لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فيروس كورونا: كيف نتعافى من الصدمة النفسية الجماعية الناجمة عن كوفيد-19؟

02:58 م الخميس 11 فبراير 2021

كورونا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن- (بي بي سي):

أنت تعايش الآن أول صدمة جماعية عالمية لم يشهد العالم مثيلا لها منذ عقود طويلة، ولعلها الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، وربما لم تتعرض لصدمة بهذه الشدة في حياتك.

تجاوزت أعداد الوفيات جراء فيروس كورونا مليوني حالة، ولا تزال تُسجل عشرات الآلاف من الوفيات يوميا. وألقت هذه العاصفة الفيروسية بظلالها على الاقتصاد العالمي، وشبكات العلاقات الدولية والصحة النفسية للأفراد وحتى مظاهر حياة الناس اليومية، فلم يسلم شيء من أذاها.

وربما لا يتبادر إلى الذهن، عند التفكير في جائحة كورونا، حالة "الصدمة النفسية"، ناهيك عن "الصدمة الجماعية"، وذلك لأننا نركز دائما على أبعاد الجائحة الاقتصادية والسياسية والبيئية والعلمية. وحتى عند مناقشة التداعيات النفسية للوباء، سُلطت الأضواء على الاكتئاب والقلق والوحدة والضغوط النفسية، ولم تشغل الصدمة النفسية إلا حيزا ضئيلا من النقاشات الإعلامية.

غير أن الصدمة النفسية أكثر عمقا مما يتصور الكثيرون، فهي ليست مجرد مرادف للتجارب التي تسبب ضغوطا نفسية شديدة، ولا تنتج دائما عن الحوادث المروعة التي تستغرق فترة وجيزة، كحوادث السيارات والهجمات الإرهابية أو مكافحة الحرائق. وتختلف الصدمة النفسية عن اضطراب الكرب التالي للصدمة.

فالصدمة النفسية تتعلق بأحداث وتجارب ومدى تأثيرها على النفس. وتختلف الصدمة النفسية عن الأحداث الضاغطة باختلاف الطريقة التي نتفاعل بها مع الحدث.

وبعد انتهاء الجائحة، ستبقى آثار الصدمة الجماعية الناجمة عنها في المجتمعات لسنوات. فكيف نستوعب هذه التداعيات النفسية؟ وما هي نصائح وتحذيرات الخبراء في الصدمة النفسية للتعافي منها؟

يقول ديفيد سترايكي، الطبيب النفسي وممثل مجلس الصدمة النفسية بالمملكة المتحدة، إن الصدمة النفسية قد توصف بأنها انهيار القدرة على إدراك التجارب والعلاقات والأحداث وتأويلها. ويفسر ذلك بالقول: "عندما تتغير نظرتك لنفسك وللعالم وللآخرين وتنقلب رأسا على عقب بسبب حدث مؤلم، ستتحول الضغوط البسيطة المتلاحقة إلى صدمة نفسية، وخاصة إذا رافق هذه الضغوط شعور مستديم وشديد بالعجز وانعدام الحيلة".

وقد تتسبب المصائب والأحداث المؤلمة اليومية في صدمة نفسية. ففقدان الوظيفة، على سبيل المثال، قد يكون تجربة صادمة بشدة. فالوظيفة يستمد منها المرء هويته والشعور بتقدير الذات وعلو الهمة والتصميم والعلاقات الاجتماعية، فإذا فُصلت من العمل، ستفقد كل الأشياء المرتبطة بها، ومن ثم تتراكم الضغوط النفسية ويصبح الجهاز العصبي في حالة تأهب قصوى.

وعندما يفقد المرء القدرة على استعادة التوازن النفسي، الذي يساعده في مواجهة الضغوط النفسية، ولم يجد شيئا يعوض هذا النقص ليحفزه في الحياة، سيشعر أنه متخبط ومسلوب الإرادة لبعض الوقت. وقد يحتاج المرء لإعادة النظر في معتقداته وإدراكه لذاته، حتى يواجه أثر الصدمة.

ولا ترتبط الصدمة النفسية بالضرورة بطبيعة الحدث أو شدته، فبعض الناس أكثر قدرة من غيرهم على مواجهة الحدث والتعامل معه. ويقول سترايكي أيضا: "قد يعتمد مدى تقبلك للحدث أو عجزك عن تحمله على حالتك النفسية في هذا اليوم، فمن الصعب تمييز الأحداث الصادمة من غيرها".

عندما يتسع نطاق الصدمة

لكن ما دامت الصدمة تنتج عن الطريقة التي نتفاعل بها مع الأحداث والحالة النفسية لكل فرد على حدة، فكيف تحدث صدمة جماعية؟ وهل يمكن أن تتعرض جماعات لصدمة نفسية؟

تحدث الصدمة الجماعية عندما يتعرض عدد كبير من الناس لصدمة نفسية جراء وقوع حدث أو سلسلة من الأحداث في نفس الفترة الزمنية، وقد تكون جائحة كوفيد-19 نموذجا مثاليا للأحداث الصادمة من جوانب عديدة.

وفي خضم الوباء، فقد الكثيرون أقرب الناس إليهم، ولا شك أن الموت يسبب صدمة نفسية لأي شخص في أي مكان، وقد رأى البعض أحباءهم تتدهور صحتهم سريعا أمام أعينهم ولفظوا أنفاسهم الأخيرة في غضون أيام.

والأسوأ من ذلك أن التحدث إلى المرضى والاقتراب منهم قبل الوفاة كان عسيرا بسبب القيود على الزيارات في المستشفيات، وحتى طقوس العزاء والمواساة لم تعد كما كانت، بسبب قيود التباعد الاجتماعي.

وأشار استطلاع للرأي إلى أن 20 في المئة من العاملين بالرعاية الصحية يعانون من آثار ما بعد الصدمة بعد العمل في عزلة مع المرضى في حالة حرجة. ويواجه هؤلاء العاملون عنصرا إضافيا للصدمة، وهو الجرح الأخلاقي، عندما أوقعتهم قرارات الإبقاء على حياة مرضى والتضحية بآخرين في معضلة أخلاقية غير مسبوقة.

وقد تسبب الإصابة بالأعراض الحادة للمرض، كشأن خمس المصابين بالفيروس، صدمة نفسية، فالخوف من الموت ونظرات اللوعة في عيون الأحباء وأعراض المرض نفسها قد تملأك رعبا.

ويقول متين باسوغلو، أحد مؤسسي كلية دارسات الصدمة النفسية بجامعة كينغز كوليدج في لندن: "إن أصعب شعور يمكن أن تتخيله هو العجز عن التنفس، لأنك لا يمكن أن تفعل شيئا للتخفيف من وطأته. فانقطاع النفس هو أوضح صور العجز".

وقد توصف الجائحة بأنها صدمة جماعية، لأن تأثيرها طال الجميع، بمن فيهم أولئك الذي لم يصابوا بالفيروس ولا يعرفون أحدا أصيب به، لأن الرعب يتملكهم من الإصابة بالمرض الخفي القاتل، حتى لو لم تتحقق هذه المخاوف.

وعلاوة على ذلك، فإن سرعة انتشار الفيروس تتجاوز قدرتنا على الاستيعاب بعد توقف مظاهر الحياة في ظل قيود الحجر الصحي. وقد تغير إيقاع الحياة وإحساسنا بالواقع. وأشار البعض إلى أن الجائحة أثرت على إحساسهم بالزمن واشتكى الكثيرون من صعوبة التركيز وتشتت الذهن. ويفاقم الانتباه المتواصل لأخبار الجائحة على وسائل الإعلام من المخاوف والضغوط وقد يؤدي إلى صدمة نفسية غير مباشرة أو ما يسمى "صدمة بالإنابة". فالقصص المخيفة قد تثير نفس مشاعر الضغوط المسببة للصدمة لدى الأشخاص الذين لم يعانوا من المرض.

إذ أشار استطلاع للرأي إلى أن نحو 15 في المئة من الأخصائيين النفسيين الذين استمعوا إلى القصص المروعة عن الوباء من مرضاهم أصيبوا بالصدمة غير المباشرة.

وتفاقم هذه المشكلة أيضا التهديدات الخفية التي تنطوي عليها البيئة. فالعالم من حولنا، من أصدقاء وجيران وأقارب ومناطق، لم يختلف ظاهريا بعد الوباء عما كان قبله، لكننا نراه الآن محفوفا بالمخاطر. فقد أدى الوباء إلى تقليص دور المحيط الاجتماعي الذي نلجأ إليه حين نتعرض للضغوط بسبب التهديدات الملموسة.

وأثبتت دراسات أن التجمعات والشبكات الاجتماعية في أوقات الكوارث والأحداث الصادمة التي تتعرض لها المجتمعات، مثل الهجمات الصاروخية في فلسطين وإسرائيل أو الاضطرابات التي شهدتها الجامعات في هونغ كونغ، تساعد المتضررين على التعافي من الصدمة النفسية. لكن في حالة جائحة كوفيد-19، أصبحت التجمعات مصدرا للمشاكل.

وقد دفع الركود الاقتصادي العالمي الناجم عن كوفيد-19 والحجر الصحي الملايين إلى حافة المجهول. وقد أشارت دراسات إلى ارتفاع معدلات الأمراض النفسية في أعقاب الركود الاقتصادي عام 2008، بسبب الإفلاس وارتفاع معدلات البطالة وانهيار الخطط والتطلعات للمستقبل.

ويقول غيلاد هيرشبرغر، أخصائي نفسي اجتماعي بمركز "هيرزليا" للأبحاث في إسرائيل: "إذا أصبح شخص واحد عاطلا عن العمل، فهذه أزمة شخصية. لكن إذا أصبحت نسبة كبيرة من سكان هذا البلد عاطلين عن العمل، فإن النظام برمته يواجه أزمة".

وستكون آثار الصدمة الجماعية المباشرة وغير المباشرة أكثر خطورة على الأطفال. فعلى الرغم من أن الأطفال أكثر قدرة على التكيف، إلا أنهم أكثر تأثرا بالاضطرابات النفسية مقارنة بالبالغين. ويقول سترايكي: "قد تتشكل لدى الأطفال رؤية مرعبة للعالم، فسيتصورون أن ما دام آباؤهم وأمهاتهم لا يمكنهم مواجهة الأزمات، فإن العالم غير آمن". وستستقر هذه النظرة في أذهانهم في حال لم نتوخ الحذر.

ويقول سترايكي: "كل منا لديه عدسة يرى نفسه وغيره والعالم من خلالها، وتخلف الأحداث والتجارب أثرا على هذه العدسة، وأحيانا تكون مستديمة".

وإذا تعرض بعض الأطفال للصدمات لوقت طويل، قد يصبح كوفيد

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: