خمسون عامًا من الصيد.. "أبو جمعة" يروي أسرار البحر ورحلاته بين الموانئ -صور
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
-
عرض 18 صورة
السويس - حسام الدين أحمد:
على شاطئ خليج السويس نشأت أقدم مدن خط القناة، هنا كان صيد الأسماك والتجارة يمضيان بالتوازي بين سكان المدينة على مر العصور، يمتاز خليج السويس بالمرعى الطبيعي الأكثر دفئا في المسطح المائي بالبحر الأحمر، لذا استقطب الأسماك المهاجرة لتضع بيضها وسط الصخور والشعاب وتيارات مياه هادئة تحافظ على الأفراخ الصغيرة والذريعة.
وفي العقود الأخيرة امتدت حركة الصيد جنوبا خارج حدود القطر المصري، في أعالي البحار، حيث السمك الوفير والحجم الكبير، ويحكي لنا الصياد "محمد سليمان محمد" قصته مع رحلات الصيد والبحر، هناك قضى أكثر من ثلثي عمره في جمع الرزق، يصطاد على الفُلك الصغيرة، واللنشات والمراكب، جاب شواطئ السويس والبحر الأحمر، والسودان وإريتريا واليمن بحثا عن الأسماك.
السفر للصيد
ولد الصياد "محمد سليمان" سنة 1952، وركب البحر وهو ابن 22 عاما، كان ذلك في أعقاب حرب أكتوبر، يقول الصياد الشهير بـ"أبو جمعة"، إن الجهات المعنية سمحت للصيادين بالسروح والصيد في منطقة المرسىَ، وهي منطقة تقع بعد الزعفرانة وكان يقطع تلك المسافة عبر السفر برا لمدة ساعة ونصف، ثم يتجه للشاطئ حيث تتوقف عائمات الصيد، وذلك بسبب ظروف الحرب وأعمال تطهير قناة السويس ورأس خليج السويس من القطع البحرية الغارقة ومخلفات الحرب.
بمضي الوقت عادت حركة الصيد إلى طبيعتها في السويس، تسرح الفُلك الصغيرة من نقطة القزق القديم تجوب منطقة غاطس السفن برأس خليج السويس حيث بداية المجرى الملاحي للقناة وصولا لمنطقة عتاقة والأدبية، بينما تبحر المراكب واللنشات في ميناء "الأتكة" بمنطقة الأدبية المخصص للصيد، وتبحر في الأدبية والسخنة لتجمع الأسماك ثم تقطع عشرات الأميال جنوبا نحو الزعفرانة بعد انقضاء نصف أيام موسم الصيد إذ يبدأ في سبتمبر وينتهي في أبريل.
حرف الصيد
يقول "أبو جمعة" إنه ركب عائمات الصيد المختلفة، من فُلك صغيرة في السويس، إلى مركب كبيرة طولها يزيد عن 28 مترا، عمل بحرف مختلفة سواء جر أو شانشولا، يخبرنا أن بعض المراكب تعمل بالنهار بحرفة الجر حيث تبحر وتجر ورائها الشباك في ضوء الشمس، في الليالي المظلمة التي يغيب فيها ضوء القمر تصطاد المركب بحرفة الشانشولا، تلك حرفة تعتمد على جمع الأسماك الفضية على ضوء كشافات المركب أو لنش الشاشنولا.
يجذبها الضوء
يفسر سر تجمع الأسماك في الليل على ذلك الضوء، ويقول الصياد إن الأسماك تنجذب للضوء، وفي الليل يسلط البحارة مصابيح شديدة الإضاءة على سطح المياه عندما يغيب ضوء القمر، في تلك الليالي تنخدع الأسماك التي تعيش "بين الميتين العميق ووش المياه" تنجذب للضوء تظنه ضوء الشمس وبداية النهار، حينها تصعد للسطح وتقع في الشباك، وتجذب تلك الطريقة أسماك الكسكمري والباغة واللاشته والسردين والموزه، إضافة للرخويات مثل للكالميري.
ويكثر في خليج السويس بعض أنواع الأسماك خاصة الشعبية منها، يقول الصياد أن أكثر الطاولات التي تنزلها المراكب تكون مملوءة بالشخرم والحفارة والصرَع والحارت، وهي تخرج في شباك مراكب الجر، وكذلك أسماك مثل الوزفه والباغة التي تخرج بأحجام مختلفة من لنشات حرفة الشانوشلا.
التُوين
يؤكد الصياد لموقع "مصراوي" أن في المقابل تراجع حصيلة صيد بعض الأسماك مثل الدراك والبياض والوقار، وسمكة التوين والتي اختفت تماما ولا تخرج إلا بكميات قليلة جدا، ربما نصف طاولة فقط وليست مع كل مركب.
صيد الذريعة
يتابع حديثه ويقول إن خير البحر يقل عام بعد عام بسبب مخالفات الصيد خلال الوقف، والصيد الجائر للزريعة السمكية، مما يقضى على أفراخ السمك الصغيرة، ويكشف أن بعض الصيادين المخالفين يجمعون زريعة سمك السهلية والتي تصلح للاستزراع السمكي عند معادلة ملوحة مياه المزارع، لكن بسبب عشوائية الصيد تخرج معها أفراخ أسماك الحارت والحفارة، والجمبري وأنواع أخرى وهي لا تصلح للاستزراع ويكون مصيرها الموت، مما يؤثر على المخزون السمكي لتلك الأنواع.
هجرة إلى المتوسط
يؤكد الصياد ذو الخبرة، أن بعض أنواع الأسماك التي تميز بها خليج السويس والبحر الأحمر، بدأت في العقد الأخيرة تظهر في البحر المتوسط، تقع في شباك الصيادين بداية من بورسعيد وحتى الإسكندرية، يفسر ذلك لأمرين الأول هو التغيرات المناخية وتغير درجة حرارة المياه، والآخر هو وحفر قناة جديدة موازية لقناة السويس، ساعد ذلك بحسب سليمان الصياد في هجرة أنواع مثل الدراك والقراض والكالميري، والصَرع، إضافة إلى سمكة الأسد.
رياح الجنوب
يكشف أبو جمعة أن في المقابل يعتمد المسطح المائي في خليج السويس والبحر الأحمر على الأسماك التي تأتي من الجنوب والمحيط الهندي، ومع حركة الرياح خاصة الريح الأزيب وهي الرياح الجنوبية الغربية، وتكون شديدة ورغم خطورتها على عائمات الصيد إلا أنها تدفع بهجرة أسربا من السمك إلى منطقة خليج السويس الأكثر دفئا وهدوءًا.
حركة الرياح من الجنوب للشمال وما يتبعها من هجرة للأسماك تحدث تنوع بحري، ومن أبرز الأنواع التي تهاجر إلى خليج السويس أسماك الشعور بأنواعه المختلفة في الفترة من مايو وحتى يوليو كل عام، حيث يضع بيضه في الأماكن الهادئة وسط الصخور والحيود المرجانية، كما تهاجر الكابوريا الحمراء من اليمن والسواحل السعودية إلى خليج السويس خلال موسم الخريف وتعود في فصل الربيع، إضافة إلى بعض الأسماك من فصيلة التونة والسردين.
تهاجم الشباك
تطرق الصياد للحديث عن اسماك القرش، يقول إن تعليمات من جهاز شئون البيئة بحظر صيد سمك القرش، وخلال الموسم الحالي انضم إليه سمك الشبين، الهدف من ذلك الحفاظ على التوازن في البيئة البحرية، لكن للصيادين رأي آخر بناء على التجربة، إذ يتعرضون لهجوم القروش خلال رحلات الصيد، والتي تستهدف الشباك وغزول الصيد.
يؤكد "سليمان" أنه طوال رحلات الصيد كانت القروش تهاجم شباك الصيادين وتمزقها وتدخل لتأكل من الأسماك فتصبح أسيرة مثلهم، خاصة الأحجام الصغيرة والتي يطلق عليها الصيادين اسم "الخنت" أو ولدة القرش، فهي تخرج كصيد عارض.
صيد عارض
تحاصر القروش وسط كميات الأسماك الأخرى في الشباك، يصعب عليها الخروج مرة أخرى وعند اكتشاف أمرها في الشباك تكون ميته بلا فائدة للبيئة البحرية، فيعود بها الصياد لبيعها مع باقي الأسماك، وعلى الرصيف في الميناء يجري مصادرة القروش وتوجيه صاحب المركب بإعدامها حرقا، لكن ذلك لا يطبق عادة على العائدين بكميات قليلة، فتباع حصيلة الصيد في الأسواق وهي تتميز بلحمها الطرى كما أنها بلا أشواك فالقرش من الأسماك الغضروفية.
رعاش وخلج
لا تشكل القروش حتى الكبيرة منها المعروفة بالوحوش خطورة على الصيادين بحسب سليمان، ولكنه يرى أن أسماك أقل حجما قد تحدث ضررا أكثر، مثل سمكة الرعاش، تظل حية بعد خروجها من المياه، في شباك الصيد لا يمكن رؤيتها بوضوح حتى تضرب الصياد والبحار بشحنة كهرباء.
أما السمكة الأخرى التي يخشاها الصيادين فهي الجلخ، ورغم أنها تباع في الأسواق ويقبل على شرائها المواطنين في السويس، لكنها صاحبة مواقف وذكريات سيئة للصيادين، فوق رأسها شوكة تحتوي على مادة يصفها "أبو جمعة" بأنها ليست سامة، لكنها حين توخز الصياد تتركه يعاني الألم الشديد 3 أيام مع ارتفاع في درجة حرارة الجسم، ولا يوجد مصل لها.
صيد أعالي البحار
حين أتم محمد سليمان 35 عاما خرج في أول رحلة له للصيد خارج المياه المصرية، قصد الجنوب حيث سواحل السودان واليمن واريتريا، يقول إن مراكب الصيد الكبيرة تبحر جنوبا وعلى متنها نحو 18 صياد، تقصد نقطة برنيس وهناك تحصل على تصاريح صيد خارج المياه الإقليمية، تصطاد المركب كمية كبيرة من الأسماك، وذات حجم أكبر، يخبرنا أن حصيلة 3 أيام صيد في المياه المفتوحة تعادل جهد رحلة صيد تمتد لشهر في خليج السويس.
رحلة محفوفة بالخطر
يحكي أبو جمعة عن رحلات الصيد خارج مصر، يقول إنها كانت تتم بالتنسيق مع الجهات المعنية في تلك الدول خاصة رحلات السودان واليمن، لكن ذلك لم يمنع عنهم الخطر إذا دخلوا المياه الإقليمية للدول واقتربوا من الشاطئ، خاصة في العقد الأخير بسبب التوترات السياسية والأحداث التي تعرضت لها تلك الدول، لدرجة إن القوات المعنية بتأمين السواحل في اليمن والسودان سبق أن احتجزت صيادين مصريين بتهمة خرق المياه الإقليمية.
يقول إن رحلات المراكب تخرج من ميناء الأتكة بالسويس، قاصدة ميناء برنيس جنوب البحر الأحمر، وهناك يحصل رئيس المركب على تصريح الصيد، يقطع المركب رحلة مدتها 18 يوما ذهابا وإيابا، يتخللها 3 أيام فقط للصيد، يمكن أن تزيد لكنها في أغلب الأوقات تفي بتوفير الأسماك.
3 آلاف طاولة
"رحلات الصيد التي كنت أشارك فيها فيها قرب اليمن والسودان كانت تجمع كميات كبيرة وبأحجام كبيرة" يقول محمد سليمان ويذكر تفصيلا أن حصيلة الصيد كانت تصل في بعض الرحلات إلى 3 آلاف طاولة سمك بمتوسط وزن 30 كيلو لكل طاولة كبيرة، وتلك الكمية هي نتاج صيد من 3 إلى 5 أيام فقط، بينما تستغرق الرحلة 7 أو 8 أيام في الذهاب ومثلها في للعودة.
يتذكر أن أكبر حصيلة رحلة صيد شارك فيها خارج مصر كانت قرب اليمن، حيث جمع الصيادين أسماك ملأت 5 آلاف طاولة، في أقل من أسبوع، وكانت تشكيلة متنوعة بين الأسماك الشعبي وأنواع أخرى ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة إضافة للجمبري.
الزيفة "القرش الحوتي"
البحار المفتوحة بيئة طبيعية الأسماك كبيرة الحجم، مثل القرش الحوتي، يعرفه الصيادين باسم "الزيفه" يصفها أبو جمعة بأنها سمكة مسالمة فمها بلا أسنان وهي تتغذي على الهوام والعوالق والأسماك الصغيرة بشفط قدر كبير من المياه وفلترته وسحب ما تحتاجه من الطعام، وأحيانا تقع تلك السمكة في شباك الصيادين، وهي بالنسبة لهم صيد ثمين.
يؤكد أن أكبر سمكة اصطادها كانت من ذلك النوع "الزيفه" كان ذلك في السودان، وكانت بطول يزيد عن 14 متر، وتم تقطيعها وبيعها بالكيلو فور العودة إلى مصر، حينما عاد أدرك أن تلك السمكة مفيدة للبيئة البحرية ومن الأهمية بقائها في المياه، كما أنها عامل جذب مهم للسائحين والغواصين، لأنهم يعرفون بوجودها أن البيئة البحرية بذلك المكان سليمة وآمنة.
صيد الوحوش
يؤكد أن الوحوش مثل سمك القرش الكبير طعمة ليس الأفضل من بين الأسماك، لأنها تحتوى على كمية كبيرة من النشادر، بينما الحجم الصغيرة هو الأفضل، لكن ذلك ليس سبب مقنع لترك السمكة وإعادتها للمياه هكذا بعد صيدها، يفسر ذلك أن الصيادين يبذلون جهدا لصيد الأسماك الكبيرة ويستخدمون طعوم خاصة وأدوات ووايرات بديلا عن خيط السنانير وتلك الأحجام سواء من القروش أو غيرها لا تدخل الشباك، وإنما يتم صيدها من الأعماق.
يكشف أن الأحجام الكبيرة من الشعور والهامور والوقار والمرجان ذات قيمة اقتصادية، لكن سمكة القرش ليست بنفس القيمة، لان لحمها كما ذكر ليس الأفضل.
زعانف مجففة
واستطرد أن بعض الصيادين في رحلات الصيد في دول الجوار، كان يخرج بصيد من سمك قرش بطول يتجاوز 4 أمتار ووزن يتخطى 150 كيلو، وكشف أن بعض الصيادين كانوا يعمدون إلى قطع زعانف القرش، حيث تجفف وتباع بسعر مرتفع مع تصديرها للخارج، هناك طلب كبيرة عليها في الصين واليابان، تلك الزعانف تصنع منها أطباق حساء يصل سعر الطبق 300 دولار على حد قوله.
توريث المهنة
لزم سليمان حرفة الصيد نحو 50 عاما، ورغم مهارته وخبرته التي اكتسبها من رحلات الصيد داخل وخارج مصر، إلا أنه رفض أن يتعلم أبناءه تلك الحرفة، يقول إنها مهنة شاقة، ورغم التطور الذي طال الحرف والمعدات والتكنولوجيا إلا أن العائد منها حاليا ضعيف بسبب تراجع كميات الأسماك المصيدة.
ويشدد أبو جمعة أن الصيد الجائر للزريعة السمكية وراء تراجع الإنتاج السمكي، وكذلك الصيد في فترات الوقف، إذ يتسبب في صيد أمهات الأسماك وضياع إنتاج كل موسم، ويستشهد على ذلك بموسم 2019، والذي أعقب فترة وقف امتدت 7 أشهر بسبب الحرب على الإرهاب، ولم يرى فيها المسطح المائي أي نشاط للصيد خلال الوقف.
الموسم الأفضل
ويقول إن في موسم صيد 2018-2019، كانت مراكب كل مركب صيد تعود بأكثر من 700 طاولة بعد رحلة صيد 12 يوم بينها في الوقت الحالي لا تزيد على 200 طاولة بعد رحلة بنفس المدة الزمنية، وتابع أن فُلك الصيد المخالفة تصطاد على مرأي ومسمع الجهات المعنية، دون أي تطبيق للقانون، ما أفسد البحر وأضاع المخزون السمكي.
فيديو قد يعجبك: