اقتحام الكابيتول والبوندستاغ.. هل باتت الديمقراطية الغربية في خطر؟
برلين (دويتشه فيله)
شكل اقتحام الكونغرس صدمة للدول الغربية، وخاصة ألمانيا التي شهد برلمانها (البوندستاغ) أيضا محاولة اقتحام من محتجين مناهضين لإجراءات الوقاية من وباء كورونا. وهو ما يثير التساؤل، عما إذا باتت الديمقراطية في خطر؟
استقبل خصوم الولايات المتحدة حادثة اقتحام الكونغرس بفرح وشماتة، وخاصة تلك الدول التي تنتقدها أمريكا بأنها غير ديمقراطية، من فنزويلا في أمريكا اللاتينية إلى الصين في شرق آسيا. فقد كتبت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية معلقة على الحادث "لقد انفجرت فقاعة الديمقراطية والحرية".
سقوط النموذج
ما حدث في الكونغرس لم يفاجئ بن رودس، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إذ جاء في تصريحات أدلى بها لوكالة فرانس برس "هذه الصور ستغير بشكل دائم تصور العالم للولايات المتحدة. مع الأسف جاء هذا الانتقاص للديمقراطية في وقت تتقدم فيه الشعبوية القومية في كافة أنحاء العالم".
ولا يحتاج المرء العودة إلى عهد النازية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي للعثور على أمثلة مشابهة لما حدث في الكابيتول. ففي عام 2006 اقتحمت عصابة من اليمين المتطرف مبنى البرلمان في هنغاريا واشتبكت لأسابيع مع الشرطة في الشوارع، وهو ما شكل بداية صعود اليمين الشعبوي ورئيس الوزراء الحالي فيكتور أوربان.
رفع علم الرايخ داخل البوندستاغ
لكن أحدث محاولة للهجوم على برلمان دولة ديمقراطية، حصلت في ألمانيا قبل نحو ستة أشهر في شهر أغسطس الماضي، حيث اندفع محتجون ضد إجراءات الوقاية من كورونا على درج البرلمان محاولين اقتحامه. وكثير من هؤلاء المحتجين الذين حاولوا اقتحام البوندستاغ كانوا يحملون علم الرايخ بلونيه الأحمر والأسود والذي يعود إلى عهد القيصر.
وصحيح أن المحتجين في ألمانيا لم يسافروا إلى العاصمة برلين من أماكن بعيدة كما حصل في الولايات المتحدة حيث أتى كثيرون من ولايات ومدن بعيدة إلى واشنطن للمشاركة في الاحتجاج واقتحام الكونغرس، لكن نظرا للماضي النازي في ألمانيا كانت الصدمة في برلين كبيرة!
وعلق وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، على ما جرى في الكونغرس مقارنا إياه بما حصل في برلين بالقول "الكلمات المحرضة تتحول إلى أعمال عنف على درج البوندستاغ والآن في الكابيتول".
كذلك علق الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير على الحدث مقارنا إياه بما حصل في برلين، وقال موجها كلامه للألمان "الكراهية والتحريض خطر على الديمقراطية، الأكاذيب خطر على الديمقراطية، العنف خطر على الديمقراطية". وحين كان شتاينماير وزيرا للخارجية وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان يخوض حملته الانتخابية آنذاك، إنه "داعية كراهية".
أما الباحث الألماني المختص في شؤون اليمين المتطرف ويتابع أنشطته على الانترنت، ميرو ديتريش، فلا يرى التشابه بين ما حصل في الكونغرس وأمام البوندستاغ في فشل الدوائر الرسمية فقط، وإنما بوجود دلائل على ما حدث في الانترنت قبل ذلك، ويقول في حوار مع DW "الدوائر الأمنية المسؤولة عن الحماية، لم تر تلك الدلائل. والحقائق البديلة التي تنتشر في الانترنت وتدعو بشكل واضح جدا إلى العنف وتنظمه، لا يتم أخذها على محمل الجد".
" الرئيس نفسه يشكك في الديمقراطية"!
لكن ما حجم الاختلافات السياسية والاجتماعية بين الوضع في ألمانيا ووالوضع الولايات المتحدة؟ وما مدى ضعف الديمقراطية؟ الباحث في شؤون الأحزاب السياسية، سيباستيان بوكو، يرى في حوار مع DW أن "الفارق الأساسي أنه في الولايات المتحدة يتم التشكيك في الديمقراطية من قبل الرئيس نفسه منذ أربع سنوات" في حين أن ما حصل في برلين أمام البوندستاغ قامت به "مجموعة صغيرة جدا من الأقلية المتطرفة في المجتمع".
ومن جانبه يقول المحلل السياسي، هانز يورغن بوليه في حوار مع DW "هناك استقطاب كبير جدا في الولايات المتحدة، أكبر بكثير مما في أوروبا" وخاصة في زمن متوتر بسبب "سياسة ترامب أيضا" الذي يرى وكأن من واجبه زيادة الاستقطاب، "ولم تشهد الولايات المتحدة من قبل هكذا رئيس!".
لحاضنة الشعبية
يظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "يوغوف للاستطلاع" مدى انقسام المجتمع الأمريكي حتى تجاه حادثة اقتحام الكونغرس. وتشير نتيجة الاستطلاع إلى أن 45 بالمائة من أنصار الحزب الجمهوري يؤيدون العنف الذي حصل، في حين يرفضه 43 بالمائة. وإن 21 بالمائة ممن شاركوا في الاستطلاع أيدوا اقتحام الكابيتول.
لكن المحلل السياسي هانز يورغن بوليه، يقول "الآن في غربي أوروبا لا يلوح في الأفق تفهم لمثل هذه الأعمال والميل للعنف". ويرى الباحث السياسي سيباستيان بوكو أن "الرضا عن الديمقراطية ثابت، بل وحتى في ازدياد. لكن وفي نفس الوقت هناك جزء صغير من المجتمع متطرف، يرفض الديمقراطية" في دول أوروبا الغربية.
الحل: المشاركة السياسية
يعتقد بوليه أن الشعبوية ليست هي المشكلة الحقيقية، وإنما هي "أحد أعراض العيوب التي يمكن أن تعتري الديمقراطية والحلول السياسية التي يتم طرحها". ويضيف بأن أفضل حل لمواجهة الشعبوية هو "السياسة الجيدة، التي ليست سياسة الأحزاب والساسة الشعبويين، إنها السياسة العقلانية المنفتحة والتواصل السياسي الجدي" بدون وعود كاذبة.
ويرى الباحث السياسي بوليه، أن هناك مبالغة في العالم فيما يتعلق بالولايات المتحدة كنموذج للديمقراطية، وخاصة من "البسطاء وهؤلاء الذين كانوا يرون في أمريكا الخير والشمس المشرقة على الأرض والبلسم الشافي". ويضيف بأن الولايات المتحدة أيضا يمكن أن تكون أحيانا "غير بعيدة عن جمهوريات الموز".
فيديو قد يعجبك: