إعلان

عكس الإتجاه وذكرى التعويم.. أسرار الساعات الأولى في "ملحمة إيفر جيفن" - صور

12:44 م الإثنين 03 أبريل 2023

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

السويس - حسام الدين أحمد:
قبل عامين، في نهاية شهر مارس 2021، احتفل المصريون والعالم بنجاح رجال هيئة قناة السويس في تعويم السفينة التجارية العملاقة ايفر جيفين، بعد 6 أيام استعرضت فيها السفينة البالغ طولها 400 متر، بعرض القناة لتغلق المجرى الملاحي بالقطاع الجنوبي الفردي، وتتوقف حركة السفن بالقناة.
أدرك العالم حجم أهمية قناة السويس، في ربط الشرق بالغرب، وأدرك عزيمة وإرادة المصريين، وهم من قهروا المستحيل وتحدوا الطقس والفيزياء والقوانين الطبيعة، منذ الساعات الأولى التي أعقبت الجنوح.
الساعات الأولى
رغم إنتاج عشرات القصص، والأفلام الوثائقية عن عملية التعويم إلا أن الساعات الأولى التي أعقبت جنوح ايفر جيفين صباح الثلاثاء 23 مارس، لم تظهر للنور، ذلك الاغفال أو النسيان ليس مقصودا وإنما نتيجة تلاحق الأحداث تباعا، فمع كل ساعة يظهر جديد وتغيير في سيناريو إدارة الازمة وفقا للمعطيات والطرق المتبعة لإعادة التعويم بطرق وفكر جديد في خطط مواجهة ذلك النوع من الأزمات.

رياح سرعتها 70 كيلو

صباح الثلاثاء 23 مارس 2021، أبحرت قافلة الجنوب في قناة السويس، الرياح عاتية تتخطى سرعتها 70 كيلو متر في الساعة، كانت السفينة العملاقة ايفر جيفين بطول 400 متر وعرض 59 متر، رقم 4 في ترتيب القافلة، ونتيجة لانعدام الرؤية الأفقية، بسبب سوء الأحوال الجوية، فقد قبطان السفينة القدرة على توجيها ما أدى إلى جنوحها عند الكيلو 151 ترقيم قناة بالقطاع الجنوبي.
أحد أبطال الساعات الأولى، قبل أن يعرف العالم بأمر الجنوح، يروي لموقع "مصراوي" ما حدث.
يقول القبطان مصطفى بشاري المرشد على قاطرة "red sea"، وقائد القاطرة سَلْام 9 وفي ذلك اليوم، إن الرياح كانت شديدة بلغت سرعتها 40 عقدة بحرية، ومثيرة للرمال، كانت ظروف الطقس غير مناسبة للملاحة البحرية، لدرجة أنها حالت دون صعود المرشدين على لنشات "pilot" التي تبحر بهم من الرصيف إلى السفن التجارية المتراكية بمنطقة الغاطس قبل عبور القناة.

القاطرات بدلا من اللنشات
ويتذكر: "في اليوم السابق للجنوح كان القبطان علي جاد الله قائد القاطرة سَلْام 9 - في وردية عمله - ينقل المرشدين الملاحيين يوزعهم على السفن التجارية، الرياح أقل تأثيرا على القاطرات البحرية نظرا لحجمها ووزنها وعمق الغاطس.
بشكل معتاد تبدأ رحلة قافلة الجنوب في السادسة صباحا، في ذلك اليوم بدأت تدخل السفن تباعا تفصل بينها مسافة ثابتة، عبرت 3 سفن وجنحت الرابعة بشكل عرضي في القناة، وكان خلفها 3 سفن دخلت المجرى الملاحي للقناة في طريقها إلى البحر المتوسط.

جنحت إيفر جيفين بشكل عرضي وأغلقت المجرى الملاحي للقناة، في منطقة يقل فيها عرض المجرى الملاحي عن طول السفينة، غرفة عمليات شكلها الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، وشاركت الموانئ البحرية بدفع بقاطراتها ووضع كل القطع البحرية لديها رهن إشارة قناة السويس للمشاركة في التعويم.

حوادث الجنوح تتكرر بشكل عرضى، لا تستغرق ساعات وتنتهي، إلا ان جنوح سفينة بهذا الطول والعرض والحمولة الضخمة، دفع بالمرشدين إلى التسابق في الوصول إلى نقطة الانطلاق والإبحار على القاطرات والقطع البحرية، قبل مواعيد عملهم الرسمية، هذا ما أخبرنا به القبطان مصطفى.

سحب السفن العالقة
عقب استلام عمله يوم الثلاثاء تلقى القبطان بشاري تكليف بالتوجه والمشاركة في تعويم السفينة الجانحة استغلالا لفترة المد بهدف تعويمها، لكن تغير الأمر بعد ساعة.
كان السيناريو الافتراضي قائم على فكرة تعطل محركات السفينة الجانحة، ولذلك كانت التعليمات بإخلاء المجرى الملاحي من السفن الثلاث التي اللاحقة لإيفر جيفين بقافلة الجنوب، وفتح المجال للعودة بالسفينة إلى خليج السويس وفتح الممر الملاحي والتحفظ عليها خارج الغاطس بالمدخل الجنوبي واتخاذ الإجراءات القانونية.

قوانين الفيزياء والصدفة

السفن الثلاث كبيرة الحجم، يقول بشاري: "المتبع أن تبحر السفن الضخمة والأطول والأعمق من حيث غاطس أولا في القوافل يتبعها السفن المتوسطة"، هنا الصدفة والطقس وقوانين الفيزياء اجتمعوا معا لتزداد صعب تلك المهمة، لكنها تمت بنجاح بمهارة القباطين والمرشدين.
يروى القبطان بشاري أنه ترك القاطرة رد سي، واستلم العمل قبطانا للقاطرة سَلْام 9 بعد زميله القبطان علي جاد الله، وكانت مهمته وزملائه القبطان عبدالفتاح على القاطرة سَلْام 6 والقبطان عبدالمجيد على القاطرة مصاحب 2 إخراج السفن الثلاث.

نحتاج عزت عادل
كانت الثلاث سفن هي سفينة الحاويات ميرسيك "ماستر دينفر" بطول 350 متر وعرض 40 متر وبعمق غاطس 44 قدمًا، وسفينة البضائع العملاقة آسيا روبي بطول 290 متر وبغاطس 4 أمتار، إذ كانت سفينة كارجو فارغة، وسفينة الحاويات "واي إم" بحمولة 64 ألف طن وبطول 275 متر وغاطس 49 قدمًا.
"قدرة كل قاطرة بقوة شد 70 طنا لكل منها، ولا تكافئ بذلك حجم وأطوال وقوة عزم السفن الثلاث" يوضح المرشد الملاحي قوة القاطرات، ويتابع أن تلك السفن في حاجة إلى قاطرة كبيرة مثل قاطرة عزت عادل بقوة شد 160 طنًا، وهي مخصصة لقطر تلك السفن بالقطاع الجنوبي.
يعرف جيدا أين القاطرة الكبيرة عزت عادل، كانت في الشمال إذ أبحرت قبل يومين من الحادث إلى بورسعيد للمساهمة في تعويم سفينة ضخمة أخرى جنحت دون إعاقة حركة الملاحة في القناة، ووقع حادث إيفر جيفين قبل وصولها للسويس

سحب عكسي
يضاف إلى المعادلة الصعبة وعدم تكافئ قوة القاطرات مع السفن أن على المرشدين سحبوا تلك السفن الضخمة عكس مسارها الطبيعي، تبحر السفن للأمام تتصدر المقدمة "البروة" الأقل عرضا وتشق المياه وتقلل مقاومة تيار الهواء، السحب من مؤخر السفينة يزيد مقاومة تيار المياه والرياح، نظرا لصعوبة التفافها لتكون مقدمها في اتجاه الجنوب حيث الخروج من القناة إلى منطقة الانتظار.
يقظة وكفاءة عالية
تعامل المرشدون بدقة بكفاءة عالية ومهارات اكتسبوها من سنوات العمل بهيئة قناة السويس، الأسلوب العلمي ورسم سيناريو وخطة لسحب السفن الكبيرة عملاقة لإخلاء المجري جنوبا.

جرى سحب السفينة الأولى "YM" وكانت الأكبر بين الثلاثة، بحمولة 64 ألف طن والأقرب للمدخل الجنوبي للقناة، وتمت عملية القطر بدقة رغم الإبحار بعكس اتجاه سيرها.
يصف ربان القاطرة سلام 9 المشهد: "جرى رباط بالشيمات وهي حبال الربط، لتصل بين قاطرتين الأولى بمقدم السفينة تحافظ على مسارها وللتحكم ومقاومة الرياح التي تجاوزت سرعتها 70 كيلو متر، والثانية بالمؤخر مهمتها السحب والحفاظ على إبحار السفينة بالمنطقة "X" وهي في منتصف عرض القناة وتمثل أعمق نقطة غاطس لضمان عدم الانحراف يمينا أو يسارا وإلا تعرضت السفينة لحادث شحوط والموقف لا يتحمل".
كانت السفينة الثانية هي العملاقة أسيا روبي، فارغة بلا حمولة، لكن طول السفينة البالغ 256 مترا وغاطس 4 أمتار فقط جعل المهمة أصعب، وزن السفينة خالية مع ذلك الطول يجعل مقاومتها لتيارات المياه والرياح أقل بكثير، الوزن هنا يمثل عامل ثبات في تلك الظروف، لكن الرجال أوصلوها بأمان إلى منطقة الانتظار.
كانت سفينة الحاويات العملاقة ميرسيك "ماستر دينفر" هي الأقرب إلى السفينة الجانحة، بطول 350 متر هي الأطول، وبحمولة 75 ألف طن من الحاويات، وبنفس الأسلوب العلمي والخطط نجح المرشدين والقباطين في إخراجها وتراكيها بأمان في الغاطس.

إلى السفينة الجانحة

بعد انجاز مهمة إخلاء المجرى الملاحي، عادت القاطرات الثلاث وصدرت تكليفات جديدة بالمشاركة في تعويم ايفر جيفين، بأقصى سرعة عادت إلى موقع الجنوح كانت القاطرات الثلاث تعمل من اتجاه الجنوب على دفع مقدم السفينة لاتجاه الشمال، بينما القاطرتين بركة وعزت عادل كانتا من اتجاه الشمال تعمل على دفع مؤخر السفينة للجنوب، بهدف استدارة المقدمة ناحية الشمال.
كان إخلاء المجرى الملاحي في القطاع الجنوبي مهمة صعبة، لكنها سهلت لاحقا الدفع بالقاطرات البحرية والكراكات المشاركة في سحب آلاف الأطنان من الرمال بما ساعد على تعويم السفينة مرة أخرى.

العالم يتأثر بتوقف القناة

استمر عمل القباطين الثلاث، حتى مساء الجمعة، كانوا في ذلك الوقت يتابعون ردود الأفعال في العالم، ارتفاع سعر البترول 5%، وتكدس مئات السفن عند المدخل الجنوبي والشمالي للقناة في انتظار عودة الملاحة.
كانت الغيرة على بلدهم والوطنية محفزًا ودافعًا للعمل دون التفكير في الراحة، ورغبة في إتمام عملية التعويم اليوم قبل الغد، بينما أثار استيائهم ما جرى تداوله على السوشيال ميديا، إذ تحول الأمر بمرور الساعات إلى بث منشورات وشائعات ومنشورات استفزازية، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمتهم، فالتمس الرجال العذر للعامة من المواطنين، فهم يتابعون الأمر في وسائل الإعلام وليس لديهم دراية كافية بصعوبة الموقف وطبيعة حادث الجنوح.

72 ساعة عمل متواصل
وتابع أنه زملائه كانوا يواصلون العمل خلال الوردية الخاصة التي استمرت 72 ساعة، دون نوم، من 6 مساء الثلاثاء وحتى السادسة مساء الجمعة يتبادلون الأدوار على القاطرات والقطع البحرية المساعدة المشاركة في عملية التعويم بين الدفع من ناحية الجنوب والسحب من الشمال.
ضربت عملية تعويم السفينة نموذج في إدارة الأزمات والمخاطر، ورسخت روح العمل والتشجيع والغيرة على مصر وأن من يملك بين يديه تلك المهارة وفي قلبه هذه الروح يمكنه تحقيق المستحيل وكسر قوانين الطبيعة والفيزياء والوصول بالجسد إلى قدرة تفوق احتماله من العمل المستمر.

السيناريو الثالث
وكشف أنه في مسيرة عمله شارك في عدة عمليات إنقاذ وتعويم سفن جانحة، وشحوط استغرقت من ساعة إلى 18 ساعة، لكن تبقى تلك العملية بما عايش فيها مختلفة ومتفردة، مع إتاحة سيناريوهات متعددة للتعامل مع الأزمة، ونجح السيناريو الثاني بتنفيذ أعمال تكرير مع جهود التعويم والتي أسفرت عن إبحار السفينة مجددا، بينما كان السيناريو الثالث في عملية التعويم هو تخفيف حمولة السفينة إلا أن الله وفق الرجال ولم يصلوا إلى مرحلة تخفيف حمولة السفينة.

فيديو قد يعجبك: