كان شاهدا على تاريخ الإسكندرية.. معاول الهدم تطال "نيو كريستال" (صور)

الإسكندرية – محمد عامر:

صمت رهيب عّم المكان، سكتت أصوات النرد، وتلاشى وقع كروت الدومينو على المنضدة، واختفى رنين الملاعق في الأكواب، سكون لا تكسره إلا أصوات السيارات على كورنيش الإسكندرية.

المكان بات خاليًا، فلا كراسي أو مناضد أو زبائن، وكأن كل شئ أجُبر على الرحيل من مقهى "نيو كريستال" العريق، الواقع على بعد خطوات من مقهى "التجارية" وفنادق "سيسل" و"وندسور بالاس".

"مُغلق للتجديدات".. لافتات عُلقت على أبواب ونوافذ مقهى "نيو كريستال" لتبرر الحال الذي صار عليه، لكن هذه ليست الحقيقة، فالمقهى الذي طالما قصده الأدباء والمشاهير والمفكرين في طريقه للهدم.

في مدينة كوزموبلاتينية متعددة الثقافات والحضارات كالإسكندرية، تتخطى المقاهي دورها كمكان لقضاء وقت الفراغ، لتصبح مركزًا ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، يلتقي فيه الجميع من كل الطبقات للانفتاح على الآخر.

حملات تحذير

لماذا سيتم هدم مقهى "نيو كريستال"؟ عنوان حملة على "فيس بوك" تحذر من المصير المشؤوم الذي ينتظر مبنى تراثي آخر في مدينة الإسكندرية الأكبر، بعدما باتت معاول ولوادر الهدم على مقربة منه.

إلى جانب تاريخ إنشاءه الذي يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، اكتسب مقهى "نيو كريستال" قيمته من مرتاديه وروداه من الأدباء والمشاهير والصحافيين، حيث يتذكر محمد المالحي، صحفي سكندري مهتم بالحركة الثقافية والفنية عندما التقى مصادفة المخرج الكبير خيري بشارة.

"كان يرغب وبشدة أن يصور داخله بعض مشاهد مسلسله "ذات" منذ عدة أعوام ورفض صاحب المقهي وقتها عرضه بالتصوير".. يقول المالحي واصفًا المقهى بأنه ملتقى الأجانب والفنانين والمثقفين الذين يبحثون عن "إسكندرية الزمن الجميل".

"على مقهى نيو كريستال في المنطقة ما بين محطة الرمل والمنشية قلب الإسكندرية تشعر بدفء الزمن الجميل من حكايات كبار السن من رواده، هنا استمتع أنا وغيري من رواده بمشهد المطر".

ويطالب "المالحي" المسئولين بالتدخل لوقف هدم المقهى العتيق، قائلًا: "إلى متى نقف مكتوفي الأيدي أمام لصوص يسرقون تاريخ مدينتنا ويهدمون ما تبقى من الزمن الجميل".

تراث معماري

أين المحافظ؟ أين المثقفين وجمعيات حماية التراث؟ لماذا تعطي رخصة هدم لسماسرة ومقاولين ليغتالوا الإسكندرية؟.. أسئلة طرحها حسين منصور، نائب رئيس حزب الوفد، وعضو الهيئة العليا، تعليقًا على كارثة هدم مقهى "نيو كريستال".

ويتفق "منصور" مع "المالحي" في ضرورة الضغط لمنع هدم عقار الإبياري الموجود به المقهى قائلًا: "نيو كريستال يتمتع بتراث معماري ترتاح له النفس وتسكن فيه الحياة لترى البحر والكورنيش والدنيا تتحرك من حوله".

"أن نترك المقاولون يهدمون العقار ذلك هو المعني الحقيقي للهزيمة والانكسار والتدمير".. قالها حسين منصور، نائب رئيس حزب الوفد، وهو يفقد الأمل في أن تحرك استغاثاتهم من هم بيدهم القرار.

في 31 ديسمبر الماضي، أصدر الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية، قرارا بإنشاء " الإدارة العامة للحفاظ على تراث الإسكندرية" في خطوة انتظر الجميع أن تحمي التراث الحضاري والتاريخي بالمحافظة، والارتقاء بالإسكندرية تراثيًا وفنيًا.. إلا أن ما يتعرض له المقهى العريق يؤكد أن تلك اللجان والإدارات لنتغير شيئًا على أرض الواقع.

الحي يعترف

وفي أول تعليق رسمي عن مصير مقهى "نيو كريستال"، اعترفت بهية عبدالفتاح، رئيس حي وسط الإسكندرية، بحصول ملاك العقار الموجود به المقهى والذي يحمل رقم 7 بشارع الإبياري على رخصة هدم للعقار.

وتابعت "عبدالفتاح" في تصريح لـ"مصراوي" قائلة: "الرخصة مازالت في المركز الذكي لخدمة المواطنين بالحي لم تصدر بشكل نهائي بعد، نظرًا لورود اعتراضات على هدمه".

وأضافت رئيس حي وسط، أن الحي لا يمكن له قانونًا أن يوقف أعمال الهدم نظرًا لأن العقار غير مدرج في مجلد التراث، رغم كونه يقع بالمنطقة التراثية المحظور بها الهدم.