"انقلاب داخل الانقلاب" و"مرونة للخروج من الأزمة".. ماذا يحدث في مالي؟
كتبت – إيمان محمود:
كانت الأوضاع في مالي تنذر بانفجار وشيك على الساحة السياسية المضطربة منذ عقود؛ فبعد احتجاجات أسفرت عن استقالة الحكومة، لم يلقَ التشكيل الوزاري الجديد استحسانا لدى العسكريين قادة انقلاب 2020، ليقرروا إعادة الكرّة.
فبعد ساعات من التعديل الوزاري داخل الحكومة الانتقالية، يوم الاثنين الماضي، أعلن العقيد أسيمي جويتا الذي قاد الانقلاب في أغسطس الماضي، اعتقال الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوان، في خطوة اعتبرها مراقبون دوليون "انقلابًا داخل الانقلاب".
ويُحتجز نداو وعوان في معسكر خارج العاصمة باماكو منذ اعتقالهما مساء الإثنين.
وقال رئيس الوزراء مختار عوان في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الفرنسية، إن عسكريين اقتادوه بالقوة إلى مكتب الرئيس، وأكدت مصادر قريبة من رئيس الوزراء، أن مختار عوان تم نقله بعيدا في قاعدة عسكرية خارج العاصمة باماكو.
كانت حجة جويتا – الذي أغضبه استثناء اثنين من القيادات العسكرية من حقيبتي الدفاع والأمن- أن الرئيس ورئيس الوزراء "فشلا في أداء مهامهما، وكانا يريدان تخريب عملية التحوّل في البلاد".
وقال جويتا "هذا الإجراء يدل على إرادة واضحة لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء بشأن انتهاك الميثاق الانتقالي، بحيث ثبت وجود نية في تخريب العملية الانتقالية".
وأضاف أنه "مُلزَم بالردّ وتجريد الرئيس ورئيس الوزراء وجميع الأشخاص المتورطين من صلاحياتهم".
وفي اليوم التالي، أعلن جويتا تجريد الرئيس ورئيس الوزراء من صلاحياتهما، مؤكدًا أن "الانتخابات ستجري في موعدها العام 2022".
وحملت التشكيلة الحكومية الجديدة تغييرات تمثلت في إبعاد العقيدين ساديو كامارا وموديبو كوني، اللذين كانا يشغلان حقيبتي الدفاع والأمن، وهما عضوان بالمجلس العسكري الذي أطاح بنظام إبراهيم بو بكر كيتا.
واستبدل الوزيران بالجنرالين سليمان دوكوري، ومامادو لامين بالو، واللذين لا يعتبران من رموز المجلس العسكري.
وتشهد مالي –الواقعة في غرب أفريقيا- وجارتيها النيجر وبوركينا فاسو، أعمال عنف تنفذها حركات إسلامية متطرفة، ونزاعات قبلية وغيرها من المواجهات التي خلفت آلاف القتلى ومئات الآلاف من المشردين.
بداية الانقلاب
في أغسطس الماضي، شهدت البلاد انقلابًا على الرئيس المنتخب إبراهيم بو بكر كيتا، الذي واجه ضغوطًا بسبب طريقة تعامله مع "التمرد" في البلاد، وتسلّم المجلس العسكري بقيادة جويتا حكم البلاد، والذي كان يُسمى أيضًا "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب".
وبعد ضغوط دولية، شكّل المجلس العسكري في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، هيئات انتقالية (رئاسة وحكومة ورئيس وزراء وهيئة تشريعية)، وتعهّدوا بتسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين في غضون 18 شهرًا.
وأعلن قائد الانقلاب أسيمي جويتا نفسه نائباً للرئيس الانتقالي، بينما انتُخب الكولونيل المتقاعد باه نداو رئيسًا انتقاليًا في حينها.
وفي يناير الماضي، أعلن مالك دياو رئيس اللجنة الوطنية الانتقالية، حلّ المجلس العسكري، فيما ظلّ لكن قادة الانقلاب وشخصيات لها ارتباطات بالجيش استمرا في هيمنتهم على المناصب البارزة في الحكومة الانتقالية.
قلق دولي ووساطة
أثار الاعتقالات قلق دولي من تفاقم الأوضاع في مالي، إذ أدانت بعثة الأمم المتحدة في مالي والمجموعةُ الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) والاتحادُ الأفريقي وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي "بشدة محاولةَ استخدام القوة".
وطالبت في بيان مشترك "بالإفراج الفوري وغير المشروط" عن القادة الانتقاليين، وأعربت عن "دعمها الثابت" لهم.
وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب قمة أوروبية، أن القادة الأوروبيين "ندَّدوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه"، الأمر الذي يشكّل "انقلاباً داخل الانقلاب، وهو أمر مرفوض".
وأضاف ماكرون، خلال مؤتمر صحافي، "نحن مستعدّون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محدَّدة الهدف" بحق الأطراف المعنيين.
بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في تغريدة، إلى "الهدوء" و"الإفراج غير المشروط" عن نداو ووان.
وقالت السفارة الأميركية في مالي، إنها تلقت تقارير "عن زيادة النشاط العسكري في باماكو"، ودعت مواطني الولايات المتحدة إلى تجنب السفر غير الضروري إلى داخل المدينة في هذا الوقت، ومراقبة وسائل الإعلام المحلية للحصول على التحديثات.
وفي إطار الوساطة، أوفدت مجموعة غرب إفريقيا الرئيس النيجيري السابق جودلاك جوناثان، الثلاثاء إلى العاصمة المالية للقيام بمهمة جديدة للمساعي الحميدة.
وصرح أحد أعضاء حكومة جويتا طالباً عدم كشف هويته: "أوضحنا للوفد أنه تم إقصاء الرئيس الانتقالي ورئيس حكومته". وأضاف: "نبقي على الانتخابات العام المقبل"، موضحاً أن اجتماعات أخرى ستعقد مع الوسطاء الدوليين.
وأكد أحد أعضاء وفد وساطة غرب إفريقيا أن جوتا زعيم الانقلابيين الذين أطاحوا بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا العام الماضي "قدم لنا أسباب تدخله مع رجاله الاثنين". كما اعتبر أن قائد الانقلاب "يبدي مرونة للخروج من الأزمة".
فيديو قد يعجبك: