بعد إلغاء أول رحلة.. غموض بشأن نقل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا
(دويتشه فيله)
بعد قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإلغاء أول رحلة جوية لنقل طالبي لجوء من بريطانيا إلى رواندا، مازالت هناك حالة من القلق والشك تسود الكثيرين في رواندا مع اعتزام بريطانيا نقل طالبي لجوء إلى هذا البلد الفقير.
قبل انطلاق الرحلة الجوية الأولى من نوعها لنقل طالبي لجوء من بريطانيا إلى رواندا، صدر قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإلغاء نقل سبعة أشخاص إلى هذا البلد الفقير، الواقع في شرق أفريقيا، بعد معارك قضائية شهدتها ساحات المحاكم البريطانية.
وقبل القرار الأوروبي، كانت بريطانيا تعتزم نقل عدد من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى رواندا بعد أن رفضت محكمتان بريطانيتان الاثنين دعاوى قضائية لعرقلة خطط ترحيلهم إلى هذا البلد الفقير.
ورفضت المحكمتان طعونا أقامتها منظمات مدافعة عن حقوق المهاجرين في محاولة كانت الأخيرة لمنع نقل طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا.
بيد أن الداخلية البريطانية أعلنت أن أول رحلة لنقل طالبي لجوء إلى رواندا لن تنطلق وفقا لما كان مقررا لها الثلاثاء بعد قرار صدر من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اللحظات الأخيرة.
المزيد من الغموض
ورغم خروج تأكيدات ضمنية من الحكومة البريطانية بأن قرارات القضاء الأوروبي لن توقف خططها لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، إلا أنه لا يُعرف حتى الآن كيف سيكون الرد البريطاني الرسمي على قرار المحكمة الأوروبية.
يشار إلى أنه في منتصف أبريل الماضي، وقّعت بريطانيا ورواندا اتفاقا لإرسال طالبي اللجوء والمهاجرين الذين دخلوا بريطانيا بشكل غير قانوني إلى الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.
وبموجب الاتفاق، ستقوم السلطات في رواندا بمعالجة المسائل المتعلقة بطالبي اللجوء، في خطوة قد تمهد الطريق أمام إعادة توطينهم، فيما ستقدم بريطانيا قرابة 157 مليون دولار (144 مليون يورو) لتغطية نفقات استكمال هذه الإجراءات.
اتهامات ضد بريطانيا ورواندا
ويتوقع أن تدفع بريطانيا المزيد من الأموال في حالة استقبال رواندا المزيد من المهاجرين وطالبي اللجوء وسط غموض حيال الرقم الحقيقي لإجمالي الأعداد التي ستنقل إلى رواندا.
وأثار الاتفاق الكثير من الانتقادات حيث وصل الأمر إلى توجيه اتهامات اتجار بالبشر ضد البلدين فيما أكدت لندن وكيغالي على أن الاتفاق يكافح جرائم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين.
وقد أكدت الناطقة باسم الحكومة في رواندا، يولاندي ماكولا، على ذلك خلال مؤتمر صحفي في كيغالي الثلاثاء، قائلة: "نحن بصدد فعل الشيء الصحيح".
وأضافت "نتفهم وجود معارضة (لهذا الاتفاق)، لكننا نطالب بمنحه فرصة لأنه يمثل الحل خاصة وأن نظام اللجوء العالمي قد تحطم"، مشيرة إلى أن العديد من الأشخاص "يخاطرون بحياتهم لعبور الحدود الخطرة، لذا يجب فعل شيء".
ووفقا للاتفاق، فإن الحكومة في رواندا سوف تستقبل طالبي اللجوء وتعمل على إيوائهم داخل نُزل في كيغالي والمناطق المتاخمة ما يشير إلى أنها لا تتوقع نقل أعداد كبيرة من بريطانيا.
بدوره، أعرب لويس مودج، مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في أفريقيا الوسطى، عن بالغ قلقه إزاء قدرة رواندا على استقبال اللاجئين.
وفي مقابلة مع DW قال إن هذا الأمر "يثير تساؤلا مفاده: هل رواندا دولة تحترم حقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية؟ بالنسبة لنا فإن الإجابة هي لا تحترم".
وكانت منظمات حقوقية قد اتهمت الحكومة والسلطات في رواندا بقمع المعارضة والزج بالمعارضين في السجون وتبني سياسات قمعية في اتهامات تنفيها كيغالي.
في المقابل، أكدت وزارة العدل في رواندا على أن "الغرض الرئيسي من هذه الشراكة يتمثل في توفير الوضع القانوني للأشخاص الذين يعيشون في هذا البلد".
وخلال مؤتمر صحافي الثلاثاء، قالت دوريس أويسيزا، كبيرة المستشارين الفنيين في الوزارة، إنه بمجرد حصول المهاجرين على الوضع القانوني، سوف يٌتاح لهم فرص التقدم للحصول على جنسية رواندا شريطة الوفاء بكافة المعايير اللازمة. وأضافت "سيتم إبلاغ المهاجرين بكافة تفاصيل مسار حصولهم على الجنسية الرواندية".
شكوك حول نوايا الحكومة
وأثار الأمر تساؤلات حيال الأسباب وراء إبرام رواندا هذا الاتفاق مع بريطانيا وماذا سيعود على كيغالي، فيما شكك كثيرون في تأكيد الحكومة الرواندية على رغبتها في إعادة توطين ودمج المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
وفي مقابلة مع DW قالت زعيمة المعارضة فيكتوار اينغابيري إن "شعب رواندا يشتهر بحسن الضيافة، لكن الحكومة لا تحترم حقوق الإنسان".
لكن يبدو أن إدعاء الحكومة بأنها ترغب في منح اللاجئين فرصة لبناء حياة جديدة، لا يجد صدى بين سكان رواندا.
وفي ذلك، قال تشارلز ندوشاباندي، أحد سكان العاصمة، إذا كان الاتفاق سوف ينفذ "لأسباب إنسانية فسيكون جيدا، لكنه سوف يثير مشاكل إذا كانت الحكومة تقوم بذلك لتحقيق مصالح سياسية".
بدوره، يرى جون غاهاماني، صحافي من رواندا، أنه من الجيد أن تساعد حكومة رواندا الأشخاص الذين يعانون من ظروف صعبة مماثلة لما عانى منه سكان رواندا خلال حقبة الإبادة الجماعية في تسعينيات القرن الماضي عندما قُتل حوال 800 ألف شخص على يد متطرفين من قبائل الهوتو في استهداف لأقلية التوتسي فضلا عن نزوح مئات الآلاف إلى البلدان المجاورة.
وفي مقابلة مع DW قال إن الاتفاق يحمل في طياته مؤشرا على التعاطف، لكنه شدد على ضرورة عدم إجبار اللاجئين وطالبي اللجوء على الانتقال إلى رواندا إذ إن السبب الرئيسي لفرارهم من بلادهم "كان المشاكل في بلادهم الأصلية، لذا يجب احترام قرارهم".
أما جونزا موغانوا، المحلل السياسي من رواندا، فيعتقد أن اشتمال الاتفاق على دفع أموال كبيرة من بريطانيا يعد السبب في أن القرار "اثار اهتمام الكثيرين"، لكنه شدد على أن الأمر لا يتوقف على ذلك فقط.
وفي مقابلة مع DW قال إن الحكومة في رواندا "لا تصرح بذلك صراحة، لكن يبدو الأمر جليا خاصة في مساعيها للتحالف مع حزب المحافظين البريطاني أو بريطانيا بشكل عام".
كانت عدة دول مثل الدنمارك والنمسا قد أعربت عن اهتمامها بهذا النوع من الاتفاقات.
محنة المهاجرين في رواندا
في مقابلة مع DW قالت فيكتوار إنجابير، مواطنة من رواندا، إنه يتعين على رئيس البلاد والحكومة في المقام الأول إيلاء اهتمام أكبر للقضاء على الفقر في البلاد، مؤكدة أن رواندا لا يمكن أن تكون ملاذا آمنا للمهاجرين في ضوء تصاعد التوتر بينها وبين دول الجوار. وأضافت "لن يكون لطالبي اللجوء أي مستقبل في رواندا إذ أن البلاد لا تزال تعيد بناء نفسها".
ويتفق في هذا الرأي عدد من اللاجئين الذين يعيشون في رواندا ومن بينهم فيصل الشاب الإثيوبي البالغ من العمر 20 عاما ويعيش في مركز عبور بمنطقة غاشورا بشرق رواندا منذ نقله من ليبيا عام 2019.
وقال "أدعو الله أن يساعدني على مغادرة هذا المكان. ليس لدي ما أفعله سوى لعب كرة القدم والشرب".
وفقا لتقديرات الحكومة، فإن عدد اللاجئين والمهاجرين الذين تستضيفهم رواندا يبلغ أكثر من 130 ألفا جرى نقلهم من دول أفريقية وغير أفريقية مثل باكستان.
لا فرص عمل
يشار إلى أن العام الماضي شهد تمديد اتفاق نقل طالبي اللجوء من ليبيا إلى رواندا بين الحكومة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الأفريقي.
وقد ذكرت المفوضية أن الاتفاق مهد الطريق أمام إعادة توطين في دول أخرى لمئات المهاجرين ممن جرى نقلهم في البداية إلى رواندا، مضيفة أن الأفراد الذين لم يتم نقلهم يواجهون صعوبات في قضية إعادة التوطين في دول أخرى.
أما على أرض الواقع، فيؤكد مهاجرون على أن الوضع في رواندا في غاية الصعوبة.
وفي ذلك، قال كيلي نيموبونا، وهو لاجئ من بوروندي عبر الحدود إلى رواندا، إنه بدون الحصول على فرصة عمل فإن الحياة ستكون شبه مستحيلة.
وأضاف "لا يمكننا تناول الطعام مرتين يوميا بسبب ضيق الحال وما يزيد الوضع سوءا هو عدم وجود فرص عمل في رواندا".
يشار إلى أن رواندا لا تزال من بين البلدان الأقل نموا في العالم فيما بلغ معدل البطالة بين الشباب 24٪ في نهاية العام الماضي.
فيديو قد يعجبك: