لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أول عتبة للحجاج.. قصة السويس وقلعة عجرود في استضافة ضيوف الرحمن

05:12 م الجمعة 08 يوليو 2022


السويس - حسام الدين أحمد:


منذ دخول الإسلام مصر في القرن السادس الميلادي، وحتى نهاية تسعينات القرن العشرين، كانت قوافل الحجاج في مصر والمغرب العربي تمر من السويس محطتها الاخيرة وتنطلق منها في طريقها إلى الأراضي المقدسة، لأداء الفريضة الأعظم لدى المسلمين والتي تمثل التجمع الأكبر في العالم كل عام.

وفى السويس توفرت للحجاج سبل الراحة والمتاع، سواء خلال ضيافتهم في قلعة عجرود، أو مع مغادرتهم، حتى أصبحت السويس أول عتبة يخطوها الحجاج المصريين وأهل المغرب والأندلس وشمال أفريقيا، إلى جانب دور السويس في تحرير طريق الحج من قبضة القرامطة بعد توقف موسم الحج 20 عاما مع ضعف الدولة الإسلامية نهاية العصر العباسي.


تجمع الحجاج

قديما قبل أن يعرف الإنسان الطائرات والمركبات، كانت قوافل الحجاج تستخدم الجمال والخيل وسيلة للتنقل، تتحرك في رحلات من الإمارات الإسلامية بالمغرب العربي والأندلس وشمال أفريقيا، تتجه إلى مصر وتتجمع في القاهرة ومنها إلى خليج السويس لتنطلق قوافل الحجاج.

بعد عيد الفطر بأيام كانت قافلة الحجاج تتحرك من القاهرة إلى السويس في طرق ودروب عبر الوديان لمسافة تزيد عن 100 كيلو، حتى يصلوا إلى قلعة عجرود والتي تقع على مسافة 20 كيلو متر شمال غربي مدينة السويس، وكانت القلعة لتزويد الحجاج بالمؤن، ولحمايتهم، حتى خروجهم من السويس عتبة الحجاج إلى سيناء ومنها إلى العقبة ثم ينبع.


بيت للضيافة

كانت القلزم "اسم السويس قديما" نقطة الانطلاق وبوابة العبور إلى مكة، وكانت قلعة وخان عجرود من أهم محطات العبور والتزود بالمؤن والمياه قبل السفر في برا أو بحرا.

ويقول الدكتور سامي عبدالملك مدير عام آثار شرق الدلتا الأسبق إن قلعة عجرود ملأت شهرتها ملء السمع والبصر خاصة في كتابات من مروا بها من الرحالة المغاربة، والأندلسيين، فكانت نهلا وموردا رئيسا للمياه على طريق الحاج المِصري، تزود به كل الحجاج من مصر وأفريقيا والأندلس.

ويوضح الدكتور سامي الباحث المتخصص في القلاع وطريق الحج المصري، إن القلعة أنشئت في عهد المماليك، واشتملت قلعة وخان عجرود على العديد من المُنشآت المعمارية مختلفة الوظائف، فيوجد خان حصين للمسافرين، ومساجد وملحقات خدمية، وبئر وبِرَك وقنوات المياه، وجبانة لدفن المتوفين من الحُجاج.

ويوضح الخبير الاثري، أن فحص ما تبقى من أثار القلعة يوضح أن هذه المنشآت المعمارية لم تُشيد دفعة واحدة، المنشآت المائية كانت أقدمها، أما أول ما جرى انشاءه، كان الخان وكان لأجل تخزين ودائع وحاجات الحُجاج.


تجارة وحج

ويشير عبدالملك إلى أن عجرود كانت في ذلك الوقت بمثابة منهل رئيس، ومكانا لمبيت قافلة الحاج في رحلة الذهاب والعودة، وعلى طريق التجارة بين مصر وبلاد الشام، وتجارة الشرق العابرة عبر ميناء السويس وموانئ البحر الأحمر واليمن وشرق آسيا.

انهيار القلعة

تكاتفت عدة عوامل في تحديد مصير قلعة وخان عجرود، وانتهاء دورها، فقد تراجع دورها بعد عام 1883 م، عندما تغيرت وسيلة سفر القافلة من القاهرة إلى السويس وبدلا من الاعتماد على الخيل والجمال، ونقل كسوة الكعبة على جمل المحمل، حلت مكانها السكة الحديد.

ويكشف عبد الملك، أنه وفقا للسجلات الملكية فقد هجرت قوافل الحجاج قلعة عجرود بشكل شبه كامل ورسمي في عهد الخديوي إسماعيل عام 1863م، وجرى تعمير قلعة نخل والمويلَحَ والوجه، أما عَجْرُود فجرى إلغاؤها في تلك الفترة نظرًا لعدم الحاجة إليها بعد إنشاء وتدشين خط سكة حدِيد للقطارات فيما بين القاهرة وميناء السويس، وبدأ العمل في إنشائه عام 1856م ليمر بجوار القلعة.


استقبال الحجاج

كان لقوافل الحجاج استقبال خاص في السويس، يتحدث عنه، حسن أيوب الرجل الثمانيني، الذي شهد تلك الاحتفالات في صغره، ويقول إن وصول القافلة التي يتقدمها جمل المحمل كانت حدث هام لأهل السويس لا يقل عن استقبال العيد.
"كان للقافلة والمحمل استقبال رسمي عقب وصوله لمحطة القطار" يقول حسن ويضيف، كان يحضر الاستقبال حاكم السويس قبل أن تصبح محافظة، ومعه أعيان المدينة والتجار، وبعد وصول المحمل يطوف شوارع المدينة ويمر على مسجد الأربعين بشارع الجيش، ومسجد الغريب.
وكان الحجاج حريصين على الصلاة في مسجد الغريب، وقراءة الفاتحة للشهيد الذي خاض أول حرب ضد القرامطة الذي قطعوا طريق الحج.
ويشير إلى أن أهل السويس كانوا يمدون الحجاج بالمؤن والخبز واللحم المقدد، كانوا يغادرون في مراكب عبر ميناء السويس، متجهين إلى الأراضي الحجاز.

وكانت قوافل الحجاج تغادر عبر الفُلك من الميناء القديم عند كورنيش السويس القديم، أمام بيت المساجيري، وبعد إنشاء ميناء بورتوفيق عقب خفر القناة بـ 50 عاما، باتت تبحر السفن من الميناء الجديد بحضور شيخ الأزهر ووزير الأوقاف وكبار رجال الدولة لتوديع الحجاج.

القرامطة ومنع الحج

"نتيجة للمؤامرات، ومحاولات الأمراء الانفصال عن الدولة العباسية، ضعفت أركان الدولة وتشتت القوى الإسلامية، وأصبح هناك ثلاث دول تحكم العالم الإسلامي" يتحدث الدكتور محمد تهامي، الباحث السياسي والباحث في تاريخ المدينة، ويشير إلى أن تلك العوامل ساعدت على خروج القرامطة بثورة والسيطرة على طريق الحج.

ويشير إلى أن الدول الثلاث كانت الدولة العباسية كان مركزها في بغداد، وحكمها في ذلك الوقت الخليفة المستكفي، أما الدول الثانية فكانت الفاطمية واتخذت من الشام مقرا لها، مع وجود آخر لكيان الدولة في مصر بقيادة جوهر الصقلي، أما دولة الامويين فكانت في الاندلس، والتي تضم حاليا المغرب موريتانيا واسبانيا، وفي ذلك الوقت كانت الدولة الأموية في مرحلة انهيار.

ويوضح تهامي أن الدول الإسلامية الثلاث لم تقوى على التصدي للقرامطة، الذين ينتسبون إلى عبد الله بن قرموط مؤسس الحركة، وهم مذهب سياسي ديني، وكانوا يرون أن مناسك الحج من الجاهلية.

قتل 30 ألف حاج

ويستكمل أن القرامطة، قطعوا طريق الحج عام 317 هـ، وقتلوا الحجاج حول الكعبة، بعد أن دعا وقف زعيمهم ودعا أنصاره إلى قتل الحجاج وسرقة أموالهم متاعهم، ولم يرق قلبهم لتعلق الحجاج بأستار الكعبة فخضبوها بدمائهم.
ويضيف أن كتب التاريخ سردت أن عدد الذين راحوا في الهجوم على الكعبة ذلك العام، أكثر من 30 ألف ما بين حجاج وأهل مكة، ثم سبوا النساء وخلعوا باب الكعبة، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه وحملوه إلى مدينة هجر بالبحرين حاليا، والتي كانت مقرهم في ذلك الوقت.
ويقول تهامي أن الحج لبيت الله الحرام تعطل بسبب القرامطة أكثر من 10 سنوات، بعد قطع القرامطة طريق الحجاج على المسلمين، ثم بنوا دار بنفس مساحة مقاسات الكعبة المشرفة واسموها دار الهجرة ودعوا الناس للحج إليهم.

ظهور بن يعقوب
ويستطرد تهامي، أن نبأ غلق طريق الحجاج وقطع الطريق من السويس، انتشر في العالم الإسلامي، وتزامن ذلك مع انهيار دولة الأدارسة في المغرب، وضعف وهوان الدولة الأموية في بلاد الأندلس.
دفع ذلك "أبو يوسف بن يعقوب بن إبراهيم" للرحيل والهجرة إلى السويس لمحاربة القراطمة، وفتح طريق الحج الذي يسلكه المسلمين في أفريقيا، وفى رحلته خروجه من المغرب ومروره بتونس وليبيا ومصر، جمع معه عدد كبير من المجاهدين لمحاربة القرامطة.
يؤكد الدكتور تهامي أن سجلات التاريخية تكشف أن 30 عائلة نزحت مع أبو يوسف والذي لقبه الأهالي في السويس لاحقا بـ" عبد الله الغريب"، وجاءت تلك العائلات من المغرب إلى مصر بسبب انتشار الفقر بالتزامن مع بدء انهيار الدولة الاموية بالأندلس، واستقرت هذه العائلات في السويس فيما بعد وأشهرها حاليا عائلة المغربي والكاراني.
أقدموا سواسية
" أقدموا سواسية ترهبون عدو الله وعدوكم" وقف القائد المغربي وهو يردد تلك الجملة، في أول معاركه مع جيش القرامطة، الذين عرفوا بالوحشية والبربرية، وانتشرت أخبار ما فعلوه بالحجاج وقتلهم دون رحمة، وساهم ذلك في خلق أسطورة عنهم وأنهم لا يقهرون.
ودارت عدة معارك في منطقة الغريب بين جيش المسلمين بقيادة بن يعقوب، وبين القرامطة، وخسر المسلمين المعركة بعد إلحاق خسائر كبيرة بالقرامطة، بينما استشهد قائد الجيش في ليلة 17 ذي القعدة عام 320 هـ.
ودفن أبو يوسف ومن استشهد معه في أرض عرفت باسم " مقابر الشهداء السواسية" وهي منطقة الغريب الآن، ويلفت تهامي أن اسم السويس اشتق من مقولته أبو يوسف بن يعقوب" أقدموا سواسية"
توحيد الصفوف
كان لتلك المعارك أن تدفع المسلمين لتوحيد الصفوف وخوض حربا قوية ضد القرامطة، فبعد أن سيطروا على الشام، توغلوا في مصر مجددا، وتصدى لهم القائد جوهر الصقلي عام 362 هـ /973 م ، وألحق بهم شر هزيمة في بلبيس بمحافظة الشرقية، وعاد القرامطة إلى الشام، واستمرت المعارك معهم حتى أعادوا الحجر الأسود إلى الكعبة مرة أخرى.
الغريب عتبة الحجاج
بعد عودة قوافل الحج، جعل الحجاج زيادة قبر الغريب، من محطات الرحلة، وكان يوم 15 من ذي القعدة هو أخر يوم لمغادرة القوافل من السويس، وتحول ذلك التاريخ فيما بعد إلى مولد للغريب يزوره فيه الناس ولا يغادر أي حاج إلا بعد الزيارة والدعاء له.
وفقا للوحة تعريفية بمسجد الغريب، فإن أحمد بن طولون عهد إلى تغيير اسم المدينة، من القلزم إلى السويس، وبنى المسلمون مسجدا قرب قبر أبو يوسف بن يعقوب، وأطلق عليه مسجد عبد الله الغريب وذلك لعدم الاهتداء لأسم ذلك البطل، ثم خلال أعمال تجديد المسجد عثروا على لوح الرخامي المدون عليه اسمه وقصة استشهاده.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان