لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- "مسجد باسيلي".. تحفة معمارية شيدها مسيحي أحبه المسلمون

11:19 م الأحد 20 أغسطس 2017

الإسكندرية - محمد البدري:

منذ عقود طويلة عرفت مصر كيفية التعايش بين مسيحييها ومسلميها، بصورة بلغت في بعض الأوقات حد التشابه في العادات والتقاليد، ووسط ذلك برهن البعض على تسامحهم بمواقف فاقت التوقعات، عل أبرزها حكاية عائلة باسيلي الشهيرة في الإسكندرية مع المسجد الذي عُرف باسمها في منطقة الورديان بمينا البصل.

يرجع تاريخ المسجد إلى عائلة باسيلي، وعميدها رجل الأعمال الشهير أسعد باشا باسيلي، الذي أثرى الحياة الاقتصادية في مصر، ولم يمنعه التزامه الديني بالمسيحية عن المساهمة في بناء المسجد احترامًا للإسلام في خمسينيات القرن الماضي.

تجولت عدسة مصراوي بين أركان المسجد الشهير الذي لا يزال يحمل لافتة باسم مؤسسه، والتقى عددًا من أهالي المنطقة الذين عاصروا تاريخ تأسيسه وحكوا ما يعرفوه عن هذا الصرح ومؤسسه وسبب بنائه.

تحفة معمارية

ما إن تطأ قدمك داخل المسجد وتبدأ عينيك دون إرادة في النظر إلى مجموعة من الزخارف الإسلامية الذي لا تظل محتفظة بألوانها، بدءًا من نقوش منبر الإمام وكرسي المقرئ، مرورًا بالزجاج الملون الذي زينت به النوافذ لتعبر من خلالها أشعة الشمس وتضئ المصلى بالكامل، وصولاً إلى قبة المسجد التي يسمح تصميمها بإنارة نقوشها الإسلامية التي زينت سقف القبة وما حولها.

يقول الدكتور إسلام عاصم، نقيب المرشدين السياحيين في الإسكندرية، إن المسجد يعد تحفة معمارية بسيطة المظهر الخارجي إلا أنه في الداخل في أروع حُلة بأرضيته ومحرابه وحوائطه المصنوعة من الرخام والفسيفساء، والمنبر والسقف المشيد من الخشب المحفور والمُطعم بالعاج، فضلاً عن النجف المصنع خصيصًا للمكان والفريد في زخرفته التي اعتمدت في نقشها التفريغ، الذي يُبرز الآيات القرآنية في شكل دائري.

والمسجد مُسجل في مجلد التراث بصفته مسجد ذو طابع معماري متميز، وأكبر الظن أنه من بناء مهندس مصري من تلامذة المعماري الإيطالي ماريو روسي، وفق ما يشير نقيب المرشدين.

دليل على التسامح

ويحكي نقيب المرشدين عن تاريخ المسجد، قائلاً: "المجتمع السكندري كان متآلف ومتسامح إلى أقصى درجة، لذا لم يكن هناك أي تناحر أو حساسية من الجهة الدينية، وهذا المسجد أكبر دليل على تقبل الآخر والتعايش المتناغم وجو التسامح الذي كان يغطي المدينة".

ويضيف أن أسعد باشا باسيلي وجد أنه من المصلحة العامة إنشاء مسجد لعماله والمقيمين في محيط شركته لعدم توافر مسجد قريب من مكان شركته، وهنا حفظ الناس الجميل وأطلقوا اسمه على المسجد، ولم يتأففوا من ذلك بالرغم من تغير اسم الشركة بعد فترة التأميم.

ويقول الحاج عبده العريان، وهو من رواد المسجد الأوائل وكان شاهدًا على افتتاحه في خمسينيات القرن الماضي: "شيد هذا المسجد على قطعة أرض خصصها أسعد باشا باسيلي من أصول شركة الأخشاب التي يملكها بمنطقة الورديان لخدمة عمال الشركة وأهالي المنطقة في أداء الصلاة على مدار اليوم، وذلك لأن العمال كانوا يقضون فترات طويلة للوصول إلى أحد المساجد البعيدة عن المنطقة في هذا الوقت وكان صاحب الشركة يريد الحفاظ على انتظام العمل دون التأثير على شعائر المسلمين".

ويضيف الشيخ ذو السبع وسبعين عامًا: "أكبر دليل على احترام هذا الرجل القبطي الطيب المسلمين أنه كان بإمكانه بناء زاوية صغيرة أو الاكتفاء بمصلى عادي لا يحتاج سوى لبعض السجاجيد إلا أنه استعان بأمهر مهندسي المعمار في هذا الوقت واستخدم أفضل القطع الفنية التي تضاهي أعرق المساجد في مصر ولم ينس أيضًا أن يترك مساحة كافية لتشجيرها لتكون واجهة للمسجد تزيد من روحانيات المكان".

ويشير الحاج عبده إلى أن أسعد باسيلي لم يشهد افتتاح المسجد لأنه أمر ببنائه وتوفي قبل انتهاء أعمال إنشائه، مضيفًا أن أسعد لم يكن يريد إطلاق اسمه على المسجد احترامًا لمشاعر المسلمين وأراد أن يكون اسمه مسجد شركة الأخشاب إلا أن رواد المسجد أسموه باسيلي تقديرًا واعتزازًا بما فعله مشيده.

أول مولد نبوي

الحاج السيد إبراهيم، أحد حضور افتتاح المسجد، يروي أيضًا عن المسجد قائلاً: "عائلة باسيلي أكدت على احترام المسلمين في أكثر من مناسبة من بينها أنهم استعانوا بأحد كبار قارئي القرآن الكريم في مصر والشرق الأوسط في هذا الوقت لإحياء ليالي المولد النبوي الشريف، إذ كانت تتم دعوة الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد لتلاوة الآيات القرآنية في سرادق كبير أمام المسجد ليستوعب عدد الحضور التي كانت تأتي من كل مكان".

التأميم أزال اسم "باسيلي" والأهالي أعادوه

ويضيف الحاج السيد ذو الواحد وثمانين عامًا، قائلاً: "بعد مرور سنوات قليلة على إنشاء المسجد تم تأميم مسجد باسيلي ضمن أملاك رجل الأعمال الشهير في الإسكندرية، وتسبب ذلك في تعمد طمس اسم باسيلي من لافتة لصقت بأحد جوانب منبر الإمام لتتحول عبارة صغيرة: (بناه أسعد باسيلي) إلى (بني في عهد رجال الثورة)، دون الإشارة إلى موقف الرجل في حق العمال المسلمين، إلا أنه مع ذلك حافظ أهالي المنطقة على ترديد اسم باسيلي وفرضوا اسم مؤسسه على المسجد بدلاً من اسم مسجد الشركة التجارية للأخشاب الذي فرضته إدارة الدولة في وقت سابق".

حنين إلى الماضي

ويؤكد رواد المسجد القدامى أنه رغم مرور أكثر من 70 عامًا على تأسيس المسجد إلا أن بعض من تبقى من أبناء عائلة باسيلي لا يزالون يترددون بين الحين والآخر على المسجد والشركة، إذ لم تمنعهم المسافة التي يقطعونها من بلادهم التي يقيمون بها حاليًا من المجيئ إلى مصر بصفة غير منتظمة للزيارة، وكانت آخر هذه الزيارات منذ نحو 10 سنوات، وفق روايات الأهالي.

من هو أسعد باشا باسيلي

بحسب وثائق محفوظة بمكتبة الإسكندرية، ولد أسعد باسيلي في بلاد الشام أواخر القرن التاسع عشر لأسرة ذات أصول يونانية، والتحق في طفولته بمدرسة الطائفة الأرثوذوكسية التي عززت من تدينه بالديانة المسيحية، ثم تلقى دروسًا في الأدب على يد عدد من كبار العلماء منهم الشيخ عبد القادر المغربي رئيس المجمع العلمي السابق بسوريا، والكاتب فرح أنطوان والأديبان جورجي وصموئيل يني، وعرف عنه أنه مثقف حسن الخلق يملك عقلية تجارية فذة.

وفي مستهل القرن العشرين، هاجر أسعد باسيلي إلى مصر، بحثًا عن فرصة للتعبير عن آرائه والبحث عن متنفس أوسع للحريات، وكانت حركة تجارة الأخشاب لتغطية متطلبات البناء نشطة في تلك الفترة فاستغل الفرصة وعاد إلى بلده لإقناع شقيقه بإنشاء فرع لشركتهم في مصر، حتى تم إنشاء شركة الأخشاب خاصته في منطقة الورديان غربي الإسكندرية، وفي غضون سنوات استطاع باسيلي أن يوسع حجم تجارته لتكون على المستوى الدولي وبلغت وارادات شركته ضعف ورادات جميع تجار الأخشاب في الإسكندرية، بسبب ما عرف عنه بحسن الخلق والأمانة في المعاملة.

ساهم أسعد باسيلي في النهوض بمستوى الغرفة التجارية بالإسكندرية بعد أن طلب منه مؤسسيها الانضمام إليهم إيمانًا بقدراته التجارية، حتى انضم إليهم وشاركهم بالعديد من الأفكار الاقتصادية التي أثرت مسيرة الغرفة، إلى أن وصل لمنصب وكيل الغرفة التجارية بعد أن رفض تولي منصب إدارتها لقناعته بعد صلاحيته بالمنصب واستمر في أعماله إلى أن توفي وهو في العقد السابع من العمر.​

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان