لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- تاريخ مصر للبيع في مزاد علني.. قنصلية إيطالية ببورسعيد

09:16 م الإثنين 11 يوليو 2016

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بورسعيد - طارق الرفاعي:

"تاريخ مصر يُعرض للبيع في مزاد علني".. لم تكن تلك الجملة "آفيش" فيلم جديد، ولا هي مزحة سخيفة قُصد منها إثارة متلقيها، وإنما الحقيقة إذ فوجئ أهالي محافظة بورسعيد بمنشور متداول على موقع التواصل "فيسبوك" للسفارة الإيطالية في القاهرة، تُعلن عن مزايدة لبيع عقار مملوك للدولة الإيطالية قنصليتها أو "المدرسة الإيطالية" كما المعروف عن المبنى الكائن في شارع 23 يوليو الشهير بالمدينة الساحلية.

نبأ تلقاه الجميع هنا بالصدمة والتعجب، خاصة وأن المبنى قيمة كبيرة تُهدر بهدمه، وهو شاهد على تاريخ مصري عتيق للمدينة يسرد ما مرت به من أحداث أثرت في تاريخ وطننا.

تاريخ بنته سيول من الهجرة
كان لحفر وافتتاح قناة السويس في القرن الناسع عشر دور كبير في سيول هجرة الأجانب إلى مصر ووجود جاليات كبيرة العدد منها، وبذلك نشأ ما يُسمى بالمصالح الأجنبية التي أصبحت عنصرًا قويًا وهامًا مؤثرًا في الاقتصاد والحياة الاجتماعية المصرية، ألقى أعباءه على كاهل الدولة لحماية هذه المصالح.

وكانت بورسعيد مثال للمدينة التي تعج بمختلف الجنسيات، خاصة وأن شركة قناة السويس استقدمت في بداية تأسيسها الكثير من الأوروبيين من الجنسيات الفرنسية واليونانية والإيطالية والنمساوية والمالطية والعثمانية وغيرها، واستمر عمل معظم هؤلاء في بورسعيد بعد انتهاء الحفر وافتتاح القناة وحتى يوم تأميمها.

في 16 سبتمبر من العام 1866 عُين أول مأمور لقنصلية إيطاليا في بورسعيد، وفي أغسطس من العام 1867 نُقل مأمور قنصلية إيطاليا في دمياط إلى بورسعيد لخبرته التي تطلبتها المصالح المختلفة للإيطاليين، ثم لسبب أو آخر أحيلت أعمال هذه القنصلية إلى وكيل قنصل إنجلترا اعتبارًا من نوفمبر من العام 1868، ولكن ما لبث أن عُين أحد الإيطاليين لهذه الوظيفة في نوفمبر من العام 1869 ثم رُقي من مأمور إلى وكيل قنصل اعتبارًا من تاريخ أكتوبر من العام 1877.

امتيازات وصلت حد الدولة

ومع وجود الجاليات كثيرة العدد ظهرت الآثار الجانبية التي كانت تؤثر سلبًا أحيانًا وتعكر صفو المجتمع البورسعيدي، وكان للأجانب في مصر وقتها امتيازات كانت تتعارض في أغلبها مع القوانين المصرية وتتجاوزها أحيانًا كثيرة، إذ كانوا يرفضون مثلاً المثول أمام ديوان ضبطية بورسعيد لإجراء التحقيق الابتدائي مع المتهم منهم فيما ارتكب من مخالفات أو ما وقع من اعتداءات، كما لم يمتثل أحد منهم لأوامر الحكومة المصرية وعلى الدوام.

ولعل من أشهر الأزمات رفضهم القانون المصري -في ذلك الوقت- الذي كان يجبر المترجلين على حمل الفوانيس ليلاً أثناء مسيرهم بالطرقات، وكان من بين المخالفين لهذا القانون في واقعة شهيرة أربعة من الإيطاليين، اعترض وكيل القنصل الإيطالي على حبسهم لارتكابهم هذه المخالفة، مطالبًا بإلغاء القانون أو إضاءة البلدة في الليل بصفة مستمرة، وهو الأمر الذي يدل على كيف عاش الإيطاليين في حماية قناصلهم وتمتعوا بامتيازات وصلت إلى حد المطالبة بإلغاء قوانين الدولة المصرية.

ثاني أقدم مدرسة ببورسعيد

ارتبط اسم القنصلية الإيطالية بالتعليم في بورسعيد، إذ أسست المدرسة الإيطالية في العام 1889 داخل مبنى القنصلية في شارع 23 يوليو وصلاح سالم، لتصبح ثاني أقدم مدرسة بالمحافظة ضمن سلسلة من مدارس الجاليات الأجنبية التي أسست بالمدينة وكان منها: المدرسة اليونانية الملحقة بالكنيسة اليونانية في شارع الثلاثيني، ومدرسة ليسيه الحرية، ومدرسة الراهبات الفرنسسكان.

القانون المصري يمنع الهدم

من جانبه، قال طارق إبراهيم، مدير عام الأثار في بورسعيد، إن مبنى القنصلية وما يماثله من مبان تراثية تابعة للتنسيق الحضاري، والقانون يمنع هدمها، مضيفًا أن البيع لا يعني الهدم، وأن القانون يفرض موافقة لجنة التنسيق الحضاري على الهدم و"هذا غير وارد على الإطلاق"، فيما استشهد بنموذج القنصلية الأمريكية في المحافظة، والتي اشتراها أحد الأفراد ولم يستطع هدمها لأنها تابعة للتنسيق الحضاري.

وأوضح إبراهيم، لمصراوي، أن القنصلية بُنيت خلال الفترة من العام 1907 إلى العام 1913، مشيرًا في حديثه عن تاريخ المبنى إلى صورة لنصب تذكاري كُتب عليه أسماء 20 جنديًا إيطاليًا من الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، ودون تحت أسمائهم بالإيطالية جملة: "من أجل الذين لبوا نداء الوطن وضحوا بأرواحهم من أجل إيطاليا العظمى".

كما لفت مدير عام الأثار بالمحافظة إلى أن مبنى القنصلية يضم كنيسة بالنظام القوطي داخلها قصر القنصل، تحت اسم "دنبوسكو" مؤسس مجموعة مدارس منها المدرسة الملحقة بالقنصلية، والتي توجد فروع لها في الإسكندرية والقاهرة.

وهنا.. تبقى لأهالي بورسعيد كلمة: "صحيح أن القانون يمنع هدم المباني الأثرية، وصحيح أن مبنى القنصلية أرض إيطالية، إلا أن تاريخ مصر يقبع داخلها، وتاريخ مصر غير قابل للبيع".

فيديو قد يعجبك: