إعلان

خطاب شولتس في براغ ماذا يريد المستشار وأي مستقبل لأوروبا من وجهة نظر ألمانيا؟

04:40 م الثلاثاء 30 أغسطس 2022

المستشار الألماني أولاف شولتس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

براغ- (أ ف ب):

ألقى المستشار الألماني أولاف شولتس خطاباً حول السياسة الأوروبية العامة يوم الاثنين 29 أغسطس في جامعة كارلوفا في العاصمة التشيكية براغ مليئاً بالمقترحات التي تأتي قبل كل شيء آخر استجابة لحالة الطوارئ التي فرضتها استطالة الحرب في أوكرانيا، على بلاده أولاً، ثم على الاتحاد الأوروبي.

بعد انقضاء الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، يذهب المستشار الاشتراكي الديموقراطي الذي وصل إلى السلطة منذ ثمانية أشهر إلى براغ مع إرادة التأثير على أجندة الرئاسة التشيكية والرد على الانتقادات التي تتهم ألمانيا بالعمل منفردة عن الاتحاد ودوله في كثير من الأحيان أو بنقص المقترحات الألمانية على المستوى الأوروبي.

ينوي أولاف شولتس توضيح ما يقصده بشعاره Zeitenwende والذي يعني "نهاية حقبة أو عصر وبداية عهد جديد" والذي استدعاه في خطاب الـ50 دقيقة أربع مرات وسرعان ما أصبح الفكرة المهيمنة لخطاباته. ورغم أن الخطاب ظل غامضاً في بعض الأحيان، إلا أنه على الأقل يقترح ويناقش ويؤكد.

يذكر خطاب شولتس في جامعة كارلوفا المرموقة بخطاب إيمانويل ماكرون في أيلول/سبتمبر 2017 في جامعة السوربون المرموقة بدورها. يضاعف شولتس هنا الاقتراحات ويسعى على ما يبدو إلى جعل ألمانيا قوة مبادرة أوروبية. الخطاب مليء بعبارات "أعتقد" و"أقترح" و"أتخيل نفسي جيداً"، وغيرها من الصيغ الذاتية، وكذلك بالإشارات إلى التاريخ الأوروبي العريق للعاصمة التشيكية.

من كارل الرابع (امبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة من القرن 14) إلى توماس ماساريك (أول رئيس لتشيكوسلوفاكيا) مروراً بكافكا وكونديرا، يتذكر المستشار المكانة المركزية لبراغ وجامعتها في التاريخ السياسي والثقافي والفكري للقارة بينما يؤكد لجمهورية التشيك ورئيس وزرائها بيتر فيالا دعمه الكامل خلال فترة رئاسة البلاد للاتحاد الأوروبي.

يقترح الخطاب عدة إصلاحات ملموسة إلى حد ما لأوروبا على أساس أربعة محاور رئيسية. يتمثل الأول في إعداد الاتحاد للتوسع من خلال الإصلاح المؤسسي (التمديد التدريجي لتصويت الأغلبية المؤهلة في المجلس الأوروبي، وإعادة تنظيم التوازنات في البرلمان والمفوضية لتجنب التضخم المفرط). ويتخذ شولتس موقفاً مؤيداً لمبادرة ماكرون حول "مجتمع سياسي أوروبي" يضم الدول المجاورة التي تهدف إلى دخول الاتحاد والتي يراها رئيس الحكومة الألمانية مكملة للمؤسسات الحالية.

قد يتخذ هذا المجتمع شكل "تبادل منتظم على المستوى السياسي - منتدى نلتقي فيه نحن، رؤساء دول وحكومات الاتحاد وشركاؤنا الأوروبيون، مرة أو مرتين في السنة لمناقشة القضايا الرئيسية التي تؤثر على كل القارة، مثل الأمن والطاقة والمناخ والاتصال".

المحور الثاني هو تعزيز السيادة الأوروبية حيث ترغب ألمانيا في أن تكون فيه قوة اقتراح لوضع حد للاعتماد المفرط الذي تجد نفسها فيه تجاه روسيا لجهة وارداتها من الطاقة. يذكر المستشار، دون أن يسميه، جهود وزير الاقتصاد والمناخ روبرت هابك، مثل تطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال. تقدم ألمانيا هذا الجهد من منظور "الإيثار"، لمساعدة البلدان التي لا تمتلك منافذ ساحلية، ولكن فيما يتعلق بتحقيق هذا الهدف المتمثل في التنويع والربط الشبكي لأنظمة الطاقة، يظل المستشار غامضاً إلى حد ما. السيادة التي يريدها أولاف شولتس هي أيضاً صناعية وتقنية وهو يصر بشكل خاص على التحكم في سلاسل إنتاج أشباه الموصلات.

تتعلق المقترحات/المحاور الأخرى بالطاقة (السوق الداخلية للطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وشبكة الهيدروجين الأوروبية، ومضاعفة نقاط الشحن للمركبات الكهربائية وتطوير وقود الطيران المحايد مناخياً) بهدف تحقيق الحياد الكربوني في عام 2050، وبالتالي فهي مقترحات من منظور طويل الأمد. أما مستقبل الطاقة النووية الألمانية، فغامض في خطاب شولتس، ويبدو أن الملف كله قد أجل بنتيجة غزو أوكرانيا وانكشاف برلين تماماً أمام موسكو. تحدث شولتس أيضاً عن عقلنة ضرورية لإعادة التسلح في أوروبا بهدف تسهيل التشغيل البيني وصيانة المعدات، والتي يمكن أن تساهم فيها الـ100 مليار دولار التي أعلن عنها والمخصصة لبناء الجيش الألماني. ويسمي شولتس على وجه الخصوص تطوير نظام دفاع مضاد للطائرات حديث، ورادارات وطائرات استطلاع بدون طيار، وغيرها من المشاريع التي يمكن أن تتشارك بها عدة دول (من بينها فرنسا التي تملك خبرة مميزة في قطاع الطيران). ولكن السيد شولتس لم يقل من أين ستشتري بلاده أسلحة بـ100 مليار، في وقت يفهم فيه كثيرون إنها ستكون أمريكية، وكذلك فإنه ظل صامتاً بالنسبة لمشاريع التسلح الفرنسية الألمانية الرئيسية المشتركة الجارية وفي مقدمتها "نظام القتال الجوي المستقبلي" و"نظام القتال البري الرئيسي".

يريد شولتس التغلب على الانقسامات في مجالين أثارا كثيراً من الجدل في أوروبا على مدى السنوات العشر الماضية، وهما سياسات الهجرة من جهة والسياسات المالية والضريبية من جهة أخرى. في هذا المجال الأخير، الحكومة الألمانية تبدو منفتحة على تعديل المعاهدات الأوروبية، لكنها تريد العودة إلى شكل من أشكال استقرار الميزانية، تماشياً من الضغوط الداخلية التي يمارسها وزير المالية الليبرالي كريستيان ليندنر. لذلك يقترح شولتس اتفاقية جديدة لخفض الديون من شأنها أن تحل محل المعايير المعمول بها ولكن تم تعليقها بالفعل مع جائحة كوفيد-19. يجب أن تسمح هذه الاتفاقية بالاستثمار العام بينما تكون ملزمة سياسياً لأعضاء المنطقة الأوروبية. فيما يتعلق بالهجرة، فإن المنهج متشابه لأنه ينطوي على تعزيز ضوابط الحدود وتلبية احتياجات العمالة الماهرة للمجتمعات الأوروبية، من خلال مضاعفة الشراكات الملزمة ولكن المفيدة مع بلدان المنشأ والعبور.

أخيراً، فإن الخطة الألمانية تفرد أيضاً حيزاً للقيم واحترام سيادة القانون في الدول الأعضاء. وفقاً لشولتس، الشيء الوحيد الذي يعطي الاتساق للاتحاد الأوروبي ويبرر حربه ضد روسيا إلى جانب أوكرانيا هو قيمه. وكما أوضح في عموده في "صحيفة فرانكفورتر العامة"، فإن الصراع المستمر في أوكرانيا له أيضاً بعد أخلاقي. ولكن من المهم كذلك فرض احترام هذه القيم داخل حدود الاتحاد الأوروبي لتجنب تكاثر ما يسميه بـ"الديمقراطيات غير الليبرالية". التدابير التي ذكرها المستشار هي، على سبيل المثال، استخدام المادة 7 من معاهدة الاتحاد الأوروبي واشتراط دفع بعض الأموال من ميزانية 2021-2027 بالامتثال لمبادئ استقلال القضاء. ومع ذلك، يحرص شولتس على عدم تبني نبرة قتالية للغاية، فهو لم يذكر اسم أي من الدول المخالفة للقيم التي يتحدث عنها ويعتبر أنه مؤيد شخصياً لإيجاد تسويات سياسية لـ"انتهاكات" الأعضاء التي من شأنها أن ترافق أو تحل محل الإجراءات القانونية.

يبدو أن شولتس مقتنع بأن أوروبا لا تُبنى فعلاً إلا استجابة لأزمات متتالية ولذا فهو يتبنى صيغة إعلان وزير الخارجية الفرنسي الأسبق روبير شومان من عام 1950 عن "التضامن الواقعي". باستحضاره عدة مرات للشجاعة السياسية للطلاب التشيكيين من الثلاثينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي، يحاول شولتس أيضاً ربط نضالهم بالنضال الحالي في أوروبا. وهكذا يبدو أنه مقتنع بأن رهانات البناء الأوروبي قد تغيرت: إذا كان القصد من بناء الاتحاد في البداية ضمان السلام والازدهار ثم العدالة والحرية، فيجب عليه الآن أن يدافع عن نفسه أيضاً ضد التهديدات الخارجية، الأمر الذي يستدعي إصلاحات لتوسيع مهمته ولتكوين سردية مشتركة جديدة لتبرير جهود الجميع.

هذا المحتوى من

AFP

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان