مصراوي داخل قرى التمهيد لرحلات الموت
الدقهلية- رامي محمود:
ميت الكرما وبساط قريتان من ضمن قرى في محافظة الدقهلية التي تعد من أكثر الأماكن التي ينطلق شبابها صوب أوروبا خصوصا إيطاليا واليونان عبر مراكب الهجرة غير الشرعية. الكثير من الأهالي يأملون في قطع تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر المتوسط بحثا عن الثراء كما فعل كثيرون من نفس المنطقة.
تلك القرى البسيطة أصبحت ذات النصيب الأكبر في غرق العديد من أبنائها في مياه البحر المتوسط خلال رحلات هجره غير شرعيه أو كما يسميها المجتمع الآن - رحلات الموت- إلا أن معظم الشباب الحالم بالسفر أكدوا أنهم سيواصلون المحاولات حتى ينجحوا أو يموتوا قبل وصولهم إلى إيطاليا أو اليونان حيث الأمل يتملكهم في الوصول للجانب الآخر.
يقول محمد عبدالرحمن، أحد أهالي قرية ميت الكرما لمصراوي، إن "السماسرة معرفون لدينا، لكن نحن بطبيعتنا القروية لا يمكن الإفصاح عنهم وتسليمهم خاصة انهم أشخاص يساعدون أبنائنا في تحقيق أحلامهم".
وأضاف أن "ما حدث من غرق أو غيرة ليس للسمسار أي ذنب فيه؛ خاصة أنه وسيط يعمل على تسهيل السفر، لكن خطأ بعض الأشخاص يؤدى إلى كوارث مثلما حدث في قارب رشيد"، والذى راح ضحيته المئات نتيجة الحمولات الزائدة وعدم صبر الشباب في انتظار مراكب اخرى وسعيهم إلى الوصول سريعا إلى أوربا.
والقرية هي من بين الأكثر فقدانا لأبنائها الذين ابتلعتهم مياه البحر. وقد ودعت حمد أحمد سعد وفا، أحد ضحايا مركب رشيد التي غرقت قبل عدة أيام قبالة السواحل المصرية عند مدينة رشيد، والتي قتل فيها أكثر من 200 شخص معظمهم مصريين.
والذي وصل عدد ضحايا غرق المركب حتى الآن إلى 165 غريق فيما تم إنقاذ 158 شخصا ولازال هناك أكثر من 200 مفقود وتم العثور على جثمانه ودفنه بمسقط رأسه بالقرية إلا ان الأهالي يرفضون الإفصاح عن السماسرة او مساعدة اجهزة الامن للوصول إلية خاصة بعد قيامهم أول أمس بإخفائه بعدد من المنازل حتى لا يتمكن الأمن من الوصول إليه.
وهناك العديد من سماسرة الهجرة غير الشرعية أو تجار البشر في القرية. ويرفض الأهالي الكشف عنهم أو مساعدة أجهزة الأمن في القبض عليهم، حيث ينظر الأهالي إليهم على أنهم "كنز" أو "مصباح علاء الدين". وقال بعض سكان القرية "البعض أخفوا سماسرة في منازل الأهالي عن أعين الأمن".
أكدت مصادر مقربه من هؤلاء السماسرة أن تكلفة السفر للشخص تتراوح من 20 ألف حتى 50 ألف جنيه حسب حالة الشاب الحالم بالسفر إلى أوروبا والدولة التي سيسافر إليها حيث يتم القيام بدفع مقدم المبلغ إلى السمسار ثم يقوم بتوزيعهم على طرق الهجرة غير الشرعية حسب مقدرتهم المادية فلكل طريق سعره حسب كم المخاطر الموجودة.
وأوضحت أن طريق رشيد هو الأقل سعرا لان نسبة نجاح لا تتجاوز 25 في المئة، ولهذا فسعرها منخفض ولا يتجاوز 30 ألف جنيه حيث يمكث هناك الشخص لحين ترتيب الإجراءات وتجهيز المركب وقبل السفر يقوم بدفع باقي المبلغ.
فيما يؤكد عدد من الشباب الحالم بالهجرة أنهم رغم متابعتهم لحوادث الهجرة غير الشرعية المتكررة التي راح ضحيتها مئات الشباب في البحر إلا أنهم اتخذوا القرار بالسفر، مضيفين أنهم رغم ظروفهم المادية البسيطة إلا أنهم يضطروا للاستدانة على أمل تسديدها فيما بعد والبعض الآخر من قرى ريفيه يمتلك أهله قطعة أرض زراعيه يضطر لبيعها لدفع مصاريف السفر.
مصرواي التقى مع أحد ضحايا الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا. أحمد محمد الصاوي، 26 سنة، من قرية ميت الكرما، حاصل على ليسانس آداب، قسم وثائق ومكتبات ومعلومات. حاول السفر إلى والده، سائق القطار السابق، الذي هاجر إلى إيطاليا قبل ست سنوات بعد أن ضاق به الحال.
تواصل الصاوي مع أحد تجار البشر حتى يرتب سفره بحرا إلى حيث والده، غير أن محاولاته باءت بالفشل، جراء الاجراءات الأمنية المشددة، على ما يقول لمصراوي.
يقول الصاوي إن أحد تجار البشر اتفق معه على أن يتم تهريبه إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا في مقابل 30 ألف جنيه، مضيفا أنه جهزه أوراقه وسافر إلى ليبيا.
وتابع "هناك التقيت بالعديد من المصريين بعد ان اختبأنا بهنجر على البحر بمدينة بنغازي ومن هناك ركبنا زوارق مطاطية صغيرة لمراكب بعرض البحر إلا أننا بعد أكثر من 5 سعات فوجئنا بمن يعترضنا وأطلقوا طلقات تحذيرية تجاه المركب وتم إلقاء القبض علينا وتسلمينا الى السلطات المصرية".
عاد الصاوي ومن معه إلى حيث أتوا وقد ضاعت أموالهم التي دفعها لمهربي البشر.
وتعتبر الدقهلية الأكثر بين محافظات الجمهورية تصديرا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا كما أن تلك القرى تشتهر بالهجرة إلى ايطاليا واليونان حتى أصبحت تسمى بمدن إيطاليا مثل قرية ميت الكرما التابعة لمركز طلخا والتي تسمى بين أبناء الدقهلية بميلانو لكثرة عدد الشباب المهاجرين منها إلى إيطاليا.
عبد السلام أحمد، 22 سنة، حاصل على دبلوم ثانوي صناعي، يقول إن حلم الهجرة إلى أوروبا بات مستحيلا خاصة بعد غرق مركب رشيد.
وقال أحمد إن البعض يتجه الآن إلى السفر إلى كوريا الجنوبية عبر سماسرة يسفرون الشباب إلى الصين على أنهم مستودون، ومن هناك إلى كوريا الجنوبية.
وقال "عشرات من الشباب غادروا ووصلوا والآن يعملون بعدد من مصانع السيارات هناك".
فيديو قد يعجبك: