لماذا يحتكر الجمهوريون والديمقراطيون المنافسة على الرئاسة الأمريكية؟
كتب- محمود الطوخي
على الرغم من مشاركة 5 مرشحين في السباق إلى البيت الأبيض، عادة ما يحظى مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالقدر الأكبر من الاهتمام من قبل وسائل الإعلام والمناظرات الانتخابية، لتنحصر المنافسة بينهما بشكل احتكاري، فما هي الأسباب وراء ذلك؟.
على مدار العقود الماضية، انحصرت المنافسة بشكل كبير على المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية من مرشحي الحزبين الديمقراطي "الحمار" والجمهوري "الفيل"، لعدة أسباب تتعلق بالنظام السياسي والانتخابي.
النظام الانتخابي
"الفائز يأخد كل شئ"، وهو النظام الانتخابي المعتمد في أغلب الولايات الأمريكية، ما يعزز من فرص مرشحي الحزبين ويحرم الأحزاب الأصغر من التمتع بتمثيل قوي في الانتخابات.
يشجع هذا النظام، الناخبين الأمريكيين على التصويت للمرشحين الذين يتمتعون بفرص أكبر للفوز، ما يُصعّب المنافسة على باقي المرشحين الحزبيين والمستقلين.
مثالا على ذلك، حصد المرشح المستقل، روس بيرو، نحو 19% من أصوات الناخبين بالمرحلة التمهيدية في الانتخابات الرئاسية عام 1992 والتي ربحها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، غير أن ترشيحه لم يحظى بتأييد أي من أعضاء "المجمع الانتخابي" بسبب نظام "الفائز يأخذ كل شئ".
ويُعد "المجمع الانتخابي"، أحد الأنظمة المتبعة في الولايات المتحدة لاختيار الرئيس، ويتكون من 538 مندوبا ممثلين عن الولايات الأمريكية بما يتناسب مع عدد سكان كل ولاية وعدد أعضاء الكونجرس.
ويحتاج المرشح لمنصب الرئيس الأمريكي، للحصول على تأييد 270 مندوبا على أقل تقدير من المجمع الانتخابي.
التاريخ السياسي
منذ منتصف القرن الـ19، سيطر الحزبان الجمهوري والديمقراطي على الساحة السياسية في أعقاب الحرب الأهلية التي تسببت في انقسامات سياسية واجتماعية عميقة وما ترتب عليها من عمليات إعادة إعمار والحقوق المدنية، ما أتاح لهما الفرصة لتحقيق قاعدة جماهيرية كبيرة.
وفي بدايات الحزب الجمهوري بقيادة الرئيس الأسبق أبراهام لينكولن، حارب العبودية أثناء الحرب الأهلية، من خلال مساعيهم لضمان حقوق السود بما يشمل المشاركة السياسية والتصويت في الانتخابات.
وسيطر الجمهوريون على عمليات إعادة الإعمار التي تلت الحرب الأهلية، إلى جانب دعمهم التوسع الاقتصادي.
في المقابل، انتهج الديمقراطيون سياسات تهدف إلى استعادة سيطرة المجتمعات البيضاء، ما عزز سياسات الفصل العنصري في ولايات الجنوب الأمريكي.
كذلك عارض الديمقراطيون بصفته الحزب الرئيسي في الجنوب، سياسات إعادة الإعمار.
لكن سرعان ما سعى الحزب الديمقراطي في العقود القليلة التي تلت الحرب الأهلية، إلى التحول من حزب صاحب توجّه زراعي في الجنوب، إلى حزب يضم تحالفات تضمنت مزارعين وعمال في الشمال.
ومع اقتراب القرن الـ19 من نهايته، أخذت مواقف الحزبين في التغير تدريجيا فيما يخص القضايا الاجتماعية والحقوق المدنية، ما أدى إلى تغير كبير في السياسة الأمريكي خلال القرن العشرين.
الوصول إلى بطاقات الاقتراع
شرّع عدد كبير من الولايات الأمريكية، قوانين جعلت من الصعب على الأحزاب ذات الشعبية الضئيلة الوصول إلى بطاقات الاقتراع، إذ ألزمت المرشحين من هذه الأحزاب بجمع آلاف التوقيعات للتغلب على عقبات إجرائية وقانونية في سبيل الوصول إلى تلك البطاقات، في حين يتمتع الحزبان الديمقراطي والجمهوري بمزايا تفضيلية في هذا الشأن.
وتتفاوت قوانين الولايات الأمريكية للوصول إلى بطاقات الاقتراع، إذ تتضمن مجموعة من المتطلبات التي يجب على المرشحين استيفاؤها لخوض السباق الانتخابي.
وتأتي "التوقيعات" في مقدمة هذه المتطلبات، إذ تُلزم غالبية الولايات الأمريكية، مرشحي الأحزاب الصغيرة والمستقلين بجمع عدد محدد من توقيعات الناخبين المسجلين، والتي يتفاوت عددها من ولاية إلى أخرى بحسب عدد سكانها.
لكن القوانين المحلية لبعض الولايات، تشترط أن يكون جامعو التوقيعات من سكان الولاية نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، تطالب بعض الولايات المرشحين بدفع رسوم تسجيل للوصول إلى بطاقات الاقتراع، والتي تختلف قيمتها باختلاف الولاية، ما يمثل عقبة أمام المرشحين محدودي التمويل.
وفي بعض الأحيان، قد تحتاج الحملات الانتخابية للمرشحين اللجوء إلى المحاكم لمواجهة قوانين أو اشتراطات غير دستورية، للوصول إلى بطاقات الاقتراع، وهو ما حدث في سباقات انتخابية عدّة.
كذلك، تحدد الولايات الأمريكية موعدا نهائيا لتقديم التوقيعات والوثائق اللازمة لتسجيل الترشح، والتي عادة ما تنتهي قبل أشهر عدّة من الانتخابات.
كما أنه في حال كان المرشح ممثلا لأحد الأحزاب الجديدة أو المستقلة، فإن حزبه يحتاج إلى تقديم التماس للاعتراف به كحزب رسمي معتمد، وهو ما يتطلب تقديم عدد كبير من الوثائق تشمل توقيعات لإثبات دعم شعبي معين.
وفي ظل هذه المتطلبات، يعاني مرشحو الأحزاب الصغيرة والمستقلون، في حين أنها تعزز من هيمنة الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السباق الانتخابي.
التمويل الانتخابي
يعتمد المرشحون في الانتخابات الأمريكية على حملات دعائية ذات تكلفة ضخمة، للتعريف بأنفسهم ولعرض برامجهم الانتخابية على الناخبين، قبل شهور عدّة من بدء عمليات التصويت.
ويوفّر المانحون الكبار لمرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي مبالغ طائلة تصل إلى مليارات الدولارات لتمويل حملاتهم الانتخابية، بينما يجد مرشحو الأحزاب الأخرى صعوبة كبير في تمويل حملاتهم الدعائية.
ووفقا لتقارير أمريكية، فقد أنفق المرشحان لانتخابات الرئاسة الأمريكية خلال الـ15 أسبوعا الأخيرة، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية كامالا هاريس، 2.3 مليار دولار على حملاتهما الإعلانية.
التحالفات
يحظى الجمهوريون والديمقراطيون بتحالفات واسعة، تتضمن تيارات سياسية مختلفة، والتي أظهرت قدرة الحزبين على احتواء تنوع سياسي قلل حاجة هذه التيارات إلى إنشاء أحزاب أخرى تمثلها.
ومن بين أبرز حلفاء الحزب الجمهوري، يأتي المحافظون والليبراليون الجدد، بالإضافة إلى الناخبين العمال البيض والطبقة الوسطى، كما يعتمدون على دعم شركات أمريكية كبرى وجماعات دينية وكذلك المدافعون عن حقوق التسليح.
فيما يؤيد الديمقراطيين، اليساريون والأقليات من الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية والمعتدلون، ويعتمد الديمقراطيون في حملاتهم الانتخابية على تمويل الجماعات المدنية والنقابات.
الثقافة السياسية
على مدار التاريخ الأمريكي، حكم 46 رئيسا من الحزبين الولايات المتحدة، كان من بينهم 24 رئيسا ديمقراطيا (آخرهم الرئيس جو بايدن)، و22 رئيسا جمهوريا (آخرهم ولاية دونالد ترامب والتي انتهت عام 2020).
ونتيجة ذلك، ترسّخ لدى الناخبين الأمريكيين ثقافة الاختيار بين خيارين رئيسيين تمثلا في المرشح الجمهوري ومنافسه الديمقراطي، ما يُشعر الناخبين الأمريكيين بأن التصويت لمرشح آخر غير فعّال.
المتابعة الإعلامية
اعتادت وسائل الإعلام الأمريكية، التركيز على المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وهو ما أضعف فرص مرشحي الأحزاب المنافسة لجذب انتباه الناخبين الأمريكيين، إذ لم تتوفر لهم الفرصة لإظهار برامجهم الانتخابية وتوجهاتهم السياسية بشكل فعّال.
وخلال السباق الانتخابي الرئاسي الحالي، عُقدت عدّة مناظرات جمعت المرشحين الرئيسيين في السباق من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
لماذا تقتصر المناظرات الرئاسية على مرشحي الحزبين؟
جرت العادة بأن تُعقد المناظرات الرئاسية بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري فقط، نتيجة قواعد وضعتها اللجنة المشرفة على تنظيم المناظرات الرئاسية؛ إذ تستلزم استيفاء عدّة شروط للمشاركة.
ومن بين هذه الشروط، يتعين على المرشح حصد نسبة معينة من الدعم في استطلاعات الرأي الوطنية والتي عادة ما تكون نسبة 15%، ما يقصي مرشحي الأحزاب الأخرى والمستقلين من المشاركة في المناظرات الرئاسية.
إلى جانب ذلك، تستلزم الشروط أن يكون المرشح مؤهلا دستوريا للرئاسة، كما يجب أن يكون اسمه مدرجا في بطاقات الاقتراع بنسبة كافية لحصد غالبية أصوات المجمع الانتخابي، على أقل تقدير 270 مندوبا.
وتضمن هذه الشروط مشاركة المرشحين الذين يتمتعون بفرصة حقيقية للفوز في الانتخابات، في المناظرات الرئاسية.
هذه العوامل مجتمعة، تساعد في حصر المنافسة على الجمهوريين والديمقراطيين، إذ تعرقل جهود أحزاب أصغر أو مرشحين مستقلين في الظهور والمنافسة على الوصول إلى البيت الأبيض أو الكونجرس بمجلسيه (النواب والشيوخ).
فيديو قد يعجبك: