تركيا وبشار الأسد: لماذا دفعت أنقرة دمشق لهاوية السقوط؟
كتب- أحمد جمعة:
على حين غرّة، سقطت دمشق وانتهى حكم الرئيس بشار الأسد، بعدما تماسك بدعم خارجي لما يقترب من 14 عامًا، في الوقت الذي اتجهت الأنظار صوب الدور التركي الراهن، الذي طالما عارض "الأسد"، ثم حاول التقرب منه، قبل أن يركله للسقوط، لتعتلى الفصائل المُسلحة المدعومة من أنقرة، للمشهد السوري.
قبل ساعات قليلة من انهيار نظام بشار عن بكرة أبيه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن "نظام دمشق لم يدرك قيمة اليد التي مدتها له أنقرة ولم يفهم مغزاها"، بينما تحدث وزير خارجيته هاكان فيدان، من الدوحة، قائلا إن "حقبة عدم الاستقرار في سوريا انتهت"، معتبرًا أن "المجموعات المسلحة رغم اختلافها، إلا أن لديهم آلية تنسيق ستتحسن في الأيام المقبلة"، ما بدا تفسيرًا لطبيعة التواصل التركي مع تلك الفصائل المُسلحة، أو "الإرهابية" وفق التصنيف التركي ذاته لبعضها.
دون مواربة، أوضح المحلل السياسي التركي جواد غوك، في تصريحات لمصراوي من أنقرة، أن الدور التركي كان حاضرًا وبشكل مباشر فيما جرى بدمشق، مضيفًا: "هم دربوهم، فالقوات التركية أهّلت عناصر هيئة تحرير الشام، كما جرى تقديم كل أنواع الدعم سياسياً ولوجيستياً ومالياً".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أشار "غوك" إلى أن أنقرة "عَرفت الفصائل كيف يديرون البلاد عندما يتسلّمون الحكم، ومثل هذه الأمور تمت من قِبل الحكومة التركية ذاتها".
وتركيا، التي تشترك في حدود تبلغ 911 كيلومترًا مع سوريا، كانت داعمًا رئيسيًا لجماعات المعارضة التي تسعى للإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب في 2011.
ترى وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أنه رغم رفض المسؤولين الأتراك بشدة الادعاءات حول أي تورط لهم، يعتقد المراقبون أن الهجوم الذي يتماشى مع أهداف تركيا طويلة المدى، لم يكن ليحدث دون موافقة أنقرة ذاتها.
ويسمح ذلك لتركيا، عبر وكيلها السوري "الجيش الوطني السوري"، بالتصدي للقوات الكردية في سوريا المتحالفة مع عدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني.
بحسب تحليل نشره المجلس الأطلسي، فإنه على الرغم من كون تركيا لم تشارك "بشكل مباشر" في سقوط دمشق، إلا أن ضوءها الأخضر للهجوم يستند إلى مصالحها الأساسية في سوريا، وعلى وقع ذلك باتت الآن الفاعل الأجنبي الأكثر تأثيرًا بالبلاد.
واتفق مع ذلك الباحث في الشؤون الإقليمية كرم سعيد، الذي قال لمصراوي إن "عملية ردع العدوان التي قامت بها الفصائل السورية المسلحة، لم تكن لتتم بعيدًا عن تنسيق مع تركيا وبضوء أخضر من الولايات المتحدة".
من الحوار إلى دعم السقوط.. لماذا تغيّر الموقف التركي؟
في الوقت الذي يعتقد مراقبون أن الفصائل المُسلحة كانوا يستعدون لشن هجومهم منذ منتصف أكتوبر، إلا أن تركيا رفضت المضي قدماً في دعم تلك العملية، إذ كانت في هذه الأثناء تركز على الجهود الدبلوماسية للتواصل مع دمشق، وفق المجلس الأطلسي، الذي أوضح أن أردوغان قام بعدة محاولات للتقرب من بشار الأسد، وأظهر الاستعداد للحوار والانفتاح على التفاهمات.
لكن المحادثات بين أنقرة ودمشق لم تحرز أي تقدم يُذكر، إذ أصر الأسد على شرطه الرئيسي، بالانسحاب الكامل للقوات التركية من الأراضي السورية، وهو ما رفضته تركيا تخوفًا من موجة جديدة من اللاجئين السوريين، وتقويض الاستراتيجية الأمنية الوطنية لتركيا في مواجهة "وحدات حماية الشعب"، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني.
يقول المحلل المتخصص في الشؤون التركية، عمر أوزكيزيلجيك، إنه "أمام هذا التصعيد، أدركت أنقرة أن إقناع دمشق بالمشاركة في مفاوضات سياسية أصبح مستحيلاً".
ورغم كون الفصائل المُسلحة التي قادت العمليات العسكرية المتواصلة منذ 10 أيام وصولًا لسقوط دمشق، مدرجة كمنظمة إرهابية من قبل أنقرة، إلا أنه يُعتقد أن تركيا تعمل معها منذ سنوات في شمال سوريا وتتمتع بنفوذ كبير عليها، وخاصة "هيئة تحرير الشام".
يُضيف المحلل التركي جواد غوك: "من المُنتظر أن يجري حل هيئة تحرير الشام ودمجها في المؤسسات الرسمية؛ لأن تلك المجموعة مصنفة من عدة دول بينها تركيا على أنها إرهابية، كما من المتوقع أنه مع انتهاء السيطرة على مفاصل الحكم، ألا يبقى الجولاني في الواجهة".
وصرحت تركيا بدعمها لوحدة الأراضي السورية، إذ إن آخر ما تريده هو منطقة ذات حكم ذاتي كردي على حدودها أو موجة جديدة من اللاجئين بسبب عدم الاستقرار.
وقامت أنقرة بعدة توغلات في سوريا منذ عام 2016 بهدف التصدي لتنظيم "داعش" أو المقاتلين الأكراد، وخلق منطقة عازلة على طول حدودها، وهي الآن تسيطر على جزء من الأراضي في شمال سوريا.
ووفق الباحث كرم سعيد، هناك مجموعة من المؤشرات بشأن الدور التركي فيما جرى بدمشق، على رأسها حديث أردوغان قبل يومين بأن المعارضة في طريقها للعاصمة السورية، فضلًا عن اتهام وزير الخارجية التركي عشية اجتماع مع نظيره الإيراني والروسي بالدوحة، بأن "عملية استانة" لم تسعى سوى لتأمين بشار الأسد ليس أكثر.
وعملية أستانة تشير إلى المفاوضات والحوارات السياسية التي جرت في 2017 كمبادرة للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري، مستندة إلى التعاون بين روسيا، وتركيا، وإيران، وكان على رأس أهدافها خلق 4 "مناطق خفض التصعيد" في سوريا بهدف وضع حد سريع للعنف وتحسين الوضع الإنساني، وخلق الظروف المواتية للتسوية السياسية.
ماذا تستفيد تركيا من سقوط دمشق؟
يشير المحلل التركي جواد "غوك" إلى أن الهدف الراهن لتركيا بالنسبة لسوريا، يتمثل في التصدي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، باعتبار أن قوامها يشكل "وحدات حماية الشعب الكردي" المناوئة لأنقرة، فضلًا عن دعم تشكيل الحكومة السورية المؤقتة في دمشق، ومنع أي نزوح جديد لأراضيها.
أما الباحث كرم سعيد، فأوضح أن "تركيا صاحبة منافع كبيرة من وراء سقوط دمشق، على رأسها عودة قطاع واسع من اللاجئين السوريين، وتعظيم حضور الفصائل الموالية لتركيا في المشهد السياسي السوري خلال المرحلة المقبلة"، معتقدًا أنه "لن تتم أي عملية سياسية في سوريا بعيدا عن تنسيق سياسي وأمني مع الأتراك".
كما تستفيد أنقرة مما جرى عبر "تحييد الخصوم الإقليميين والدوليين وتحديدا سوريا وإيران بعيدا عن الساحة السورية وبالتالي بسط أكبر لنفوذ تركيا، مع توفير فرص أكبر لإنهاء مشروع الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، وهم مناوئين لتركيا، أو على الأقل إحداث نوع من العجز الكامل في القدرات السياسية والأمنية لقوات سوريا الديمقراطية"، وفق سعيد.
فيديو قد يعجبك: