إعلان

الروبوتات تدخل مجال الوعظ الديني في اليابان وتثير الجدل بشأن "المصداقية"

11:56 ص الثلاثاء 01 أغسطس 2023

الروبوتات

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

طوكيو - (د ب أ)

في قلب مدينة كيوتو اليابانية، يقع معبد "كوداي جي" الذي يعود تاريخه إلى 400 عام مضت. وتحيط بهذا المعبد التاريخي حدائق غناء منسقة وأشجار مرصعة بزهور الكرز في مشهد يبعث على البهجة، ويترك في النفس شعورا بالسكينة والخشوع. وعندما يتقدم الزائر إلى داخل المعبد، سوف يطالعه مشهد ربما يثير الدهشة بعض الشيء، حيث سيجد أمامه راهبا بوذيا مصنوع من الألمنيوم والسيليكون، وهو يلقي موعظة دينية على الجالسين أمامه في الداخل.

وقد تم تصميم الراهب الروبوتي "ميندار" على هيئة إله الرحمة في البوذية، وهو جزء من قوة العمل الروبوتية في اليابان التي تثير مخاوف متزايدة تتعلق بالأمن الوظيفي في شتى مجالات العمل في البلاد، لاسيما وأن الروبوتات شقت طريقها إلى مجالات كنا نظنها في مأمن من الغزو الروبوتي مثل صناعة الصحافة وجلسات الطب النفسي على سبيل المثال.

ويدور الجدل حاليا بشأن ما إذا كانت الروبوتات تستطيع فعلا أن تحل بدلا من الرهبان والقساوسة، أو ما إذا كان لا تزال هناك وظائف لا تستطيع الروبوتات الاضطلاع بها؟

ويقول الباحثان جوشوا كونراد استاذ العلوم السلوكية بجامعة شيكاغو الامريكية، وكاي شي يام، وهو استاذ كرسي بكلية إدارة الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية، إن الدراسات التي أجريت على مدار سنوات في مجال طب نفس الأتمتة تشير إلى أن مثل هذه الماكينات مازال تفتقد عنصرا أساسياً، ألا وهو المصداقية. وبدونها، لن تستطيع الروبوتات مطلقا التفوق على البشر في مجالات مثل الوعظ الديني.

ويوضح الباحثان، في مقال أورده الموقع الإلكتروني Scientific American المتخصص في الأبحاث العلمية، الفارق بين المصداقية والقدرة، حيث يقولان إن "القدرة" هي استطاعة أداء عمل ما، أما "المصداقية" فهي الثقة التي يضعها البشر في شخص أو شيء ما من أجل الاضطلاع بعمل بعينه. ويرى الباحثان أن المهندسين نادرا ما يفكرون بشأن المصداقية عند تصميم روبوت معين، حتى لو كان هذا الروبوت قادر بالفعل على النهوض بالعمل المنوط به.

ويرى الباحثان أن المصداقية تتطلب الإيمان الحقيقي بأفكار معينة، وإتيان سلوكيات أو تضحيات تثبت هذه القناعة أو الإيمان أمام الآخرين، ومن هذا المنطلق، فإن الروبوتات يمكنها إلقاء مواعظ دينية أو كتابة خطبة سياسية، لكنها لن تترك تأثيرا حقيقيا لدى المتلقي لأنه يعرف في قراره نفسه أنها ليست مقتنعة في حقيقة الأمر بتلك العبارات أو الأفكار التي تنطق بها أو تكتبها.

وعلى مدار العامين الماضيين، انخرط الباحثان جوشوا كونراد وكاي شي يام في تجربة علمية بالتعاون مع معبد كوداي جي الياباني لتحديد مدى الضرر الذي يمكن أن تتعرض له المؤسسات الدينية بسبب مشكلة غياب المصداقية. واستندت التجربة على فرضية أن الروبوتات قد تبدو مشهدا جذابا في مقاطع الفيديو تحت تأثير المؤثرات البصرية والصوتية، وقد تجتذب الزائرين لمتابعة هذه الخطب الدينية، ولكنها لا تستطيع في نهاية المطاف أن تترك تأثيرا دينيا ملهماً لدى المتابعين.

وفي إطار التجربة التي نشرتها الدوريات العلمية مؤخرا، تم تقسيم زوار المعبد إلى مجموعتين، حيث استمعت المجموعة الأولى إلى خطبة الروبوت ميندار فيما تلقت المجموعة الثانية الوعظ من رهبان المعبد الأصليين، وبعد الاستماع إلى الخطبة، كان يتم استطلاع رأي الزائرين ومطالبتهم بالتبرع لصالح المعبد. وتبين من التجربة أن الزائرين الذين استمعوا إلى الروبوت ميندار ذكروا أنه أقل مصداقية من الرهبان البشر، وكانوا أقل استعدادا للتبرع لصالح المعبد بنسبة 12% مقارنة بمن استمعوا إلى خطبة الرهبان الحقيقيين.

وفي تجربة ثانية، قام الفريق البحثي بقياس درجة الالتزام الديني لمجموعة من المتطوعين بعد اطلاعهم على موعظة دينية كتبها روبوت وأخرى كتبها قسيس، وتبين من التجربة أن المشاركين كانوا أقل تأثرا بالموعظة التي كتبها الروبوت، وذكروا أنه لا يتحلى بنفس مصداقية القساوسة البشر. وعمد الباحثان إلى إجراء تجربة ثالثة تتعلق بقيام روبوت بالقاء موعظة تتعلق بالعقيدة الطاوية على مجموعة من المستمعين. وتبين بعد الاستماع إلى هذه الموعظة أن المصلين في المعبد كانوا اقل استعدادا لتوزيع منشورات دعائية للترويج لهذا المعبد بنسبة 12% مقارنة بمن استمعوا إلى موعظة دينية من راهب من البشر.

وأكد الباحثان في المقال الذي نشره موقع Scientific American، أن مثالب نقص مصداقية الروبوتات أصبح من الممكن استشعارها في مجالات مثل الصحافة والرعاية الصحية والقانون والجيش، والسيارات ذاتية القيادة. فرغم أن الروبوتات يمكنها الاضطلاع بهذه المهام، فإنها لا تبعث على الثقة، فمن المستبعد أن يثق القارئ في عنوان صحفي من تأليف روبوت ما، أو أن يقتنع البشر بقرارات أخلاقية اتخذتها ماكينات وترتب عليها سقوط وفيات في حادث سيارة ذاتية القيادة، أو وقوع قتلى في عملية قصف تقوم بها طائرة مسيرة تقودها منظومة روبوتية.

ويرى الباحثان أن الوظائف التي تتطلب المصداقية يمكن أن تتم بشكل أكثر فعالية إذا ما وجدنا طريقة ما للمزج بين قدرات الروبوتات ومصداقية البشر في آن واحد، بدلا من مجرد الاستغناء عن البشر واستبدالهم بالروبوتات بشكل مباشر. فنحن قد لا نشعر بالثقة في حالة التعامل مع صحفي أو مدرس روبوتي، ولكننا نثق بالبشر إذا ما اضطلعوا بهذه الوظائف مع وجود روبوت أو منظومة للذكاء الاصطناعي لمعاونتهم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان