الوفيات تزداد في إسرائيل وتأهب إقليمي.. "حمى النيل" يثير الهلع بالشرق الأوسط
كتب- محمود عبدالرحمن:
أطلقت عدة دول خلال الأيام الماضية تحذيرات متكررة بشأن مخاطر فيروس حمى غرب النيل، وذلك بعدما أعلنت دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا عن تسجيل حالات إصابة بالفيروس، فيما سجلت تل أبيب عشرات الوفيات.
وبلغ عدد الوفيات بسبب حمى غرب النيل في إسرائيل 32 حالة حتى أمس الاثنين، وذلك بحسب ما أعلنته وزارة الصحة الإسرائيلية، مضيفة أن عدد المصابين المؤكدين بالفيروس، والذي ينتقل عن طريق لدغات البعوض، قد وصل إلى 440 شخصًا، وفقًا لما ذكرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وأوضحت الوزارة أن حوالي 80% من المصابين لا تظهر عليهم أعراض المرض، بينما يعاني حوالي 20% من أعراض متفاوتة الخطورة مثل الحمى، والتوعك العام، والصداع وآلام الجسم، كما أن المضاعفات العصبية قد تظهر لدى أقل من 1% من المصابين.
وينتقل فيروس غرب النيل، المسؤول عن حمى غرب النيل، إلى البشر من خلال لدغات البعوض الحاملة للفيروس، ويعتبر منتشرًا بشكل عام في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وشمال أمريكا وغرب آسيا، حيث حصل الفيروس على اسمه "غرب النيل" بعد اكتشافه لأول مرة في المنطقة الغربية من نهر النيل، وتحديدًا في أوغندا عام 1937.
كيف ينتقل الفيروس؟
تعد الطيور الحامل الرئيسي لفيروس غرب النيل، وينتقل الفيروس من الطيور إلى البعوض، حيث يستغرق عدة أيام ليصل إلى الغدد اللعابية للبعوضة بدورها، تقوم البعوضة بنقل الفيروس إلى البشر عند لدغهم.
يقول الدكتور ضرار بلعاوي، أستاذ ومستشار علاج الأمراض المعدية، إن الفيروس ينتشر أساسًا عن طريق لدغة البعوض المصاب، الذي ينتمي عادةً إلى جنس "البعوض الزاعج"، موضحا أن أن هذه البعوضات تكتسب الفيروس من خلال تغذيتها على الطيور المصابة، أي تلك التي تحمل فيروس غرب النيل.
وأضاف بلعاوي في حديثه لبي بي سي، أن البعوض الحامل للفيروس يكون عادة أكثر نشاطاً خلال الأشهر الدافئة من العام، أي خلال فصل الصيف، مما يجعل هذه الفترة هي الأكثر شيوعًا لتسجيل حالات الإصابة بالحمى بين البشر بسبب انتقالها عبر لدغات البعوض.
من جانبه، أشار الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، إلى إمكانية انتقال الفيروس عبر بعض أنواع الطيور الجارحة مثل النسور أو الغربان، التي قد تصاب بالمرض عند تناولها طيورًا أخرى مصابة أو طائرًا ميتًا كان يحمل الفيروس.
وأضاف عنان، أنه في حالات نادرة، ينتقل الفيروس أثناء التعامل معه في المختبرات، أو من خلال عمليات نقل الدم وزراعة الأعضاء من أشخاص مصابين بالفيروس، أو من الأم إلى الطفل أثناء الحمل أو الولادة أو الرضاعة.
ويؤكد عنان أن الفيروس، على عكس العديد من الفيروسات الأخرى، لا ينتقل عبر السعال والعطس أو اللمس أو التعامل مع الطيور الحية أو الميتة. ومع ذلك، يُنصح بارتداء القفازات عند التخلص من الطيور الميتة، مشيرا إلى أن الفيروس لا ينتقل من خلال تناول الطيور أو الحيوانات المصابة، ولكن من الضروري طهي لحم الطيور والحيوانات جيدًا قبل تناوله.
ما هي أعراض الإصابة بالفيروس؟
يقول الدكتور بلعاوي إن الأعراض غالبًا ما تكون خفيفة أو قد لا تظهر على الإطلاق، خاصة في المراحل المبكرة من الإصابة بفيروس غرب النيل. وعندما تظهر الأعراض، فإنها عادةً ما تُحاكي أعراض الأنفلونزا الخفيفة، حيث يعاني الأفراد من الحمى والصداع وآلام في الجسم والتعب، وأحيانًا قد يظهر طفح جلدي.
ويضيف بلعاوي أنه في حالات نادرة، يمكن للفيروس أن يخترق الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى مضاعفات عصبية خطيرة مثل التهاب السحايا أو التهاب الدماغ. وقد تتسبب هذه المضاعفات في تلف عصبي دائم، بل وقد تكون قاتلة.
ويشدد بلعاوي على أهمية اتخاذ احتياطات إضافية لأولئك الذين يقضون فترات طويلة في الهواء الطلق، خاصة بالقرب من مصادر المياه الراكدة التي تُعد بيئة خصبة لتكاثر البعوض.
من جانبه، يشير الدكتور عنان إلى أن نسبة الوفاة بسبب الإصابة بفيروس غرب النيل قد تصل أحيانًا إلى 10%، خاصة عندما ترافق الإصابة أعراض حادة، والتي تظهر في غالب الأحيان على كبار السن ومن لديهم أمراض مزمنة أو ضعف في المناعة.
كيف يتم تشخيص الإصابة؟
يتم تشخيص الإصابة بفيروس حمى غرب النيل عن طريق إجراء فحص للدم، حيث يتم البحث عن الأجسام المضادة أو المواد الجينية المرتبطة بالفيروس في العينات المأخوذة من الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض الأولية خلال الأشهر التي ينتشر فيها البعوض، فيما تُستخدم مجموعة من الفحوصات الطبية الأخرى لمساعدة في الكشف عن فيروس حمى غرب النيل.
هل هناك علاج عند الإصابة بحمى النيل؟
يُشير عنان إلى عدم وجود علاج محدد لفيروس غرب النيل، وغالبًا ما تتحسن الحالات الخفيفة مع الراحة، والإكثار من شرب السوائل، وتناول الأدوية والمسكنات التي لا تستلزم وصفة طبية للسيطرة على الأعراض مثل الحمى وآلام الجسم، موضحا أن العلاج الطبي يقتصر على تخفيف حدة الأعراض وتسريع اختفائها.
أما الحالات التي تظهر عليها أعراض شديدة، فيضيف الدكتور عنان أنه يجب أن تتلقى عناية خاصة في المستشفى لمعالجة المضاعفات. ويشدد على أن التشخيص المبكر أمر ضروري، حيث يسمح بالعلاج المناسب ويمنح فرصة أفضل للوصول إلى نتائج إيجابية.
كيف يمكن الوقاية من الإصابة؟
يُوصي الأطباء وخبراء مكافحة الأمراض باستخدام بخاخات طرد الحشرات التي تحتوي على مواد كيميائية مثل "ديت" أو "بيكاريدين"، مع اتباع الإرشادات اللازمة لاستخدام هذه المواد لتجنب مضاعفاتها الجانبية.
يقول الدكتور بلعاوي إنه يمكن ارتداء أكمام طويلة وسراويل، والبقاء في أماكن مغلقة خلال ساعات الذروة التي ينتشر فيها البعوض، إذ تعتبر هذه الخطوات فعالة وناجعة.
ويضيف بلعاوي أنه من المهم التخلص من أماكن تكاثر البعوض حول المنازل، مثل تفريغ مصادر المياه الراكدة مثل الدلاء وأواني الزهور والمزاريب المسدودة. بالإضافة إلى تركيب شبكات لمنع دخول الحشرات على الأبواب والنوافذ، وإصلاح أي ثقوب موجودة فيها، واستخدام مكيفات الهواء إذا توفرت، كما يجب تفريغ وتنظيف الأدوات التي تحتوي على مياه راكدة بشكل أسبوعي أو إزالتها من المنزل لمنع البعوض من وضع البيض فيها.
قلق في الشرق الأوسط
يوضح الدكتور بلعاوي أن اكتشاف فيروس غرب النيل مؤخرًا في منطقة الشرق الأوسط يشير إلى وجود خطر محتمل لحدوث تفشي، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، مما تسبب في اتساع النطاقات الجغرافية لانتشار البعوض الحامل للفيروس، ما يزيد من خطر انتقاله إلى المناطق التي لم تتأثر به سابقًا، مما يجعل من الضروري رفع مستوى الوعي داخل المجتمعات.
وأضاف: "على الرغم من أنها غالبًا ما ترتبط بأراضٍ بعيدة، إلا أن حمى غرب النيل بدأت بالظهور كخطر يهدد منطقة الشرق الأوسط، موضحا أنه مع تسجيل حالات إصابة مؤخرًا في المنطقة، فإن من الضروري فهم المرض لحماية الصحة العامة."
وقررت إدارة الحجر الصحي بوزارة الصحة، رفع درجة الاستعداد بمنافذ الدخول الجوية والبحرية والبرية، لتنشيط وتشديد إجراءات الرقابة الصحية على الركاب ووسائل النقل والبضائع القادمة من إسرائيل خلال الوقت الراهن.
وطالبت إدارة الحجر الصحي باتخاذ مجموعة من الإجراءات الصحية الوقائية بمنافذ الدخول على رأسها إجراءات وقائية حيال الركاب عن طريق إجراء الفرز الصحي (المناظرة) لجميع القادمين على الرحلات الأساسية أو الخاصة القادمة من إسرائيل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمعرفة أطقم الحجر الصحي بمنافذ الدخول.
ويتم إجراء تلك المناظرة الصحية عن طريق الكاميرات أو البوابات الحرارية، أو أجهزة قياس درجة الحرارة عن بعد بمعرفة أطقم الحجر الصحي بمنافذ الدخول دون التدخل في حركة الركاب.
وشددت على ضرورة تحويل الحالات المشتبهة إلى المستشفى؛ لتقييم الحالة والإخطار الفوري للغرفة الوقائية والإدارة العامة للحجر الصحي ومديرية الشئون الصحية التابع لها.
فيديو قد يعجبك: