إعلان

مسيحي ظل أمينا عليه 74 عامًا.. حكاية بئر عجيب أنقذ أهالي السويس من الحصار (صور)

11:22 ص الإثنين 24 يونيو 2024

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

السويس - حسام الدين أحمد:

كانت السويس لأكثر من 10 قرون هي عتبة حجاج مصر وشمال أفريقيا إلى الأراضي المقدسة، سواء كانت رحلتهم برا عبر سيناء، أو بحرا إلى ميناء جدة، وكانت منطقة الغريب بمثابة محطة الترانزيت الأخيرة قبل استكمال الرحلة إلى الحجاز.

الميناء القديم

قبل حفر قناة السويس وإنشاء مدينة بورتوفيق والميناء من نواتج الحفر، كان الميناء الرئيس للمدينة على الكورنيش القديم حاليا، أو كما عرفه الأهالي ببحر الخور والذي يتصل برأس خليج السويس لعبور السفن التجارية، ومنه أيضا انطلقت السفن الحربية التي قادها إبراهيم باشا لمطاردة الوهابيين.

سقاية للحجاج

على أرض الغريب مهد السويس كانت قوافل الحجاج تصل تباعا، سوق مفتوحة لكل ما يحتاجه الحاج في رحلته من زاده وزواده، وكانت المياه تنقل في "قرب" وقدور من الترعة إلى المساقى، دفع ذلك حاجا مغربيا إلى التطوع والتبرع بالتكلفة والمشاركة في حفر بئر في المنطقة.

ماء مُبارك

ورغم أن البئر كان على مسافة أقل من 500 متر من البحر، إلا أن حفر أقل من 10 أمتار كانت كفيلة بإخراج مياه عذبه صالحة للشرب، كان ذلك كفيلا في عيون الحجاج وأهل المدينة أن يجعل الماء والبئر مباركا.

تغير وجه المدينة، مدت خطوط المياه في مواسير لتصل للمنازل، وفي موقع البئر أنشأ الأهالي منزل، لكن ظل البئر باقيا، رغم هدم المنازل القديمة على الطراز الغدادلي وحل مكان الخشب الحجارة والخرسانة ظل البئر موجودا ويقع البئر حاليا في محل لإصلاح الأحذية.

أقرأ الفاتحة واشرب

يقول صبحي يوسف صاحب محل الأحذية،: إن عمر البئر الكائن في زاوية يمين المحل، يزيد عن 200 عام على الأقل، حفره سيدي الشيخ المهدلي، يحكي أنه ورث المحل عن والده وكان البئر من قبلهم يسقي الحجاج، ويحرص بعضهم على زيارته والشرب منه بعد قراءة الفاتحة للغريب والصلاة في المسجد الذي يحمل اسمه.

"كانت منطقة الغريب في موسم الحج بمثابة سوق دولي، يجلب الحجاج من ربوع مصر وشمال افريقيا والمغرب العربي بضائع لبيعها هنا للتجار، وبثمنها يشترون ما يلزمهم في رحلة الحج" يحكي صاحب الدكان عن طبيعة المنطقة إبان حفر البئر.

وصية

وأضاف أن الشيخ المهدلي كان من حجاج المغرب العربي، زار السويس ومكث في منطقة الغريب، وحفر البئر، وأوصى قبل أن يغادر، بأن يكون البئر سبيلا لا يمنع أحد من ماءه.

عمل أهل منطقة الغريب بوصية الشيخ المهدلي، رغم البناء فوق البئر إلا انه ظل مفتوحا متاحا لمن يطلب الماء، في موسم الحج وغيره، ولا يمنع ولا يغلق أبدا.

عقد من 1950

يخرج لنا صاحب المحل عقد عمرة 74 عاما، تضمن بند بمثابة وصية، سبق أن عمل بها من سبقوا والده في استئجار الدكان ومن قبله من انتفع بالأرض والبناية عليها.

كان العقد القديم مكتوب باللغتين العربية والفرنسية، بتاريخ 21 نوفمبر 1950، بين صاحب المحل والبيت، والده محروس يوسف المستأجر.

تبرك وسقاية

تضمن العقد بند كتب بخط اليد ينص على" بالدكان المذكور بئر سيدي المهدلي رضي الله عنه وقد تعهد المستأجر بعدم التعرض لهذا البئر أو منع أحد من أخذ مياه منه بغرض التبرك والسقاية وعليه أن يحافظ على هذا البئر"

كل من أقام في المنزل، أو استأجر المحل قبل والده حافظ على البئر وكذلك فعل والده وهو من بعده التزاما بوصية الشيخ المهدلي.

حصار السويس

إبان حرب أكتوبر وعقب عبور القوات الإسرائيلية من الثغرة، وفشلها في دخول الإسماعيلية، سلكت الطريق المؤدي إلى السويس، حين وصلوا على مشارف المدينة، ضربت قذائف العدو محطة مياه الشرب بمنطقة الهويس وهي المسؤولة عن تغذية المدينة بالمياه، وقطعوا خطوط الإمداد ليتمكنوا من حصار المدينة وكسر عزيمة المقاومة.

قضى رجال المقاومة أيام يستهلكون القدر القليل المتبقي من المياه، كانت حصة كل فرد 4 لتر من المياة تكفيه لمدة أسبوع، في أثناء ذلك تذكر الرجال أمر البئر، الذي قل الاعتماد عليه منذ منتصف القرن الماضي.

سكر في الماء

يخبرنا صبحي أن رجال المقاومة الشعبية بقيادة الشيخ حافظ سلامة أخبروا المحافظ اللواء بدوي الخولي بقصة البئر، فأصدر أمر بكسر باب الدكان وفتح البئر لتوفير المياه النظيفة للشرب، حيث ترك والده المدينة بعد قرار تجهيز أهالى مدن القناة.

بحسب الرواية الشعبية المتداولة، أحضر الشيخ سلامة كيس سكر وظل يقرأ آيات من القرآن ويدعي وهو يفرغه في البئر، ففاضت المياه، وملء رجال المقاومة وجنود الجيش ما حملوه من أوعية وجالونات وشربوا وسقى البئر كل من في المدينة.

كان البئر المصدر الرئيس للمياه في السويس طوال فترة الحصار التي امتدت 100 يوم، حتى رفع الحصار وبدأت سيارات المياه المدفوعة من القاهرة تصل إلى السويس.

بعد انتهاء الحرب، صدر قرار بعودة المهجرين وبدأت الأسر في التوافد بداية عام 1975 والعودة إلى السويس، ومع العودة ظل وضع السكر عادة يحرص عليها بعض الأهالي الراغبين في مياه، أما البئر فكان كريما يعطي الجميع بدون مقابل.

جفاف البئر

يصف صاحب الدكان البئر ويقول: إن عمقه 5 أمتار وكانت المياه تصل لارتفاع 3 أمتار، ظل الوضع على ذلك الحال حتى قبل 5 سنوات لا يعلم ما تغير لكن المياه نقصت، لم تجف لكنها انخفضت لمستوى دون النصف متر.

أهالي المنطقة ارجعوا نقص المياه إلى التطوير العمراني، هناك خلف البيت الذي يضم البئر منزل قديم هدمه أصحابه وأقاموا مكانه برج سكني، مع أعمال الحفر لوضع الأساسات الخرسانية بعمق يزيد عن عمق البئر، انخفض مستوى المياه، وبمرور الوقت تراجعت المياه حتى بات قاب قوسين أو أدنى من الجفاف.

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان