لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مصراوي" في قرية الجماجم البشرية بأسيوط... وأهالي: "عضم التربة لازم يتصان"

12:11 ص الخميس 07 سبتمبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

أسيوط – أسامة صديق:

"مش احنا اللي نرمي عضم التربة في الزبالة يا أستاذ"، كلمات استقبل بها عجوز سبعيني مراسل "مصراوي" فور الحديث المتداول بمحافظة أسيوط عن العثور على "عظام وجماجم" بشرية في قرية "مير"، التابعة لمركز القوصية.

وعلى بُعد نحو 80 كيلو مترًا من مدينة أسيوط، وصولاً لقرية مير الجديدة بالظهير الصحراوي الغربي، وبعد قطع نحو ساعتين ونصف، كان "الدليل" الذي أبدى استعداده فور استقباله اتصالاً هاتفيًا من مراسل "مصراوي" في تمام الساعة 12 ظهرًا، ينتظره على مدخل القرية "بيت القصيد".

وبدأت الرحلة بخروج كل من "المراسل والدليل" من الأرض التي تزينت باللون النباتي الأخضر، إلى طرق صحراوية فرعية، مرورًا بمقابر، ثم وصولاً إلى طريق أسيوط – القوصية – القاهرة الصحراوي الغربي..

"هو ده المكان اللي لقيوا فيه العظام والجماجم".. قالها الدليل، وإذا بالطريق المهم الذي يمثل البوابة الغربية لمحافظة أسيوط، تحول إلى "مقلب" عشوائي للقمامة، والتي تكاد تزاحم السيارات في حرم الطريق، وعلى امتداد نحو كيلو متر تنبعث الروائح الكريهة وأعداد الذباب التي فاقت الوصف، وأنواع عديدة من القمامة، والتي تعد عند بعض التجار مصدرًا للربح، غير أنهم تركوها تزداد بين الفينة والأخرى.

وبين تفقدنا لأكوام القمامة، علّنا نجد أي أثر لتلك العظام والجماجم - التي جرى دفنها بمعرفة النيابة - اقترب منا شابان مترجلان يبدو أنهما من أهل القرية، وبعد التعارف من خلال دليلي الشاب الشهير بالقرية، سألهما مراسل "مصراوي": "شوفتوا حاجة من اللي كانت هنا من العظام والجماجم؟".

أجاب الأول "سيد" وهو شاب عشريني العُمر: "سمعت عنها.. وهذه أول مرة يعثر فيها على مثل تلك العظام" ورجح الشاب أنها استُخرجت بشكل عشوائي من مقبرة خارج نطاق المنطقة تمامًا.. قائلاً: "نحن هنا لدينا ما يكفينا من المقابر، وأنت ترى مدى اتساع الصحراء، فكل عائلة تملك ما يسد احتياجاتها من المقابر لموتاهم".. وتابع ووجهه يكسوه الغضب: "لا الدين ولا الأخلاق تقول كده".

أما الشاب الثاني ويدعى "صالح" والذي يبدو في العقد الثالث من عمره، فقال: "هذا الطريق هو أول طريق القوصية - القاهرة، وأي سيارة قادمة لا تجد طريقًا غيره لتسلكه"، ورجح بشكل كبير أن تكون تلك العظام والجماجم، حاول أحد الأشخاص ممن يستولون على الأراضي الصحراوية، بوضع اليد مثلاً، التخلص منها بعيدًا عن مكان إقامته، وبعد أن تحرك على الطريق الصحراوي الغربي ووصوله إلى تلك المنطقة، قرر إلقاءها.

وأشار الشاب إلى أن الدخان المنبعث من تلك القمامة ليلاً يحجب الرؤية تقريبًا، ورأى أنه لا مجال لهذا الشخص إلا أن يلقي الجوالات في تلك المنطقة، لأن بعدها سيجد منطقة مأهولة بالسكان.

وتابع: "لو كان هذا "المجهول" من أهل المنطقة لألقى بجوالاته في الصحراء الممتدة على جانبي الطريق، إلا أن "الغريب أعمى ولو كان بصير"، مؤكدًا وجهة نظره كون الطريق ليلاً لا يمكن أن تجد له أي ملامح؛ لأن الظلام الدامس يحيط بالمكان والدخان الكثيف الذي تزاد حدته مع أضواء السيارات الكاشفة.

عدسة "مصراوي" ذهبيت إلى أقرب منزل سكني بالمنطقة، وعلى بعد نحو كيلو مترا، أرشدنا "الدليل" للانعطاف بالسيارة يسارًا، حيث منزل وسط أراض مستصلحة للزراعة لأسرة مكونة من 7 أفراد.

وفور استقبال بالغ الحفاوة يدل على بساطة أهل المنزل ومبادئهم، تجاذبنا أطراف الحديث، وتبين من خلاله أنهم فوجئوا بالشرطة وهي تمشط المكان ذهابًا وإيابًا والدخول في عمق الأراضي الصحراوية بحثًا عن حفر أو تنقيب عن الآثار، غير أنهم لم يجدوا شيئًا، فيما تبين بعد ذلك أنهم يحققون في العثور على جوالات تحوي عظامًا بشرية.

وبجملته التي قربت كل المسافات بيننا في الحديث والتي باغتني بها قال محمد البسطاوي، وهو عجوز سبعيني: "مش إحنا اللي نرمي عضم التربة في الزبالة يا أستاذ" واستكمل قائلا: "اتربينا إنه عضم التربة لازم يتصان، وحتى لو حد عايز يوسع على نفسه ويبني مقابر جديدة، بياخد العضم بكل احترام ويحفر له حفرة ويحطه ويردم عليه.. ومحدش يبني ولا يمشي من فوقه، دينا وتربيتنا علمونا كده".

ومن الروايات التي قصها خلال جلسة امتدت ساعة ونصف معه وأسرته، أنه في عام 2005 جاءت لجان لتنفيذ "مجسات" أرضية لمعرفة مدى صلاحية التربة للزراعة أم لا، وفوجئوا أثناء الحفر بعمق نحو متر ونصف، بوجود مئات الجثث التي أرجعوها حينها للرومان، نظرًا لطول قاماتهم وكبر حجم جماجمهم، وجرى تسوية وردم تلك المنطقة بالكامل احترامًا لتلك الجثث، ومنذ ذلك اليوم لم يسمعوا عن أي شخص وجد عظامًا أو ما شابه.

وتكثف مباحث أسيوط من جهودها للكشف عن مصدر "عظام وجماجم" بشرية في 16 جوال عثر عليها أهالي عن طريق الصدفة يوم 23 أغسطس الماضي، بقرية مير التابعة لمركز القوصية، لا سيما بعد العثور على جوالين آخرين في ذات المكان اليوم الأربعاء.

وكان اللواء جمال مصطفي شكر، مدير أمن أسيوط، تلقى إخطارًا من شرطة النجدة، يفيد العثور على "جوالات" بها عظام بشرية مجهولة، بعدها أخطرت النيابة العامة التي أمرت بدفنها في مقابر الصدقة التابعة للوحدة المحلية بمركز القوصية.

وأوضح مصدر أمني بمديرية أمن أسيوط، أن التحريات التي أجراها ضباط المباحث، أكدت تنظيف أحد المواطنين إحدى المقابر الخاصة، وتجميع القمامة والمخلفات وبعض الرفات والعظام لجثث قديمة في المقبرة وإلقائها خارج التربة بالقرب من الطريق العام بجوار مقلب قمامة، يضم مخلفات المنازل، انتظارًا لقيام عمالة مجلس المدينة بتجميعها وإزالتها.

وأهاب المصدر بالمواطنين عدم الركض وراء الشائعات التي من شأنها أن تبدد السلم العام وتؤثر سلبًا على حياة المواطنين بإثارة الرعب والفزع في نفوسهم.

وقالت هويدا الشافعي، رئيس مركز ومدينة القوصية، لـ"مصراوي"، إنه فور العثور على تلك العظام والجماجم، جرى دفنها بعد استئذان النيابة العامة، وللآن لم يتم التوصل إلى مصدر تلك العظام، في الوقت الذي تواصل الجهات الأمنية التحقيق.

وأشارت إلى أنه جرى العثور على جوالين آخرين، اليوم الأربعاء، تحويان عظامًا بشرية وفي انتظار قرار النيابة العامة لدفنهما.

من جهته، قال راشد أبو العيون، عضو مجلس النواب عن مركز القوصية: إن هناك عدة روايات بين أهالي القرية عن الحادث، بعضها يقول إن الجثث تخص عائلة واحدة كان بينهم نزاع، فاستخرج البعض الجثث من المقبرة وألقوها على الطريق، ثم قام الآخرون بالرد عليهم انتقامًا منهم.

أما الرواية الثانية، والتي توافق قول الشاب الثاني، فتفيد باستصلاح أرض صحراوية، وأنه أثناء استخدام معدات الحفر ظهرت مجموعة من الجثث من الأرض، وألقوها في المكان الذي وُجدت فيه.

فيديو قد يعجبك: