كاتبة أمريكية: سياسات الكرملين "خطر على صحة روسيا"
موسكو- (د ب أ):
في لقاء له من عدد من وزرائه خلال الشهر الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لا أعرف ما يحدث، حتى الأشخاص المتعلمين جيدا والحاصلين على شهادات عليا" مازالوا يرفضون الحصول على اللقاح الروسي المضاد لفيروس كورونا. لماذا ينتظر هؤلاء الأشخاص الإصابة بالمرض والمعاناة من أعراضه الحادة؟".
ومع الانخفاض الشديد لنسبة الحاصلين على التطعيم ضد كورونا، سجلت روسيا خلال سبتمبر الماضي أكبر عدد من الوفيات منذ الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي يستمر فيه ارتفاع عدد الإصابات الجديدة اليومية في البلاد. واضطر الكرملين إلى فرض أسبوع "بدون عمل" حتى 7 نوفمبر الحالي، مع فرض إغلاق جزئي على العاصمة موسكو. وهذه ليست المرة الأولى منذ وصول بوتين للسلطة قبل أكثر من 20 عاما، التي تعرقل فيها الاعتبارات السياسية للرئيس الروسي محاولات تحسين الصحة العامة والوفاء بتعهده لوقف تراجع عدد السكان في روسيا.
وتقول كلارا فيراري ماركيز، الكاتبة المتخصصة في الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية، في تحقيق نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية، إن روسيا كانت أول دولة في العالم تعلن التوصل إلى لقاح مضاد لكورونا عام 2020 وسط تهليل كبير، كما أنها نفذت واحدة من أطول حملات التطعيم على مستوى العالم. وتشير البيانات الفعلية إلى أن اللقاح فعال. ومع ذلك فإن ثلث الروس فقط هم الذين حصلوا على اللقاح وهي نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا.
كما أن عدد الروس الذين قالوا إنهم غير مستعدين للحصول على التطعيم، تراجع لكنهم مازالوا يمثلون حوالي 45% من إجمالي عدد المستهدف تطعيمهم في البلاد. وبعد فترة تباطؤ عمليات التطعيم خلال الشهور الأخيرة، بدأت النسبة تزداد فقط مع ارتفاع معدلات الإصابة خلال أكتوبر الماضي. في الوقت نفسه فإن عدد الوفيات اليومي في روسيا مازال عند مستويات عالية.
تضارب أولويات الكرملين
فما هو سبب الأزمة؟ على المستوى الأساسي يمكن القول إن تضارب أولويات الكرملين أدى إلى استمرار معركة البلاد ضد كوفيد 19 أطول من أي دولة أخرى. ورغم أن ارتفاع أسعار النفط والغاز سيعوض التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا في روسيا، فإن تأثيرات الجائحة على المستهلكين والمجتمع سوف تستمر.
ويقول ألكسي راكشا الخبير السكاني المستقل في روسيا إن عدد سكان روسيا تراجع خلال الفترة من أكتوبر 2020 إلى سبتمبر 2021 بنحو مليون نسمة مع استبعاد تأثيرات الهجرة.
وإذا كانت جميع حكومات العالم وجدت صعوبة في مواجهة الجائحة، فإن الدول المستبدة بشكل خاص وجدت نفسها مقيدة في التعامل مع الكارثة. فالصين مازالت رهينة للجهود الرامية إلى الإبقاء على عدد الإصابات الجديدة بالفيروس عند مستوى صفر، وتفرض حجرا صحيا صارما وتقبل بالخسائر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن ذلك. ويمكن القول أن هذه الإجراءات أدت على الأقل إلى إنقاذ أراوح الناس وهو ما لم يحدث في روسيا، بحسب كلارا ماركيز.
والحقيقة أن الصحة العامة في روسيا شهدت بعض التحسن في ظل الرئيس بوتين الذي يعتبر عدد سكان بلاده أحد مصادر القوة، حتى مع ثبات الإنفاق على الصحة كنسبة من إجنالي الناتج المحلي. فقد تم ترشيد عدد المستشفيات وإعادة التوازن إلى توزيعها، مقارنة بالحقبة السوفيتية. وانخفضت نسبة المستشفيات التي تحتاج إلى عمليات إصلاح كبرى من 27% من إجمالي عدد المستشفيات في روسيا عام 2000 إلى أقل من 17% عام 2018. وكان أغلب الإصلاحات من نصيب موسكو والمدن الكبرى الأخرى. كما ساهمت الحملات المناهضة للإفراط في شرب الكحوليات والتدخين إلى زيادة طفيفة في متوسط أعمال الرجال في روسيا. كما ساهم في ذلك تعافي الاقتصاد. ومع ذلك فإن تناقض سياسات الكرملين حدت من أي تقدم لروسيا على صعيد السكان.
"حامي قيم لعائلة"
وإذا كانت جهود تشجيع الإنجاب وتحسين أوضاع المرأة في العمل والبيت إلى جانب تحسين رعاية الأطفال، تحقق تأثيرات إيجابية في أماكن أخرى، فإن الأمر في روسيا ليس كذلك، حيث تراجع معدل الإنجاب، في حين أن بوتين يقدم نفسه باعتباره حامي قيم العائلة والقيم المحافظة، مع تجريم العنف المنزلي جزئيا في عام 2017 وتقييد الإجهاض.
ورغم أن روسيا واحدة من أكثر الدول مركزية سواء في السلطة أو الموارد، فإن الرئيس بوتين منح حكومات الأقاليم صلاحيات واسعة في مواجهة كورونا، مما أدى إلى تباين شديد في أوضاع الأقاليم. وتشير جودي تويج الأستاذ في جامعة فيرجينيا كومنولث المتخصصة في دراسة السياسات والصحة الروسية، إلى أن الأقاليم ذات القادة الأقوياء كانت الأفضل في مواجهة الجائحة. ففي منطقة بيلجورود جنوب موسكو حققت استراتيجية صرف مكافآت مالية للاطقم الطبية مقابل تحقيق معدلات تطعيم مرتفعة نتائج إيجابية من حيث زيادة عدد المواطنين الحاصلين على التطعيم وانخفاض عدد المرضى الذين احتاجوا دخول المستشفيات للعلاج.
وبحسب ماركيز، فإن الدعاية السياسية القومية المسمومة من جانب الكرملين كانت الجانب الأشد خطورة في تعامل روسيا مع الجائحة. فالمسؤولون الروس راهنوا على الفصل بين الانتقادات المستمرة للغرب والحديث عن خطورة اللقاحات الغربية، وبين اللقاحات المحلية. فقد أدت هذه السياسة الروسية إلى زيادة كبيرة في أعداد الروس المترددين في الحصول على اللقاحات وهو أمر لم يستطع الكرملين مواجهته حتى الآن.
أخيرا فإنه على عكس الحال في الصين، ليس أمام روسيا إلا الأمل في أن تنحسر الجائحة قبل الحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسية صعبة.
فيديو قد يعجبك: