كوابيس الزلزال تطارد أطفال مخيمات الإيواء في المغرب
الرباط - (بي بي سي)
أعلى جبال الأطلس بالمغرب، تحول الكثير من القرى لمخيم إيواء كبير. فعلى امتداد البصر، لا يمكنك أن ترى إلا مباني متهدمة، وطرقا غطّاها الركام، وخياما متناثرة هنا وهناك تضم ضحايا الزلزال المدمر، الذي ضرب البلاد في الثامن من سبتمبر الجاري، ليودي بحياة أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
"لا يمكنني أن استوعب أين كنا وأين أصبحنا" هكذا تقول جميلة، إحدى ساكنات قرية أمزميز بإقليم الحوز، غرب مدينة مراكش، وهو واحد من أكثر أقاليم المغرب تضررا من الزلزال.
حدثتني المرأة وهي تغالب دموعها لتؤكد أنها فقدت الكثير من آدميتها بعد أن باتت من سكان الخيام البلاستيكية، التي لا تقي من حرارة أو برودة.
وتضيف "لا يوجد مراحيض هنا. والشتاء على الأبواب ونخشى انتشار الأمراض. كلنا منهكون بدنيا ونفسيا".
أقامت الحكومة المغربية هذا المخيم، لكننا علمنا من الأهالي أن أغلب المساعدات، من غذاء وشراب وأغطية، تأتي من المتطوعين والجمعيات الأهلية.
"أختنق هنا"
ويؤكد كل من التقيناه من أطفال المخيم على رغبته الشديدة في العودة لقاعات الدرس.
"أريد أن أذهب للمدرسة كي أصنع مستقبلي وأصبح طبيبة أسنان. أتطلع لأن أعوض أمي عما كابدته من معاناة من أجلنا" هذا ما أخبرتنا به ملاك، الطالبة في المرحلة الإعدادية.
يلاحقها شبح الزلزال أغلب الوقت "حلمت بأن هزات أخرى ضربتنا وركضنا في العراء من دون أن يغيثنا أحد".
تمضي ملاك جل وقتها في اللعب مع أشقائها الثلاثة الصغار، لكن يرتسم على ملامحها الكثير من الضيق، فهي لا تطيق الإقامة في المخيم. تحدثني قائلة "أشعر وكأنني أختنق هنا، هذا المكان كئيب".
وتقول منظمة اليونيسف إن هناك نحو مئة ألف طفل تضرروا جراء الزلزال. وكانت القرى الواقعة أعلى جبال الأطلس هي الأكثر تضررا، إذ يصعب على فرق الإنقاذ الوصول إليها بسبب وعورة الطرق، فضلا عن انسداد بعضها نتيجة سقوط كميات كبيرة من الصخور بفعل الزلزال. كما أن أغلب المنازل في تلك المناطق بنيت من مواد بدائية ولذلك لم تتحمل الهزة الأرضية وانهارت فورا.
أحمر شفاه
قبل أن نرحل عن المخيم، فوجئت بسيدة في العقد الثالث من عمرها، تقترب مني وتسألني بصوت منخفض إذا كنت أحمل معي عطرا أو أحمر شفاه. "أريد أن أشم رائحة العطر، وأضع شيئا من أحمر الشفاه" .
استوقفني هذا الطلب كثيرا، فأغلب من يقدمون المساعدات عادة ما يصبون اهتمامهم على توفير الطعام والشراب.
لكن للإنسان احتياجات أخرى لا تقل أهمية عن الغذاء والمياه، فمثل هذه التفاصيل كأدوات الزينة ومستلزمات النظافة الشخصية تمنح الإنسان شعورا بالآدمية، وكثيرا ما تسقط مثل هذه المتطلبات من قوائم المساعدات المخصصة للمناطق المنكوبة.
علمت من سكان المخيم أنهم يعانون بشدة من نقص المراحيض وغياب أماكن الاستحمام، وهو ما يؤثر على حالتهم النفسية أشد الأثر.
الدعم النفسي
تركنا المخيم وتجولنا أكثر في إقليم الحوز. لا يمكننا حصر ما شاهدناه من مبان منهارة وكتب دراسية ممزقة، كان يحلم أصحابها، بالتأكيد، بمستقبل أفضل.
وتقول السلطات المغربية إنها تعمل على قدم وساق لتخفيف الضرر عن الأطفال، فقد أنشأت مجموعة من الفصول المؤقتة حتى يتمكنوا من استئناف الدراسة، كما رصدت مبالغ مالية ضخمة لإعادة إعمار كل المباني المدمرة.
ويزيد عدد تلك المباني عن خمسين ألف مبنى، كما أعلنت الدولة أيضا عن تقديم إعانات مادية للأسر المنكوبة.
لكن المتطوعين المنخرطين في مساعدة الضحايا يلفتون الانتباه لأهمية الدعم النفسي وليس المادي فحسب.
العلاج بالرسم
أثناء تجولنا بالإقليم صادفنا مبادرة تطوعية يقوم عليها عدد من الممرضين، الذين قرروا أن يخلقوا للأطفال الصغار مساحة للتعبير عن مشاعرهم من خلال الكتابة أو الرسم.
يلتف الصغار حول منضدة كبيرة ويشرعون في الإمساك بالألوان والأوراق للتنفيس عما يجول بخاطرهم.
"عندما طلبنا من الأطفال أن يرسموا، لاحظنا أن كثيرا منهم رسموا إما منازل متهدمة أو حيوانات نافقة" هكذا يقول محمد أمين وهو ممرض متطوع، قطع مسافة طويلة من العاصمة الرباط إلى إقليم الحوز، للمساهمة في تقديم الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال.
يخبرني أن عددا كبيرا من الأطفال يواجهون صعوبات في النوم، بجانب ما ينتابهم من فزع عند وقوع هزات ارتدادية. كما يعاني الكثير من الأطفال، الذين شملتهم المبادرة، من فقدان الأبوين.
ويطالب أمين بضرورة وجود الكثير من الأطباء النفسيين المتخصصين في المناطق المنكوبة، ويوضح "الأطفال هنا يحتاجون دعما نفسيا ملحا وعاجلا أكثر من أي وقت آخر".
يبذل أمين ورفاقه جهدا كبيرا للتسرية عن هؤلاء الصغار المنكوبين، لكن الضحايا يحتاجون لما هو أكثر من المبادرات الفردية، كي يتمكنوا من طي صفحة تلك المأساة والتطلع لغد آمن.
فيديو قد يعجبك: