ألمانيا وترامب: هل يمكن بناء جسور مع المحافظين الأمريكيين؟
واشنطن - (د ب أ)
مع قرب عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي، تجد ألمانيا نفسها أمام تحد جديد في التعامل مع المحافظين الأمريكيين.
ويُعرف ترامب بسياساته التي تختلف بشكل كبير عن توجهات ألمانيا في قضايا مثل التجارة الدولية والمناخ والأمن الأوروبي؛ لذلك، قد تحتاج برلين إلى تبني نهج أكثر توازناً للتواصل مع التيار المحافظ الأمريكي، بهدف حماية المصالح المشتركة وتعزيز الاستقرار في العلاقات عبر الأطلسي، رغم الفجوة الأيديولوجية الواضحة.
ويقول الباحث توبياس فيلا في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست"، إنه مع استعداد ترامب للعودة إلى المكتب البيضاوي، انصب التركيز في النقاش الألماني على جدول أعماله السياسي الأوسع نطاقا، وخاصة مركزية السلطة المحتملة في البيت الأبيض وسياسة الهجرة واختياراته الوزارية، ومستقبل الدعم الغربي لأوكرانيا.
ورغم أهمية هذه القضايا، لا يمكن لألمانيا أن تغفل التحولات المحتملة في الاستراتيجية النووية الأمريكية، مما يتطلب انخراطا مع الأصوات المحافظة وصناع القرار الجمهوريين في الولايات المتحدة.
وفي ظل إدارة ترامب الثانية، قد تقرر الولايات المتحدة توسيع نطاق قواتها النووية وبنيتها التحتية، خاصة لمواجهة التوسع النووي الصيني، وقد دعا مستشاره السابق للأمن القومي، روبرت أوبراين، إلى استئناف اختبارات الأسلحة النووية، مما سيشكل تحديا أكبر للمعايير الدولية لحظر هذه الاختبارات.
وقُدرت تكاليف القوات النووية الأمريكية بنحو 750 مليار دولار حتى عام 2032 قبل الانتخابات، ومن المحتمل أن ترتفع أكثر، وقد تسهل الأغلبية الجمهورية في الكونجرس على ترامب المضي قدما في هذا المسار.
ومع ذلك، يقول فيلا إنه لا يزال تعامل ألمانيا مع الولايات المتحدة يعاني من عيوب كبيرة.
وتكمن المشكلة الأولى في الميل إلى تصوير رؤساء الولايات المتحدة بطريقة متطرفة، إما كرموز ملهمة (مثل كينيدي وأوباما) أو كأشرار كرتونيين (مثل جورج دبليو بوش وترامب، هذا المنظور الثنائي لا يعكس مجتمعا ناضجا، بل مجتمعا في مرحلة مراهقة فكرية.
وحتى في ظل إدارة بقيادة كامالا هاريس، كان من المرجح أن تشهد السياسة النووية الأمريكية توجها أكثر قوة، بما في ذلك تزويد الصواريخ برؤوس نووية إضافية، ومع ذلك، إذا كانت خطة مشروع 2025 تشير إلى شيء ما، فإن إدارة جمهورية قد تشهد توسعا نوويا أوسع نطاقا بكثير.
وثمة مشكلة ثانية هي الإدراك الانتقائي للألمان تجاه الولايات المتحدة، فهم غالبا ما يرون ما يرغبون في رؤيته أو ما يمكن تفسيره من خلال منظور أوروبي قاري، وعند تمريره من خلال عدسة تقدمية، يحدث تشويه مزدوج للواقع، مما يجعل من الصعب فهم مركز الثقل في النقاشات الأمريكية.
على سبيل المثال، في مسألة ضبط التسلح النووي، هناك إجماع حزبي في الولايات المتحدة على ضرورة الاستعداد لسباق تسلح نووي ثلاثي مع روسيا والصين.
المشكلة الثالثة المرتبطة بذلك، بحسب فيلا، هي أن النقاشات الأمريكية غالبا ما تُروى في ألمانيا بشكل شبه حرفي، ويزيد من هذا التعقيد طرق استنساخ المعرفة الأمريكية، ومع ذلك، فإن المصالح والتفسيرات الألمانية والأوروبية والأمريكية ليست دائما متطابقة.
فعلى سبيل المثال، الطلب الأمريكي على استثمارات في الردع والتشدد ليس أكثر ترحيبا بطبيعته من الطلب الأمريكي على نزع السلاح والحوار، والعكس صحيح، ويجب على ألمانيا أن تجري تقييمها الخاص.
ويقول فيلا إنه قبل كل شيء، يجب على برلين توسيع نطاق تفاعلها مع الولايات المتحدة، ويجب تكثيف الاتصالات مع السياسيين الجمهوريين والخبراء المحافظين، ليس فقط كدليل على الصداقة، ولكن أيضا كضرورة، ويتطلب هذا الأمر التفاعل مع خبراء السياسة الخارجية المحافظين مثل إلبرج كولبي ومات كوستلو وبوب بيترز وماثيو كرونيج، على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن للمسؤولين والخبراء الألمان التعاون في هذا الصدد، بحيث يركز البعض على المسؤولين الحكوميين والبعض الآخر على مجتمع الخبراء الأوسع نطاقا.
وستضطر ألمانيا إلى التعامل مع إدارة ترامب في عصر من عدم الاستقرار وسباق تسلح نووي وشيك، ويرى فيلا أن حرب روسيا ضد أوكرانيا تمثل تحولا جيليا، ومن المتوقع ألا تعود الولايات المتحدة، في المستقبل القريب، إلى الأنماط التقليدية للنزعة الدولية المحافظة أو الليبرالية.
ويزيد هذا من أهمية التفاعل مع مجتمع السياسة الخارجية والنووية في الحزب الجمهوري لتفادي صراعات غير ضرورية وسوء الفهم، وينبغي أن يكون الجانب الألماني مستعدا لهذا الأمر، وكذلك المحافظون الأمريكيون، والمبدأ الأساسي هنا يجب أن يكون: أي عالم يشهد سباق تسلح غير محدود سيكون مكلفا للغاية لجميع الأطراف المعنية، وفي النهاية، لا يوجد شيء يُسمى انتصارا في حرب نووية.
فيديو قد يعجبك: