لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

محلل استراتيجي: تركيا "صداع" لا ينتهي في رأس أمريكا والناتو

10:44 ص السبت 12 يونيو 2021

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

واشنطن- (د ب أ):

البيانات الرسمية بشأن محادثات الرئيس الأمريكي مع قادة العالم ليست "عملا أدبيا". فهي عادة تتكون من إعلان أن المحادثات جرت، ثم تقدم تلخيصا مقتضبا لفحوى المحادثات في جمل قصيرة .

وكما هو الحال في كل شيء بواشنطن، فإن هذه البيانات وقراءتها جزء من اللعبة التي يمارسها الصحفيون والمحللون والمعلقون على مواقع الإنترنت ليستشفوا حقيقة ما دار في المحادثات وطبيعة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والدولة التي كان الرئيس الأمريكي يتحدث مع قائدها، سواء كان رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو ملك.

ويترقب المعنيون بالملف التركي في الولايات المتحدة التقارير الخاصة باللقاء المنتظر بين الرئيس جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان يوم الاثنين المقبل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" بالعاصمة البلجيكية بروكسل. فبعد أول محادثة هاتفية بين الرئيسين في نيسان/أبريل الماضي، جاء البيان الرئاسي الأمريكي عن المحادثة الهاتفية الذي تكون من جملتين فقط، لكي يجسد برودة العلاقات بين واشنطن وأنقرة. ولم يكن استغلال بايدن المحادثة من أجل تحذير أردوغان من أن البيت الأبيض سيعترف بالمذبحة التي ارتكبتها تركيا ضد الأرمن عام 1915 وهي الخطوة التي تعارضها تركيا بشدة منذ عقود، أمرا مفيدا.

ويرى ستيفن كوك المحلل وكبير الباحثين في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن قرار بايدن الاعتراف بإبادة تركيا للأرمن ورغبة إدارته بشكل عام في اتخاذ موقف أشد صرامة ضد تركيا يعكس حجم الدراما التي تحيط بلقاء أردوغان وبايدن يوم الاثنين المقبل.

والحقيقة أن العلاقات بين تركيا وكل من الولايات المتحدة وحلف الناتو ككل متدهورة منذ حوالي خمس سنوات، حيث تستعرض تركيا عضلاتها بشراء الأسلحة الروسية وتهديد أعضاء الناتو في البحر المتوسط وقمع المعارضة المحلية . وهناك شعور متزايد داخل دوائر صناعة السياسة الأمريكية بأن أمريكا الرسمية وصلت إلى نهاية المطاف مع الحكومة التركية.

لذلك فالسؤال الذي يطرحه ستيفن كوك في التحليل الذي نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي هو هل سيتعامل بايدن مع أردوغان بطريقة خشنة؟ هذا الأمر بالتأكيد سيرضي مجموعة من أعضاء الكونجرس وخبراء السياسة والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين الأتراك، لكنه من المحتمل ألا يكون كافيا إذا ما قرأ بايدن ولو على انفراد قانون أردوغان لمكافحة الشغب في تركيا.

وعلى الرغم من الهجوم العنيف على تركيا في واشنطن هذه الأيام، فإن هؤلاء الذين يتوقعون نتائج مهمة من لقاء بايدن وأردوغان سوف يصابون بخيبة الأمل.إذ أن بايدن لا يستطيع فعل الكثير بالنسبة للمعضلة الجيوسياسية التي تمثلها تركيا، ومن غير المحتمل أن يشير بايدن إلى توتر العلاقات، على الأقل بشكل علني، لأنه يركز حاليا على إصلاح علاقات أمريكا مع شركائها في حلف شمال الأطلسي. وستظل أنقرة عضوا في حلف الناتو على الورق، لكنها لم تعد شريكا منذ وقت طويل، وهذا الوضع لن يتغير في وقت قريب.

وتكمن أهمية تركيا في حلف الناتو في موقعها الجغرافي. فهي قريبة من روسيا ومن الشرق الأوسط ومنطقة البلقان، وبالتالي فهي قيمة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للجناح الجنوبي الشرقي من الحلف. وهذا يعطي تركيا دائما قدرا من الحرية في تبنى سياسات لا تتوافق تماما مع سياسات الناتو، سواء كان ذلك في صورة السلطوية الناعمة التي حكمت في أنقرة عبر أربعة انقلابات عسكرية خلال الفترة من 1960 إلى 1997، أو احتلال شمال قبرص منذ عام 1974 وحتى اليوم.

وخلال السنوات الأخيرة بدأ أردوغان الذي يعتبر تركيا قوة عظمى ملك يده، في اختبار حدود الوضع المتميز لبلاده.

ويرى كوك أن الكثيرين في واشنطن لا يدركون حقيقة أن أنقرة مصدر قلق كبير بالنسبة لحلف الناتو، في ظل علاقاتها المتوترة مع الشركاء الآخرين في الحلف. ففي الصيف الماضي على سبيل المثال، دخلت تركيا في أزمة مع عضوين بالحلف وهما اليونان وفرنسا. وباختصار فإن تركيا وقعت اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا دون أي أساس قانوني وقسمت البحر المتوسط بالنصف تقريبا، بالإضافة إلى مرور هذه الحدود بالقرب من جزيرة كريت اليونانية، حيث يمكن أن توجد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تحت سطح البحر.

وعارضت فرنسا التي تعتبر نفسها قوة رئيسية في البحر المتوسط التحرك التركي. في الوقت نفسه بدأت تركيا من جانب واحد التنقيب عن الغاز في المياه التابعة لدولة قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها ليست عضوا في حلف الناتو، مما دفع فرنسا واليونان إلى إعلان دعمهما العسكري لقبرص.

وهناك أيضا الملف الروسي، في ظل تنامي العلاقات التجارية والدبلوماسية والعسكرية بين أنقرة وموسكو في السنوات الأخيرة، ولكنها علاقات غير مستقيمة كما يعتقد الكثيرون. فرغم التقارب بين البلدين والذي وصل إلى شراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس 400 التي تعترض عليها الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، تجد أنقرة نفسها في موقف مناقض للموقف الروسي في الكثير من الملفات الحيوية الإقليمية بدءا من الملف السوري وحتى الملف الليبي وأزمة إقليم ناجورنو كاراباخ وأوكرانيا. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا اشترت تركيا منظومة صواريخ إس 400؟ ولماذا يحرص أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على احتواء خلافاتهما؟

ويقول كوك إنه يمكن العثور على إجابة هذا السؤال في بيان من وزير داخلية تركيا سليمان صويلو قبيل وصول صواريخ إس 400 إلى إحدى القواعد الجوية خارج أنقرة حيث اعتبر الوزير المشاكس هذا اليوم "يوم استقلال" تركيا عن حلف الناتو وعن أمريكا. فأردوغان ووزيره وغيرهما من التيار القومي في تركيا ينظرون إلى بلادهم باعتبارها قوة أوروبية وقوة أوراسية وقوة إسلامية.

وأخيرا يرى كوك أن لقاء بايدن وأردوغان يوم الاثنين المقبل سيكون باردا كما كانت المحادثة الهاتفية في أبريل الماضي، لكن قمة حلف الناتو ستنتهي كما بدأت؛ حيث مازال القادة غاضبون من دور تركيا في تخفيف حدة رد فعل الحلف على تصرفات بيلاروسيا، ويُحتمل أن تظل أزمة منظومة صواريخ إس 400 بدون حل، وكذلك سوف تستمر الشكوك الأمريكية تجاه تركيا كحليف صعب. بمعنى أخر تركيا مشكلة، ومن غير المتوقع أن يتحرك بايدن أو أردوغان لحلها في أي وقت قريب.

فيديو قد يعجبك: