كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
بي بي سي
بعد يوم من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، أطلق دونالد ترامب تصريحات تخص قطاع غزة متحدثاً عن إمكانية إعادة إعماره بصورة "رائعة"، فيما يستمر صمود وقف إطلاق النار في الجيب الساحلي بين إسرائيل وحماس.
وقال ترامب عقب عودته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، "رأيت صورة من غزة، إنها فوضى حقيقية"، لكنه قال إن القطاع يمكن أن يشهد عملية إعادة إعمار "رائعة" إذا مضت الخطة قدماً.
وفيما أفاد تقييم للأمم المتحدة بأن 69 في المئة من مباني القطاع متضررة أو مدمرة، أشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن نسبة الدمار وصلت إلى 88 في المئة.
وستكلف عملية إعادة الإعمار مليارات الدولارات وستستغرق سنوات استناداً إلى تقديرات أممية وفلسطينية.
"قيمة تجارية محتملة"
وعندما طُلب من ترامب، رجل الأعمال في مجال العقارات، التعليق على إمكانية المساهمة في إعادة إعمار غزة، قال إنه "ربما" يشارك في ذلك، متحدثاً عن "موقع غزة الفريد على البحر وطقسها الرائع.. يمكن القيام بأمور رائعة فيها" و"لا بد من إعادة بنائها بطريقة مختلفة".
وقالت الباحثة في معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة، كارولين روز، لبي بي سي، إن "تعليق ترامب يشير إلى القيمة التجارية المحتملة للقطاع التي يمكن أن تعزز الاقتصاد الإسرائيلي وليس إعادة بناء المجتمعات الفلسطينية داخل القطاع".
وأضافت روز أن تصريحات ترامب "تشير أيضاً إلى ضوء أخضر محتمل ستقدمه إدارته لإسرائيل لمزيد من عمليات ضم للأراضي المتنازع عليها مثل قطاع غزة والضفة الغربية".
وألغى ترامب العقوبات المفروضة على مستوطنين إسرائيليين ضالعين في أعمال عنف في الضفة الغربية المحتلة، ملغياً إجراء غير مسبوق اتخذته إدارة الرئيس السابق جو بايدن. وجاء قرار ترامب ضمن قرارات عدة اتخذها بعيد ساعات من تنصيبه.
مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، قال لبي بي سي، إن "حديث ترامب عن إعادة الإعمار يجب أن يقترن بخطوات عملية لإزالة الاحتلال من الأراضي الفلسطينية ولرفع الحصار الظالم وضمان حرية الحركة للشعب الفلسطيني والبضائع".
وعلى الرغم من دعم ترامب إعادة إعمار القطاع، إلا أنه شكك في قدرة صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري.
ويشمل بنود الاتفاق، الذي لعبت الولايات المتحدة وقطر ومصر دور الوساطة فيه، على 3 مراحل تنص إحدى النقاط في آخر مرحلة على إعادة الإعمار.
والبند يشير إلى بدء تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة على مدى 3 إلى 5 سنوات، ويشمل ذلك المنازل والمباني المدنية والبنية التحتية، إضافة إلى تعويض المتضررين كافة، بإشراف عدد من الدول والمنظمات الراعية للاتفاق.
"إعمار مرتبط بالإخلاء"
وفسّر المختص في العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية، أحمد سيد أحمد، لبي بي سي، حديث ترامب بإعمار غزة بطريقة مختلفة بتحويل القطاع إلى "مكان أشبه بدبي أو سنغافورة" عبر إقامة فنادق ومنطقة اقتصادية عالمية.
ويطل قطاع غزة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وقبالة سواحله الغنية بالغاز.
وتلا تعليقات ترامب بشأن إعادة الإعمار، تصريحات عن رغبته في نقل أهالي القطاع إلى مصر والأردن، في خطة تهدف إلى "تطهير" القطاع على حد قوله، علماً بأن القاهرة وعمّان تعارضان تهجير الفلسطينيين.
وقال ترامب إنه "يود أن ينقلهم للعيش في منطقة حيث يكون بإمكانهم العيش بدون اضطرابات وثورة وعنف". أضاف "أتعلمون، عندما تنظرون إلى قطاع غزة، كان جحيماً لسنوات عديدة. وكان هناك دائماً عنف مرتبط به".
وأفاد بأن نقل سكان في غزة يمكن أن يكون "مؤقتاً أو طويل الأجل".
ورأى أحمد وهو باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الإعمار "مرتبط بشرط ترامب ووفق منظوره بإخلاء جزء كبير من سكان قطاع غزة ونقلهم إلى خارجه"، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي يسعى من خلال هذا الحل إلى "ألا تتكرر مرة أخرى المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية".
وخاضت إسرائيل وحماس حروب عدة منذ عام 2008 بعدما سيطرت الحركة على قطاع غزة.
وقوبل مقترح ترامب بتأييد إسرائيلي ورفض فلسطيني.
ووصف وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الاقتراح "فكرة رائعة". وفي المقابل، قال الثوابتة إن المقترح في هذا التوقيت يعد "تماهياً مع مساعي الاحتلال الإسرائيلي المعلنة خلال العدوان بتهجير" الفلسطينيين.
وكان صهر ترامب الذي كان موظفاً في البيت الأبيض، جاريد كوشنر، اقترح في فبراير/ شباط، بأن تخرج إسرائيل المدنيين من غزة لإطلاق العنان لإقامة مشاريع عقارية على الواجهة البحرية.
وقال أحمد إن "غزة، وفق ترامب، منطقة اقتصادية وسياحية وطقسها جيد وفيها ثروات من الغاز، يمكن أن تكون مقراً مع إفراغ القطاع من سكانه، وهذا يعني سيحقق السلام" من وجهة نظر الرئيس الأمريكي.
لكن أحمد قال إن مقاربة ترامب ستصطدم بـ "تحديات كبيرة وصعبة" لأنها تعكس "عدم إدراك ترامب لتعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي".
وقال إن ترامب "ينظر من منظور بسيط لهذا الصراع، ولا يدرك أن الفلسطينيين يرتبطون بالأرض، وإنهم تعرضوا لنكبات ونكسات، وأن إخراجهم من قطاع غزة يعني عدم عودتهم إليه مرة أخرى وتصفية القضية الفلسطينية".
ويشابه طرح ترامب الحالي مع خطته لإحلال السلام في الشرق الأوسط خلال ولايته الأولى التي عرفت باسم "صفقة القرن" التي لم تر النور، وفق ما قال أحمد.
"دمار غير مسبوق"
وخلال الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس قبل 15 شهراً، تسبّب القصف الإسرائيلي للقطاع الفلسطيني بقدر من الدمار "غير مسبوق في التاريخ الحديث"، بحسب الأمم المتحدة.
أظهرت تقديرات المنظمة الدولية أن إعادة إعمار قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب، سيحتاج إلى مليارات الدولارات. وقالت إن "سرعة وحجم القتل والدمار في قطاع غزة غير مسبوقين في التاريخ الحديث".
بحسب آخر تقييم للأضرار أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، فإنّه حتى الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تضرّر أو دمّر ما يقرب من 69 في المئة من مباني القطاع، أي ما مجموعه 170,812 مبنى.
وتقول منظمة العفو الدولية إنّ أكثر من 90 في المئة من المنشآت المبنية على مساحة تزيد عن 58 كيلومتراً مربّعاً والواقعة على طول الحدود بين القطاع الفلسطيني وإسرائيل، "دمّرت أو تضرّرت بشدّة" على ما يبدو بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ومايو/ أيار 2024.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإنّ إعادة إعمار القطاع ستستغرق ما يصل إلى 15 عاماً، وستكلّف أكثر من 50 مليار يورو.
أشارت إلى أن إزالة أكثر من 50 مليون طن من الركام الذي خلفه القصف الإسرائيلي قد يستغرق 21 عاماً وبتكلفة تقدر بـ 1.2 مليار دولار، وفق وكالة رويترز.
وقال الثوابتة لبي بي سي، إن التقديرات الأولية والمباشرة لحجم الدمار في قطاع غزة منذ بدء الحرب إلى حين بدء قرار وقف إطلاق النار "تفوق 38 مليار دولار" و"تشمل الأضرار 15 قطاعاً حيوياً، أبرزها قطاعات الإسكان والصحة والتعليم، والبنى التحتية، والمرافق العامة، والمشاريع الاقتصادية".
وتحدث عن "تدمير واسع في شبكات المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، والطرق"، على حد تعبيره.
وتوقع الثوابتة أن تستغرق عملية إعادة الإعمار "بين 5 إلى 10 سنوات إذا توفرت الموارد دون عراقيل"، وتتطلب "جهوداً دولية عاجلة" لـ "توفير التمويل اللازم وضمان دخول مواد البناء دون قيود".
بيد أنه حذر من أن "استمرار حصار الاحتلال الإسرائيلي والعقبات السياسية قد يطيل من هذه المدة".
ويتطلب إعادة بناء النظام الصحي وحده في القطاع خلال السنوات المقبلة 10 مليارات دولار وفق منظمة الصحة العالمية.
وخلال الحرب استهدفت القوات الإسرائيلية مراراً مستشفيات ومدارس القطاع، متهمة مقاتلي حماس بأنّهم يستخدمون هذه المرافق المدنية قواعد لهم سواء للاختباء أو لشنّ هجمات، وهو ما تنفيه الحركة.
وتقول المنظمة الصحية الأممية أيضاً إنّ 18 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى (50 في المئة) تعمل "جزئيا"، بقدرة إجمالية تبلغ 1800 سرير. وكانت الأمم المتحدة حذرت في أواخر العام الماضي، من أنّ النظام الصحّي في القطاع "على شفا الانهيار التام".
وحتى مطلع الشهر الماضي، أحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تضرّر ما لا يقلّ عن 496 مدرسة، أي ما يقرب من 88 في المئة من أصل 564 منشأة مسجّلة. ومن بين هذه المدارس هناك 396 مدرسة أصيبت بقصف مباشر، علماً بأن المدارس تُستخدم منذ بدء الحرب كمراكز إيواء.
وقدرت وزارة الصحة الفلسطينية وجود نحو 10 آلاف جثة تحت الركام.
فيديو قد يعجبك: