الأمن تهاجم الثوار فعلا، أما الآن فهي تؤمن المنشآت دون تدخل فعلي في الأحداث، المشكلة أن هؤلاء الصبية لا يعون ما يفعلون، والنتيجة أنني بالأمس فقط استقبلت في المستشفى قرابة الثلاثين طفلا مصابا، بعضهم أصاب زملائه بالخطأ.''

ولكن الدكتور عمرو الصاوي التقط الحديث من زميله مؤكدا ''يجب أن نفرق بين نوعين من الصبية، هناك طلبة في المدارس فعلا يأتون إلى هنا من أجل إثبات الشجاعة، وهؤلاء تلاحظ أنهم يقذفون بالحجر ثم يقفون بعيدا لمتابعة ما يحدث، وهناك صبية آخرون يعون ما يفعلون جيدا، فتجدهم يستفزون قوات الأمن عندما تتوقف الاشتباكات لتتجدد من جديد، وهؤلاء يحركهم عدد من الأشخاص الموجودين يراقبون من بعيد، أنا بنفسي سمعت حديثا من أحد الصبية إلى الشاب الذي يدير العمل وهو يطالبه بأجر اليوم، فرد عليه الشاب بسباب بذئ مؤكدا أنه لم يحصل على النقود حتى الآن من شخص ثالث لم يتسن لي سماع اسمه، وهذا يؤكد أن هناك متربحين من دفع هؤلاء الصبية إلى الاشتباك مع الأمن.''

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان