ماذا يعني مقتل الظواهري بالنسبة لتنظيم القاعدة؟
واشنطن - (د ب أ):
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن ضربة نفذتها القوات الأمريكية بطائرة مسيرة قتلت زعيم تنظيم القاعدة إيمن الظواهري نهاية الأسبوع. فما هو حجم الدور الذي كان يلعبه الظواهري في التنظيم؟.
يقول الكاتب والخبير الأمريكي بروس هوفمان في تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن الظواهري كان مهما للغاية للقاعدة في العقد الذي أعقب مقتل أسامة بن لادن زعيم التنظيم السابق. فقد حافظ على تماسك التنظيم بقوة شخصيته ورؤيته الاستراتيجية، التي أتاحت لمختلف فروع القاعدة بمواصلة أجنداتها المحلية والإقليمية، والتمتع باستقلال تكتيكي تام.
وقد كانت رؤيته الاستراتيجية ناجحة، حيث تمتلك حركة الشباب وجماعة نصر الإسلام وجودا قويا في شرق أفريقيا ومنطقة الساحل، على الترتيب، كما أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لا يزال يقاتل في اليمن، كما انتشر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في بنجلاديش والهند والمالديف وميانمار وباكستان. وما زال تنظيم حراس الدين هو ممثل القاعدة في بلاد الشام. لم يكن كل هذا ليتحقق بدون الظواهري.
وعلى الرغم من أن التنظيمات التابعة للقاعدة كانت تتمتع باستقلال هائل، فقد التزمت بأيديولوجية التنظيم وتقيدت باستراتيجية الظوهري... وسوف يستمر هذا الوضع.
ورأى هوفمان أن الخطوة التالية لتنظيم القاعدة هي التركيز على خطة الخلافة، مشيرا إلى أن سيف العدل، وهو أحد أبرز قادة القاعدة منذ فترة طويلة هو المرشح الأوفر حظا لخلافة الظواهري.
وقد لعب سيف العدل الضابط السابق بوحدة عمليات خاصة بالجيش المصري دورا مهما في تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي عاصمة كينيا وفي دار السلام العاصمة السابقة لتنزانيا، كما كان العقل المدبر لحملة القاعدة الفاشلة في المملكة العربية السعودية عام 2003. وقد قام بتعليم وتوجيه حمزة بن لادن، نجل أسامة، الوريث الشهير كأمير للقاعدة، وفي السنوات الأخيرة كان يشرف على عمليات القاعدة في سوريا.
ومن المتوقع أن يكون سيف العدل نشطا في لم شمل تنظيم القاعدة وفروعه. وفي نهاية الأمر، وبعد أيام قليلة، سيحتفل تنظيم القاعدة بالذكرى السنوية الـ34 لتأسيسه. ولا يمكن أن يستمر تنظيم إرهابي لأكثر من ثلاثة عقود من خلال الاعتماد على زعيم واحد.
وتحتوى قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للجماعات الإرهابية حاليا على أربعة أضعاف الجماعات التي تشترك في إيديولوجية القاعدة مقارنة بالقائمة وقت هجمات 11 سبتمبر 2001. ولذلك، فإنه بطريقة أو بأخرى، ستستمر الحرب التي أعلنها بن لادن قبل أكثر من ربع قرن بمستوى معين.
واعتبر الكاتب بروس هوفمان الأستاذ في "كلية إدموند أ. والش للشؤون الخارجية" في "جامعة جورج تاون"، والتي يدير فيها "مركز الدراسات الأمنية" و"برنامج الدراسات الأمنية" والخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن إقامة الظواهري في العاصمة الأفغانية كابول وقت مقتله لها أهمية كبيرة، حيث تشير إلى أنه كان يقيم هناك بمعرفة حركة طالبان. وهذا يهدم مزاعم طالبان بأنها قطعت علاقتها بالقاعدة، ويؤكد أن الجماعة ليست سوى شريك مقرب وحليف.
فلم يكن الظواهري يعيش في كهف في قرية نائية على الحدود مع باكستان، ولكن في قصر في جزء من كابول يقطنه دبلوماسيون غربيون. ومن الواضح أنه كان صديقا مقربا من حركة طالبان وتتم معاملته بإجلال واحترام كبيرين. وسيقوض هذا جهود طالبان للتفاوض مع الولايات المتحدة للإفراج عن 9 مليارات دولار من الأصول المجمدة لدى واشنطن.
وفيما يتعلق بمدى الخطر الذي يشكله تنظيم القاعدة مقارنة بالجماعات الإسلامية الأخرى، قال هوفمان إن تنظيم القاعدة تحت قيادة الظواهري، كان يلعب لعبة طويلة، وكان قانعا بالعمل بهدوء لإعادة بناء التنظيم وإعادة تجميعه ، في الوقت الذي ركز فيه العالم على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتدمير خلافته.
وانقسمت استراتيجية الظواهري إلى شقين، الأول، ترك تنظيم الدولة ليكون محور كل اهتمام الولايات المتحدة وحلفائها، بينما وجه تنظيم القاعدة قوته للاستمرار في كفاحه المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود. وكان الشق الثاني هو تصوير القاعدة على أنه تنظيم يضم متشددين معتدلين- كقوة أكثر موثوقية وليست سريعة الزوال مقارنة بتنظيم الدولة الأكثر تهورا وعنفا. وتأكدت صحة استرتيجية الظواهري الهادئة من خلال الصبر والمثابرة اللذين أعادا طالبان إلى السلطة في أفغانستان. ولذلك، على الرغم من أن تنظيم القاعدة كان أقل نشاطا من منافسيه الاسلاميين أو حتى فروعه، فهذا لا يعني أنه نبذ الإرهاب أو تخلى عن كفاحه.
وفيما يتعلق بعلاقة الضربة الجوية بنهج إدارة بايدن في مكافحة الإرهاب، قال هوفمان إن الظواهري كان يقف في شرفة مسكنه يوميا في وضح النهار. وقد تعقبت أجهزة الاستخبارات الأمريكية حركة زوجته وبناته وأحفاده إلى القصر في أحد أحياء كابول. ثم تعرفت على الظواهري عند حضوره للانضمام إليهم. وأشار هوفمان إلى أنه لا يعني أن العمل الاستخباراتي أو الضربة نفسها كان عملا سهلا، وإنما إلى أن الظواهري وعائلته كانوا يفعلون هذه الأمور بشكل واضح للجميع، وهذا يدل على مدى شعورهم هم وحركة طالبان بالأمان.
واختتم هوفمان تحليله بالقول إن موت الظواهري يعد بالفعل خبرا رائعا، لكنه لا يبرهن حتى الآن على فعالية استراتيجية بايدن المستقبلية لمكافحة الإرهاب. سيكون هذا نجاحا استخباراتيا بحجم مختلف إذا نجحت الجهود الأمريكية الحالية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان أيضا بشكل فعال في عرقلة التخطيط لهجمات إرهابية فعلية ومنع تنفيذها.
ويضيف أنه من ناحية أخرى، تبطل الضربة التي استهدفت الظواهري مزاعم المنتقدين الذين قالوا في الأسبوع الماضي- في الذكرى السنوية الـ75 لتأسيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي اي ايه) إنه كان من الخطأ أن تركز الوكالة على مكافحة الإرهاب والمخاطر الكبيرة بعد هجمات 11 سبتمبر ولا تبدى تركيزا كافيا على جمع المعلومات الاستخباراتية المهمة للحياة اليومية للمواطنين. إن الدور المحوري لوكالة الاستخبارات المركزية في مقتل بن لادن والظواهري يظهر نقاط القوة والقدرات التي لا نظير لها لدى الوكالة وأجهزة الاستخبارات على نطاق أوسع.
فيديو قد يعجبك: