خدعة المناطق الآمنة.. كيف استخدمت إسرائيل الجغرافيا لتصفية نازحي غزة؟
كتبت- سلمى سمير:
استطاعت إسرائيل منذ بداية حربها على قطاع غزة في الـ7 من أكتوبر، أن ترسم لنفسها نهجًا مختلفًا وأكثر وحشية في هجماتها العسكرية على مختلف أنحاء القطاع، مع اقتصار حملاتها السابقة على شن غارات متلاحقة لعدة أيام ثم الانتهاء.
لكن الحال لم يكن كذلك هذه المرة مع البدء بسلسلة غارات عنيفة ارتقى على إثرها مئات الشهداء يوميًا، تلاها اقتحام بري للقطاع بذريعة ملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية، واكب ذلك تحذيرات مسبقة زعمها الاحتلال من أجل حماية المدنيين يُلقي فيها طيرانه منشورات على الأهالي لترك منازلهم وتوجيههم إلى مناطق يُعتقد أنها آمنة.
ومع ذلك لم تف إسرائيل بوعودها بحماية المدنيين في الحرب وهو شعار تغنى به الاحتلال مرات عدة، وذلك حسب تحقيق استقصائي لمؤسسة "فورينسك آركيتكتشر" البريطانية، كشف فيه عن استخدام إسرائيل للجغرافيا من أجل تضليل أهالي قطاع غزة واستهدافهم في رحلتهم إلى مناطق آمنة تزعمها إسرائيل.
المرحلة الأولى
بدأت المرحلة الأولى في استخدام إسرائيل لذلك النهج في الـ13 من أكتوبر الماضي، بإصدار الجيش الإسرائيلي تعليمات لجميع سكان شمال قطاع غزة بالتوجه إلى وادي غزة بصفته "منطقة آمنة" تاركًا لـ1.1 مليون فلسطيني 24 ساعة فقط لإخلاء منازلهم حسب المؤسسة البريطانية.
لم تترك إسرائيل لنفسها متسعًا من الوقت حتى يستوعب الناس تناقضها مع نفسها، ففي ذات اليوم الذي طلبت من الأهالي سلوك شارع صلاح الدين كممر آمن، قصف طيران الاحتلال بشكل متكرر قوافل المدنيين في رحلة بحثهم عن النجاة داخل الشارع مما أدى لاستشهاد 70 فلسطينيًا كان بينهم أطفالًا ونساء.
وإضافة لقصف قوافل النازحين نصبت قوات الاحتلال كمائن عسكرية للمدنيين تحديدًا في الطريق الرابط بين شارع صلاح الدين ووادي غزة، ونشرت قناصة استهدفت عدد من النازحين خلال طريقهم أكمل عليها تنفيذ عمليات إعدام ميداني بحق المدنيين، وذلك حسب شهود العيان الذين عبروا خلال الممر، ووثقت إحدى الفيديوهات قناصة الاحتلال وهي تستهدف امرأة عجوز أثناء سيرها مع حفيدها في قوافل النازحين.
وحسب تقارير الأمم المتحدة التي صدرت حينها فإن منطقة وادي غزة والمناطق المحيطة بها كانت بمعزل تام عن مفهوم الأمان، مع كشف التقارير الأممية عن تسبب القصف الإسرائيلي في دمار هائل بمناطق متفرقة في جميع أنحاء قطاع غزة بما في ذلك منطقة وادي غزة.
خلال تلك المرة لجأت قوات الاحتلال لتقسيم قطاع غزة شمالًا وجنوبًا من خلال إقامة طريق عسكري خاص من شرق القطاع إلى غربه، وترسيم حدود مؤقتة جديدة على بعد 3 كيلومترات شمال وادي غزة، حسب المؤسسة البريطانية.
إرهاب الجغرافيا
بعد انتهاء وقف إطلاق النار المؤقت الذي عُقد في نهاية نوفمبر الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي مباشرة تقسيم قطاع غزة إلى 623 منطقة مرقمة تخضع كل واحدة فيها لجميع تعليماته، وهي المرحلة التي عمدت فيها إسرائيل إلى الدفع بسكان شمال قطاع غزة إلى الجنوب من خلال عمليات تهجير مخططة ما أدى لتقليص عدد سكان الشمال بشكل واضح حتى هجرت 67% من سكان الشمال وهو ما أرادته إسرائيل منذ بداية الحرب.
شرعت إسرائيل خلال تلك المرحلة توسيع عمليات استهداف المدنيين خلال الممرات المزعومة وعمليات الإخلاء، مع توجيه القوات الإسرائيلية للسكان إلى المناطق التي تشهد هجومًا عنيفًا أو على وشك التعرض له.
وفي ظل ممارستها عمليات التهجير القسري بحق المدنيين زاعمة تحذيرها المسبق للمدنيين بإخلاء منازلهم من خلال إلقاء المنشورات التحذيرية، أصدرت إسرائيل منشورات الإخلاء بشكل غير متكافئ سواء من خلال الإنترنت خلال أوقات انقطاع الاتصال أو باعتمادها على الإسقاط من الجو وهو ما لم يصل في أوقات كثيرة إلى المدنيين جراء إلقاءها في أوقات انقطاع التيار الكهربائي وهو ما أعاق الوصول إليها.
جاءت أوامر الإخلاء عشوائية ومفتقرة للدقة في غالب الأوقات مع توجيه الاحتلال المدنيين إلى المناطق التي كانت تتعرض للقصف أو لهجوم بري مكثف، وهو ما حدث في الـ3 من ديسمبر عند تحديد قوات الاحتلال منطقة الفاخورة شمال قطاع غزة "آمنة" وذلك بعد يوم واحد من إعلانها منطقة عسكرية.
أوقعت هذه العشوائية في إصدار التحذيرات الفلسطينيين في حالة من الربكة، مع عدم تأكدهم من المناطق الآمنة بشكل واضح، وذلك من خلال تعارض تعليمات الاحتلال بشأن مناطق الإخلاء مع شكل شبكة الإخلاء، ودفع البعض لطرح تساؤلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن مدى أمان بعض المناطق منها والذين تركوا دون رد.
تكررت حادثة الفاخورة في حي الزيتون شمالي القطاع، عندما أصدر الاحتلال أوامره للسكان 20 فبراير بإخلائه والتوجه إلى حي المواصي، لينهال عليهم بعد ساعات قليلة بهجوم عنيف أخلف عددًا من الشهداء والجرحى، وهي المرحلة التي سماها تحقيق المؤسسة "تسليح المناطق الآمنة" والتي بدأت فيها إسرائيل غزو منطقة المواصي في الـ22 من يناير، والتي شكلت ذروة التهجير القسري الممنهج للفلسطينيين داخل قطاع غزة والتي تزايدت بعدها هجمات الاحتلال على المناطق الآمنة بما فيها مدينة رفح.
عسكرة المناطق الآمنة
جاء استهداف المواصي إيذانًا ببدء المرحلة الثالثة والتي قامت خلالها قوات الاحتلال بطرد الفلسطينيين من المناطق الآمنة التي أعلنها سابقًا، وتهجيرهم من آخر بقاع المناطق الآمنة وهو المصير التي تواجهه مدينة رفح جنوبي قطاع غزة والتي تأوي مليون ونصف نازح، ولا ينفك رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التهديد باجتياحها بريًا بذريعة ملاحقة عناصر المقاومة الإسلامية متحديًا بذلك التحذيرات الأمريكية من تبعات تلك الخطوة وخطورتها على المدنيين.
في الـ29 من يناير، هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي جامعة الأقصى في منطقة المواصي التي يفترض أنها منطقة آمنة، ودمر جميع سبل العيش التي استند إليها النازحون داخل الحرم الجامعي.
ومع استمرار الاحتلال في تنفيذ خطته لعسكرة آخر المحطات داخل القطاع تتبقى مدينة رفح الموضوعة ضمن الأجندة الإسرائيلية لاجتياحها بريًا، والتي رغم ذلك لم تسلم من الهجمات الإسرائيلية المتكررة بشكل يومي والتي يرتقي على إثرها عشرات المدنيين والمصابين، كما سبق وتعرضت خيام النازحين لحزام ناري في وقت سابق ارتقى على إثره عدد من الشهداء.
فيديو قد يعجبك: